رووداو ديجيتال
على ضفاف نهر يانغتسي، أطول أنهار آسيا، يقف سد الممرات الثلاثة شامخاً بوصفه أكبر محطة كهرومائية في العالم، ومعلماً هندسياً غيّر طبيعة المنطقة واقتصادها، بل وحتى دورتها البيئية.
السد، الذي بدأ تشييده عام 1994 ودخل الخدمة رسمياً في عام 2009، يمتد على طول 2.3 كيلومتر ويبلغ ارتفاعه 185 متراً، ويحتوي على خزان مائي ضخم بسعة تخزين تصل إلى 39.3 مليار متر مكعب.
بحسب الشركة المشغلة، ينتج السد سنوياً أكثر من 100 مليار كيلوواط في الساعة من الكهرباء النظيفة، ليُعدّ بذلك عموداً أساسياً في استراتيجية الصين للتحول إلى الطاقة المتجددة.
ومع هذا الإنجاز الهندسي، لم تغب الأسئلة العلمية عن التأثيرات البيئية والجغرافية للمشروع. فقد ذكرت وكالة "ناسا" أن الثقل الهائل للمياه المتجمعة خلف السد أدى إلى إبطاء دوران الأرض بمقدار 0.06 ميلي ثانية. غير أن مسؤولي السد نفوا صحة هذه البيانات.
يقول مدير CTG لتوليد الكهرباء الكهرومائية، شو جانغي لشبكة رووداو الإعلامية: "لم أرَ الموضوع الذي ذكرتموه، وحالياً لا أملك أي معلومات أو بيانات يمكنها تأكيد تلك النتائج".
فوائد متعددة.. من الطاقة إلى التجارة
السد، بحسب القائمين عليه، لم يُنشأ فقط لتوليد الكهرباء، بل لتحقيق أهداف استراتيجية على رأسها السيطرة على فيضانات نهر يانغتسي، التي كانت تتكرر كل صيف وتدمّر مناطق واسعة في مجراه السفلي.
في هذا السياق، يقول شو جانغي، إن "الهدف من بناء سد الممرات الثلاثة هو السيطرة على فيضانات سهل نهر يانغتسي. في أقل من عشر سنوات، ارتفع منسوب المياه مرة واحدة بما يعادل ما يحدث كل مئة عام".
ويضيف أن السد يمكنه أن "يُنتج سنوياً ما قيمته 100 مليار يوان من الطاقة المتجددة، كما أن بناء المشروع حسّن كثيراً الممر المائي الذهبي لنهر يانغتسي، مما يسمح لعشرات آلاف الأطنان من البضائع بالوصول مباشرة إلى مدينة تشونغتشينغ".
وتُدار جميع عمليات السد عبر أنظمة ذكية عالية الكفاءة. ويؤكد جانغي في هذا السياق: "ثبتنا عشرات آلاف الأجهزة على السد للتأكد من أن جميع العمليات تحت السيطرة، وفي الوقت الحالي يُدار المشروع بأنظمة ذكية متقدمة".
انخفاض الفيضانات عشرة أضعاف
مع تدفق نهر يانغتسي جنوباً، كانت المناطق السهلية تعاني تاريخياً من كوارث فيضانية متكررة، لكن بناء السد قلب المعادلة.
في هذا السياق، يقول مدير لجنة التطوير والإصلاح في بجانغ، دينغ لينغ ميانغ، لشبكة رووداو الإعلامية: "كان نهر يانغتسي يتدفق مباشرة نحو الجنوب، وبعد تجاوزه الممرات الثلاثة، كان يجري في منطقة سهلية منخفضة. لذلك، في فترات فيضان الصيف، كان سكان أسفل النهر يعانون من كوارث متكررة. لكن بعد بناء السد، أصبح بإمكاننا التحكم في مستوى المياه وتقليل الفيضانات السفلى في أي وقت".
أتمتة ذكية وتشغيل متواصل
يعمل السد بنظام تشغيلي متواصل على مدار الساعة. ووفق مدير إدارة المركز، كاو يي، فإن بوابات عبور السفن تُشغَّل ما بين 30 إلى 32 مرة في اليوم، تمر عبرها نحو أربع سفن في كل مرة.
رغم حجم المشروع، إلا أن عدد العاملين فيه محدود جداً. يوضح دينغ لينغ ميانغ أن "عدداً قليلاً جداً من الناس يعملون لأننا نعيش يومياً في منطقة السد، عدا السياح. فقط بضع مئات من موظفي الصيانة والمشغلين الكهرومائيين يتولون إدارة العمليات".
ويضيف: "عند الحديث عن البيانات الضخمة، فإن قيمة الإنتاج السنوي من الكهرباء قد تصل إلى نحو ثلاثين مليار يوان سنوياً".
تكلفة بشرية باهظة
غير أن هذا الإنجاز الضخم لم يأتِ بلا ثمن. فقد أدّى بناء السد إلى أكبر عملية هجرة بشرية بسبب مشروع إنشائي في العالم، إذ هَجر ما يقارب مليون وخمسمائة ألف شخص منازلهم.
وغمرت مياه الخزان آلاف القرى والأرياف والمدن والبلدات، إلى جانب مواقع تاريخية وأثرية نادرة، مما أثار جدلاً داخلياً وخارجياً حول التوازن بين التنمية والحفاظ على التراث.
سد يغيّر جغرافيا التجارة
إلى جانب ما يقدمه من طاقة متجددة وتحكم بالفيضانات، يُعدّ السد ركيزة حيوية في منظومة التجارة الصينية. فبفضل الممر المائي الجديد، تمر عبر نهر يانغتسي سنوياً أكثر من 25 مليون حاوية شحن من وإلى الموانئ الصينية والعالمية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً