تجربة كوسوفو بعد 12 عاماً من الاستقلال

25-01-2020
هيمن عبدالله
الكلمات الدالة كوسوفو
A+ A-

رووداو – بريشتينا

قبالة مبنى كان فيما مضى المكتب الرئيس للأمم المتحدة في كوسوفو، تم نصب تمثال وصورة كبيرة. التمثال لمادلين أولبرايت، وزيرة خارجية أمريكا الأسبق، التي حمت من خلال جهودها الدبلوماسية، في عهد الرئيس بيل كلنتن، الكوسوفيين من الإبادة. عندما ترفع عينك عن تمثال أولبرايت، تجد صورة كبيرة لرجل ذي لحية بيضاء، فوق البوابة الكبيرة لملعب بريشتينا الدولي. هذا الرجل هو (آدم يشاري) وهو أحد أبطال الكفاح المسلح وينظر إليه الكوسوفيون على أنه بمثابة تشي غيفارا لهم. الملعب الذي كان يستخدم في السابق لإجراء المباريات المحلية اليوغوسلافية، استضاف مؤخراً مباراة لمنتخبي إنكلترا وكوسوفو. كوسوفو التي أعلنت استقلالها منذ 12 سنة وانفصلت عن صربيا، لم تصبح بعد عضواً في الأمم المتحدة، وتحمل لي ككوردي تجربة ثرية يمكن أن نتعلم منها.

اعترف أكثر من مائة من أعضاء الأمم المتحدة بدولة كوسوفو المستقلة، لكن امتناع روسيا وصربيا والصين وإسبانيا ودول أخرى عن الاعتراف بها يعيق عضويتها. تجد في شوارع أغلب مدن كوسوفو أربعة أعلام: علم أمريكا وعلم الاتحاد الأوروبي وعلم ألبانيا وعلم دولة كوسوفو. يجد كل كوسوفي نفسه مديناً لأمريكا. توجد السفارة الأمريكية في أجمل وأعلى مكان من مدينة بريشتينا في مبنى كبير يغطيه الزجاج. هذا مختلف تماماً عن مباني السفارات الأمريكية في دول العالم والتي تحيطها الجدران العالية وتحمى بإجراءات أمنية مشددة. ليس تمثال أولبرايت التمثال الوحيد، فهناك تمثال ضخم جداً لبيل كلنتن تظله صورة وعلم أمريكي. استغل تاجر كوسوفي هذا الحب اللامحدود وافتتح محلاً للألبسة النسوية بجانب التمثال وسماه "هيلاري". يقول الكوسوفيون إن هيلاري كلنتن عندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية زارت المحل وابتاعت منه بعض الملابس.

المسلمون الأوروبيون

أغلب الكوسوفيين مسلمون. لذا تشاهد المساجد والمآذن في كل مدن وقرى الدولة وتسمع نداء "الله أكبر"، لكنهم لا يشبهون في شيء مسلمي بقية أنحاء العالم، ويشعر المرء بأنه في دولة أوروبية تماماً. في أيام العثمانيين، كانت ولاية اسمها (قوسووة). بعد أن طرد الكوسوفيون العثمانيين من بلادهم، خضعوا لسنين طوال لحكم المسيحيين الصربيين ثم أصبحوا جزءاً من يوغوسلافيا، لكنهم لم يكونوا يعاملون كسائر جمهوريات الاتحاد اليوغوسلافي، وجرى إهمالهم ومنحهم حكماً ذاتياً محدوداً. فكافحوا كفاحاً مدنياً ومسلحاً حتى استقلالهم. أزياء الكوسوفيين وحياتهم المنزلية وأسواقهم كلها أوروبية تماماً. الدين منفصل عن السياسة في مجتمعهم، وليس عندهم أي حزب إسلامي يعتد به في البرلمان. في الفترة الماضية، انضمت قلة منهم إلى داعش، لكن كوسوفو ليست المكان الذي يتسع لمثل تلك الأفكار، وكل من تحدثت إليه كان يسخر من فكرة ذهاب كوسوفي إلى سوريا أو العراق ليقتل من أجل داعش.

الفساد أقل مما هو في كوردستان

تبذل كوسوفو جهوداً كبيرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. يعرف الشباب الكوسوفيون الألمانية أو الانكليزية على الأقل، لكن الاتحاد الأوروبي في تقاريره السنوية يلوم كوسوفو على عدم تمكنها من القضاء على الفساد. مناضلو الكفاح المسلح قبل الاستقلال تورطوا في الفساد وتوزيع المناصب على أقاربهم، لكن نسبة الفساد أقل بكثير مما اعتدنا عليه نحن الكورد. فكل من حلف ناتو والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الأوروبية تراقب بقوة التقدم الذي تشهده كوسوفو من الداخل، ما يضطر مسؤولي البلد إلى الحذر الشديد من التورط في الفساد وإن أقدموا عليه يفعلون ذلك في سرية شديدة.

من بين الأمور التي تدرج في خانة الفساد، العلاقات التي تربط مسؤولي كوسوفو مع أبناء بعض كبار المسؤولين الأتراك في مجال التجارة، والذي يجري الحديث عنه كثيراً هنا. نفذ الأتراك قسماً مهماً من مشاريع البنية التحتية في كوسوفو، مثل محطات الكهرباء والمطارات والطرق السريعة ومشاريع كثيرة أخرى. مع ذلك، لم يفز المسؤولون الذين كانوا يقيمون تلك العلاقات في الانتخابات الأخيرة التي فازت فيها المعارضة. لأن الأحزاب هنا ليست لديها جيوشها الخاصة، ومنذ أول أيام الكفاح المسلح كان عندهم هنا جيش موحد غير حزبي، فلا يستطيع أي حزب تهديد ديمقراطيتهم بقوته المسلحة.

المناطق الكوسوفية المتنازع عليها

أغلب سكان كوسوفو ألبان، وفي شمال البلد يعيش الألبان والصرب معاً. شهدت مدن الألبان على مدى عشرين سنة من الحرية ثورة عمرانية كبرى، وشيدت فيها مساكن وشقق وشوارع ومراكز تسوق حديثة عالية الجودة. عندما وصلت إلى شمال كوسوفو، وجدت حالة معاكسة في مناطق الصرب. كانت مناطق مهملة تشهد نزاعات ومواجهات مستمرة، مع تواجد قوة لحلف ناتو لحفظ السلام. هناك جسر يفصل بين الألبان والصرب في مدينة ميتروفيتشا. عندما أردنا اجتياز الجسر إلى الجانب الصربي من المدينة، أخذت منا قوات ناتو بطاقات التعريف الصحفية خاصتنا وصورتها وأوصتنا بالانتباه والتزام الحذر. في هذا الجانب من الجسر، يوجد جندي ألباني يحمل علم ألبانيا ووجهه إلى ناحية القسم الصربي. في الجانب الآخر من الجسر، يقوم تمثال كبير للمسيح، قبالة الجانب الألباني، مع قائمة بأسماء الصربيين الذين قتلوا على يد الألبان. أخبرني شيخ صربي بالقرب من التمثال: "لن يكون مستقبلنا معاً أبداً". أخبرني مترجمي أن الحكومة الصربية مازالت تدفع لصربيي المنطقة رواتبهم لكي لا يخضعوا لسلطة الدولة الكوسوفية ولا يقروا بها، ويستمروا في اعتبار أنفسهم جزءاً من صربيا. في هذه المعمعة باتت مدينة ميتروفيتشا ملأى بالخرائب وبالفقر.

مدينة الأم تيريزا

ينظر إلى بريشتينا على أنها مدينة الأم تيريزا. يعتز الألبان كثيراً بأن الدين لم يتسبب في التفريق بينهم. لهذا نجد حالات زواج بين عوائل ألبانية مسلمة وأخرى مسيحية، والجانبان يحلمان بإقامة ألبانيا الكبرى التي تضم جمهورية ألبانيا وجمهورية كوسوفو وقسماً من شمال مقدونيا والمناطق الأخرى من البلقان التي يقطنها الألبان. حتى في أيام الكفاح المسلح، كان جيش التحرير الكوسوفي يضم الكثير من الجنود والمقاتلين المسيحيين. تبذل صربيا جهوداً كبيرة من خلال الكنيسة الأرثوذوكسية الصربية لإقناع مسيحيي كوسوفو بمعارضة الاستقلال، لكن الألبان الأرثوذوكس يرفضون. مشكلة ملكية الكنائس الصربية في كوسوفو واحدة أخرى من المشاكل القائمة بين كوسوفو وصربيا والتي لم تحسم حتى الآن.

يهتمون بالشباب

رغم أن المرء يلمس حياة عصرية ملأى بالرفاهية في شوارع بريشتينا، فإن جيوب أغلب شباب البلد فارغة. ليس لهذه الدولة ثروات طبيعية كالنفط، لكن يوجد في باطن أرضها معدن آخر يستخدم في الصناعات الحديثة كصناعة الهواتف النقالة والسيارات. كما توجد في كوسوفو مصانع ضخمة لإنتاج النبيذ والمشروبات الأخرى. يقدم كوسوفيو الشتات مساعدات كبيرة لدولتهم التي استقلت حديثاً ويستثمرون أموالهم فيها. كما أن الدولة تدعمهم وتقدم لهم التسهيلات. الشباب الذين أتيحت لهم الفرصة، لمعوا في كثير من المجالات في العالم، خاصة في مجال الغناء. لكنهم لم يتوقفوا عند ذلك الحد، ويريدون أن يقدم بلدهم خدمات جليلة للعالم في مجالات الخدمات والإبداع العلمي. لهذا فإن الكثير من الشركات تنقل مراكزها إلى كوسوفو. يجري في مركز زرته في بريشتينا، العمل على اختراعات علمية كبيرة وتسجيلها باسم كوسوفو في المراكز الدولية.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب