التجسس في عصر التكنولوجيا الرقمية

11-05-2019
رووداو
الكلمات الدالة التجسس التكنولوجيا الرقمية العالم
A+ A-

رووداو- أربيل

يشهد عالم التجسس مجموعة تغييرات كبيرة سياسية، قانونية، اجتماعية وتجارية، وفي ظل هكذا ظروف، تضطر الوكالات الاستخبارية إلى التأقلم مع الأوضاع الجديدة، ولكن ما هي التغيرات التي طرأت في هذا المجال؟ تتحدث مجلة "فورين بوليسي" في تقرير لها عن هذه التغيرات.

تغير التوازنات

شهد ميزان القوى في عالم التجسس تغيراً لأنه "بات صعباً على الدول الغربية (المنفتحة) التجسس على إيران، الصين وروسيا (الدول الثلاث المنغلقة)، بينما بات سهلاً على الدول الأخيرة التجسس على سائر مناطق العالم".

من جهة أخرى يزداد الاضطراب في ميزان المعلومات وتكنولوجيا التجسس بين القوى العظمى في هذا المجال وبين الدول الأخرى، في حين أن الدور الأكبر في عالم التجسس الحديث تلعبه الخبرة التقنية، وليس الشبكات التجسسية المكونة من عناصر بشرية.

الجواسيس في القطاع الخاص

كان على جواسيس الحكومات، في فترة من الفترات، أن يبتعدوا بعد انتهاء فترة عملهم، عن العمل وتقديم المشورة الاستخبارية، لكن ذلك العهد انقضى لأن الحدود بين "العمل الاستخباري في القطاعين العام والخاص اضمحلت كثيراً وأصبح متعهدو القطاع الخاص يشكلون قسماً رئيساً من عالم التجسس".

فإن كان على الجواسيس أو مستشاري الأجهزة الاستخبارية الغربية، في السابق، قضاء حياة هادئة، فإن ذلك الواقع قد تغير وأصبحت العناصر التي عملت سابقاً في الأجهزة الاستخبارية الحكومية وتقاعدت، تجد فرص عمل لها في الشركات الاستخبارية الخاصة.

تضع شركات القطاع الخاص خبراتها وأدواتها التجسسية في خدمة دول أخرى، والمثال الصارخ على هذا هو شركة NSO الإسرائيلية التي باعت خبرات قراصنتها للسعودية.

الصداع الذي تسببه التكنولوجيا للجواسيس

يعد الحفاظ على سرية هويات الجواسيس من بين أكبر التحديات التي تواجه الأجهزة الاستخبارية، حيث أن انكشاف أمرهم يمثل المشكلة الكبرى للأجهزة الاستخبارية. ففي الماضي، كان الكشف عن هوية مشبوه يتطلب الاطلاع على مئات الوثائق وإلى المتابعة المستمرة، لكن الأجهزة الاستخبارية تستطيع الآن وخلال دقائق الاطلاع على عقدين سبقا من تاريخ الشخص المشبوه، حيث تستطيع تكنولوجيا التعرف على الوجوه (face regocgnition) التعرف خلال دقائق على وجه الشخص المشبوه.

كما أصبحت شبكة الإنترنت وسيلة أخرى للكشف عن هويات الجواسيس، فبمجرد بحث يستغرق دقائق في الشبكة، يمكن العثور على صور للمشبوه في أماكن مختلفة ومع أشخاص مختلفين ووضعها في متناول الأجهزة الاستخبارية، فمثلاً يمكن لصورة للمشبوه تعود لسنوات سابقة مع مسؤولين أمريكيين إلى تعزيز الشكوك عند جهاز الاستخبارات الروسي.

الهاتف المحمول، جهاز تجسس في الجيب

يشير تقرير فورين بوليسي إلى أن الهاتف المحمول واحد من المصادر الرئيسة لجمع البيانات من قبل الأجهزة الاستخبارية، لأن بإمكان الجهاز الاستخباري اختراق الهااتف المحمول والاطلاع على كل الاتصالات الصوتية والمكتوبة للمشبوه، ومعرفة كل تحركاته، أو تشغيل لاقطة الصوت في الهاتف المحمول بدون علم الشخص المشبوه وسماع كل ما يقوله هو والمحيطون به.

وبينما لا يستطيع أحد التخلي عن حمل الهاتف المحمول، لأنه يزيد من شكوك الأجهزة الاستخبارية لتلك الدول في أمره، كما لا يستطيع تغيير رقم هاتفه أو جهازه في فترات متقاربة جداً، فهذه أيضاً تصرفات مشبوهة، وأغلب الأشخاص العاديين لا يغيرون أرقام هواتفهم ويحتفظون بهاتفهم المحمول سنة على الأقل.

التجسس، القوانين والأعراف الاجتماعية

شهدت الدول الغربية في العامين الماضيين، نقاشاً كبيراً يتعلق بحدود عمل الأجهزة الاستخبارية، وكان القسم الأكبر من هذا النقاش يركز على حماية بيانات مستخدمي التكنولوجيا الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي.

وأرغم هذا النقاش الحكومات الغربية على وضع عوائق قانونية مشددة في طريق الأجهزة الاستخبارية ما كبل الأجهزة الغربية منها مقارنة بالأجهزة الاستخبارية التابعة لدول كالصين وروسيا.

فمثلاً، لكي يحصل جهاز استخباري في الغرب على حق الحصول على تسجيلات صوتية أو رسائل نصية من الهاتف المحمول لشخص ما، عليه أن يحصل على قرار من المحكمة، بينما طلبت الحكومة الصينية من كافة شركات القطاعين الخاص والعام العاملة في مجال المعلومات االرقمية، أن تتعاون مع الأجهزة الاستخبارية.

المشكلة الأخرى تتمثل في الأعراف الاجتماعية التي يمكن أن تتغير خلال فترة قصيرة، فما كان عادياً في المجتمع قبل سنوات قد يعتبر الآن منكراً، ويمثل التقرير لهذا باستخدام هويات أطفال ميتين من قبل الشرطة السرية البريطانية.

كانت الشرطة السرية البريطانية قد لجأت في الفترة 2011-2013 إلى هذه التقنية لدس جواسيسها في صفوف الجماعات الأصولية، وقد أدى انكشاف هذه التقنية إلى إثارة ضجة واسعة في المجتمع البريطاني وعرض المؤسسات الأمنية والاستخبارية البريطانية للمساءلة، ففي حين كان إخفاء هويات الموتى في فترة الحرب الباردة أمراً يسيراً، بات هذا الأمر صعباً مع ظهور بنوك المعلومات الرقمية.

الحرب أم التجسس

كان الاختلاف بين مؤسسة استخبارية وقوة مسلحة بارزاً في فترة الحرب الباردة، فالجاسوس يعمل على الكشف عن أمر ما ويلجأ دائماً إلى الاختباء وراء شخصية مزيفة، بينما القوات العسكرية كانت معروفة بزيها العسكري ومحكومة بالقوانين العسكرية للبلاد. لذا كان الأسرى من القوات المسلحة يعاملون معاملة أسرى حرب، بينما كان الجواسيس يتعرضون للقتل وكأن الأمر في خير البلدين المعنيين.

أما في عهد التجسس عبر الشبكة العنكبوتية، فمن الصعوبة بمكان التمييز بين النوايا التجسسية والنوايا الحربية، فمثل لو اخترق أشخاص تابعون لدولة ما النظام الكمبيوتري لدولة أخرى للحصول على معلومات عن قطاع معين، فإن الدولة التي تتعرض للقرصنة لن تستطيع أن تحدد هل أن ذلك مجرد عملية قرصنة أم استعداد لحرب.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب