رووداو - أربيل
رغم أن ألمانيا هي الدولة التي فتحت أبوابها أمام اللاجئين والمهاجرين، واتبعت سياسة الباب المفتوح، فإن ثمة تزايداً مستمراً من قِبل الألمان على شراء الأسلحة وترهيب المهاجرين بها.
ووفق تقريراً نشرته صحيفة " Zeit" الألمانية ترجمه موقع "هاف بوست عربي" فأن خلال السنة الماضية، قام مئات الألمان بشراء أسلحة بشكل غير قانوني عبر الإنترنت. وقد استخدموها من أجل إطلاق النار على المهاجرين وترهيبهم. وفي الأثناء، تظهر البيانات الرسمية أن هذه التجارة غير القانونية قد ازدهرت بشكل كبير، في حين أن محترفها ينتمون إلى الشرائح الاجتماعية كافة.
وبحسب الصحيفة الألمانية، ينفتح القفل بعد إدارة المفتاح مرتين، ثم ينفتح الباب ويظهر في صورة معلقة على الحائط رجل في الخمسين من عمره، ضئيل الحجم ولكنه قوي البنية، يرتدي نظارة طبية. كان يعيش في هذا المكان مواطن ألماني، يشار إليه فقط بحرف "إم"، الأول من اسمه. ويعد هذا الرجل أحد الذين اشتروا مسدساً بشكل غير قانوني؛ من أجل إطلاق النار على المهاجرين. في الواقع، يعيش هذا الرجل بحيٍّ هادئٍ وسط مدينة برلين، في منطقة شعبية لا تزال أسعار استئجار الشقق فيها رخيصة.
فهل يملك هذا الرجل أي تفسير لإقدامه على شراء مسدس، يُعرف باسم "تخويف المهاجرين"، من شبكة الإنترنت؟ يبدو هذا السلاح الفردي الذي يتم الترويج له عبر الإنترنت على أنه قادر على التصويب بدقة خاصة على الأجانب، وهو مسدس من صنْعٍ مَجريٍّ، مخيفاً. وقد صُنعت رصاصاته من المطاط الصلب، في حين يبلغ ثمنه 400 يورو، علماً أنه يعتبر خطيراً على الإنسان وقد يفتك به.
وبحسب مراسل الصحيفة الألمانية: يبدو السيد "إم" في البداية متردداً، ثم يدعونا للدخول إلى غرفة الجلوس، حيث تبدو الأرضية نظيفة والأثاث مرتباً، في حين زُيِّنت الخزانة ببعض التذكارات الآسيوية. وقد أشار السيد "إم" لاحقاً إلى أنه كان يسافر كثيراً إلى أنحاء العالم كافة، كما أنه ذهب إلى كوريا الشمالية.
اختفى السيد "إم" دقائق في الغرفة المجاورة، ثم عاد حاملاً مسدساً ووضعه أمامه على الأريكة وجلس على كرسي مغلف بالجلد. ويبقى السؤال المطروح: ما الذي دفعه لشراء هذا المسدس؟ في هذا الصدد، أورد السيد "إم" بصراحة: "لدي مشكلة مع المهاجرين، حيث أشعر بأنهم يمثلون تهديداً على حياتي".
وقد أوضح لنا "إم" أنه يعمل جزاراً لأحد مراكز التسوق، في حين ينحدر أغلب العاملين معه من أصول أجنبية. وغالباً ما يتعرض "إم" للمضايقات والإساءات من قِبل هؤلاء، بحسب زعمه. وفي هذا الإطار، قام رجل أسود، يحمل زجاجة مهشَّمة، بمهاجمته وتهديده في إحدى المناسبات، مما أصابه بالخوف الشديد، بحسب الصحيفة الألمانية.
إطلاق النار والهروب
أكد السيد "إم" أنه قام مؤخراً باستعراض سلاحه الصغير أمام من حوله. ولكنه ليس الوحيد الذي تجرأ على ذلك، حيث لم يتوانَ وزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزيير، عن دق نواقيس الخطر في لقاء تلفزي، معلناً أن عدداً متزايداً من الألمان يسعون لشراء أسلحة بشكل غير قانوني.
في سياق متصل، أفاد هذا الجزار بأنه "في البداية، اشتريت مسدسين يطلقان نوعاً من الغاز كفيلاً بإصابة الشخص بشلل في الحركة. ويعد ذلك أمراً قانونياً في بعض المحلات بألمانيا. ولاحقاً، عثرتُ صدفةً على موقع بالإنترنت يبيع مسدسات، ومليء بشعارات تشجع على كراهية المهاجرين. فقررت شراءه؛ لأنه يُحدث ضرراً أكبر من المسدسات التي تطلق الغاز، حيث يمكنني من خلال هذا المسدس إطلاق النار والابتعاد عن مكان الجريمة بكل بساطة".
وتحقق المواقع التي تبيع أسلحةً كفيلةً بإخافة المهاجرين، مكاسب مالية كبيرة من خلال تجارة الخوف، ويشجع هذا على تبني هذه الأفكار ضد الأجانب بشكل عام. وفي هذا الموقع، يمكنك شراء المسدس الذي يسمى "تخويف المهاجرين"، مع علبة بها كل المعدات المرافقة له، مثل الذخيرة، علماً أنه توجد به بنادق تبدو مرعبة تشبه بندقية الكلاشينكوف أو مسدساً ثنائي الفوهة.
وشدد السيد "إم" على أن ما دفعه لهذا الخيار يتمثل في أن شراء المسدس بشكل غير قانوني يتيح له الحفاظ على الأمر في كنف السرية. فضلاً عن ذلك، هذه الطريقة تسمح له بتجنب الإجراءات القانونية والاستمارات التي يجب عليه ملؤها من أجل الحصول على سلاح شخصي، خاصة أن أصحاب هذا الموقع يمارسون تجارتهم بشكل سري.
وفي هذا السياق، ورد في هذا الموقع: "إذا كنت لا تريد لمدينتك أن تصبح مرتعاً لطالبي اللجوء، إذا كنت تريد حماية نسائك وأطفالك وجعل المناطق العامة صالحة للارتياد، فعليك أن تتحرك الآن وتفعل شيئاً ما". وإضافة إلى هذا التحريض، ينشر الموقع شائعات حول أعمال عنيفة يدّعي أن لاجئين ومهاجرين قاموا بارتكابها، بحسب Zeit.
وفي ظل هذا التحريض وتأجيج الكراهية، أقر السيد "إم" بأن كل شيء بالنسبة له كان واضحاً وبسيطاً؛ ولذلك قرر شراء هذا السلاح، من قِبل أشخاص لم يطلبوا منه حتى إظهار هويته الشخصية. وبعد أسابيع قليلة، وصل الطرد البريدي وفي داخله المسدس، وقد قام أحد الجيران بتسلُّم الطرد بدلاً عنه. ولاحقاً، عندما تفطَّن هذا الجار إلى الأمر شعر بالخوف والقلق؛ لأنه تورط دون علم منه في هذا العمل غير القانوني.
ويعد السيد "إم" واحداً من بين 198 شخصاً في ألمانيا اشتروا أسلحة للاعتداء على المهاجرين خلال الأشهر السبعة الماضية. وتتجلى هذه الإحصائيات من خلال البيانات التي جمعتها السلطات الألمانية، والتي حصلت عليها صحيفة تسايت.
وفي الأثناء، تُظهر هذه البيانات أن تجارة الخوف من المهاجرين تحقق أرباحاً كبيرة، ليس فقط في صفوف اليمين المتطرف؛ بل امتدت أيضاً إلى الطبقة المتوسطة بالمجتمع. فقد باتت أعداد متزايدة من الأطباء، والسياسيين المحليين، ورجال الأعمال، والمدرسين، ومهندسي الكمبيوتر ومربي الأغنام، يعتقدون أن عليهم الدفاع عن أنفسهم أمام الغرباء من خلال شراء سلاح شخصي وتركه في متناول اليد. وعموماً، تشير هذه الظاهرة إلى أن المجتمع الألماني قد تأثر بالفكر المتطرف والمواقف المعارضة لتدفق المهاجرين، وهو ما أثبتته هذه الأرقام، بحسب الصحيفة الألمانية.
مَن الأشخاص الذين يشترون مسدسات تخويف المهاجرين؟
يتوافد المشترون من كل أنحاء ألمانيا، في حين أن أغلب هؤلاء الحرفاء قرروا شراء مسدس سهل الاستعمال، يطلق الرصاص المطاطي بقوة طاقة حرارية تبلغ 80 غول. وقد تم طلب هذا النوع من المسدسات في 84 مناسبة، فيما اختار بعض الحرفاء الآخرين شراء البنادق التي تشبه الكلاشينكوف. فضلاً عن ذلك، يوجد مسدس آخر صغير الحجم كُتب عليه "مناسب لحقيبة أي امرأة".
في الواقع، تعد هذه الظاهرة فرصة ذهبية لتجار الخوف من أجل تحقيق المزيد من الأرباح. ففي معظم الوقت، يقوم هؤلاء ببيع المسدس الصغير بسعر 349 يورو، أما البندقية التي تشبه الكلاشينكوف فيبلغ سعرها 740 يورو. وقد وصل الأمر ببعض الحرفاء لدفع 4000 يورو من أجل الحصول على سلاح شخصي. ومنذ شهر مايو/أيار الماضي، كسب هذا الموقع أرباحاً وصلت إلى 110 آلاف يورو من هذه التجارة، حسب التحقيقات الرسمية.
ويُمنع بيع هذه الأسلحة أو استعمالها في ألمانيا، حيث يُمنع بشكل تام إطلاق النار باستخدام الرصاص المطاطي من أجل نشر الرعب في صفوف المواطنين.
كان إينغو ماينهارد شاهداً على ما يمكن لهذه الأسلحة أن تتسبب فيه. ويشغل هذا الرجل منصب مدير الرابطة الألمانية لصانعي وتجار السلاح. وفي مختبر لإجراء التجارب، عمد ماينهارد إلى مراقبة التجارب التي أُجريت على هذه الأسلحة، التي ينوي المتطرفون استخدامها لإخافة المهاجرين والاعتداء عليهم.
أشخاص عاديون جداً
في سياق متصل، وبحسب Zeit، فقد تم تحديد هوية عدد من مشترى هذه الأسلحة ضمن هذا التحقيق، ومنهم أشخاص عاديون على غرار التجار والمثقفين والعمال. ومن بين هؤلاء، رجل أعمال من بلدة بادن فورتمبيرغ في جنوب غربي ألمانيا. وقد كان هذا الرجل يدعو، بشكل علني، للتسامح ويتظاهر بمعارضة العنصرية والرغبة في تحقيق التعايش السلمي في المجتمع، ولكن تبين بشكل قطعي أنه كان أحد الذين اشتروا هذه المسدسات عن طريق الإنترنت.
ويضاف إلى هذه اللائحة، أحد مستشاري الضرائب في هامبورغ، طلب إرسال السلاح إلى مكتبه في الشركة التي يعمل لحسابها، فضلاً عن أحد تجار السيارات في شمال غربي البلاد، كان معروفاً ببيع السيارات القديمة لهواة جمع السيارات، وكذلك طبيب أسنان في مقاطعة بافاريا، وطبيب أمراض باطنية من ولاية تورينجيا وسط ألمانيا، وفيزيائي من ساكسونيا، ومستشار مالي في بنك معروف في هولشتاين.
وخلال زيارة مراسلي الصحيفة الألمانية لمقر الشركة في المجر، وصل لهذه المعلومات، ومنها تعرض هذه الشركة على الزبائن أنظمة مراقبة وخدمات أمنية، وتعرض خدمات ومنتجات أخرى دون الإفصاح عن ماهيتها. وتعتمد هذه الشركة، حسب ادعائها، على رأس مال لا يتجاوز 10 آلاف يورو.
كيف تصل هذه الأسلحة إلى ألمانيا؟
لا يبعد مكتب هذه الشركة في بودابست كثيراً عن مقر شركة البريد والبرلمان المجري. ويقع مقر الشركة في الطابق الأول بمبنى مكون من 5 طوابق. ويمكن من خلال قراءة سجلات الشركة معرفة أن ملكيتها تعود إلى شخص ألماني، وهو المالك الوحيد والمدير، واسمه ماريو رونش. وقد وجدنا الاسم على وصولات الشراء وفي بيانات موقع الإنترنت الذي يبيع أسلحة إخافة المهاجرين، بحسب الصحيفة الألمانية.
ومن المثير للاهتمام أنه وفي ألمانيا كان العديد من المدّعين العامين قد عملوا سابقاً في قضايا متعلقة بهذا المدعو رونش. ومن بين القضايا التي تورط فيها، الاشتباه في مشاركته بتحريض الأشخاص على ارتكاب اعتداءات جنائية. وفي مدينة إيرفورت، الواقعة بولاية تورينجيا وسط ألمانيا، شارك هذا الشخص في مظاهرات نظمتها "حركة بيغيدا" العنصرية والمعادية للأجانب.
علاوة على ذلك، يشتبه في أنه العقل المدبر وراء بعض حملات الكراهية والعنصرية التي شهدتها البلاد، على غرار النشاط الذي تقوم به إحدى صفحات الفيسبوك المشبوهة، التي ما فتئت تشن حملة شعواء ضد المهاجرين والمسلمين بشكل خاص.
من جانب آخر، تدعو هذه الصفحة مستخدمي الموقع لممارسة العنف ضد المسلمين باعتبارها طريقة "لتسوية الأمور بشكل شخصي" دون إعارة أي اهتمام للسياسات والمواقف الرسمية. وعموماً، يشار إلى أن هذه الصفحة التي تبث الكراهية اختفت بشكل مفاجئ في شهر مايو/أيار، في الفترة نفسها التي اختفى فيها أيضاً المشتبه فيه رونش.
فهل يعيش ماريو رونش الآن في بودابست ويدير من هناك تجارة أسلحة غير شرعية، يبيعها لتجار سلاح ألمان؟ يبدو هذا الاحتمال وارداً للغاية، حيث يمتلك رونش سجلاً ضريبياً في المجر. وبالإضافة إلى عنوان شركته، هناك أيضاً عنوان شخصي موجود في سجلات هذه الشركة الهولندية الألمانية.
محدودية مراقبة الطرود البريدية
وبحسب الصحيفة الألمانية، يبدو أن صناعة هذه الأسلحة أسهل حتى من تجارتها، حيث يتم إنتاجها في منطقة بالجانب الغربي من نهر الدانوب. ففي الحقيقة، يوجد مبنى بهذه المنطقة يتم فيه تصنيع هذه المسدسات والبنادق التي تباع للاعتداء على المهاجرين.
ويدير هذا المصنع نشاطاً يعتبر قانونياً في المجر، حيث إن أسلحته مصدَّق عليها بشكل قانوني. في الأثناء، يعرض موقع الإنترنت خدماته بالعديد من اللغات؛ ومن ثم فهو يصدِّر هذه الأسلحة لدول عديدة. ومن المفترض أنه وقبل الموافقة على هذا الأمر، يجب العودة للسلطات المعنيّة وإعلامها بهذه العمليات.
على الرغم من أن ماريو رونش يؤكد أن تجارته قانونية تماماً، فإنها في الواقع ليست كذلك. فبيع هذه الأسلحة الموجهة ضد المهاجرين يعد مخالفاً للقانون. ففي الحقيقة، ومن أجل تصدير السلاح داخل الاتحاد الأوروبي يجب التقيد بقوانين صارمة جداً، حيث إن أي شخص يريد نقل قطعة سلاح من بلد إلى آخر يحتاج إلى تصريح من كلا الجانبين.
ويمكن من خلال السجلات تعقُّب أثر هذه الطرود، حيث يُصدر البريد المجري وشركة "دي إتش إل" الألمانية" رقماً تسلسلياً خاصاً بكل إرسالية. ومن خلال حصولها على بعض هذه الأرقام، أُمكن لصحيفة "تسايت" الاطلاع على كيفية تسلُّم هذه الطرود ونقلها إلى مركز التجميع والتوزيع ثم إرسالها إلى الأراضي الألمانية. كما اكتشفت الصحيفة كيفية قيام الشركة الألمانية بتسلُّمها من الجانب المجري وإرسالها للحريف الذي قام بشراء السلاح.
قاضٍ من هامبورغ تورط في شراء سلاح
وصل أحد هذه الطرود المرسَلة من المجر إلى مدينة هامبورغ في يوليو/تموز، ولكن ساعي البريد لم يجد صاحب البيت. كان هذا الطرد يحتوي على مسدس و25 قطعة ذخيرة حية، إضافةً إلى 25 قطعة ذخيرة مطاطية. في هذا العنوان، كان يعيش قاضٍ متقاعد، عمل سنواتٍ في المحكمة المحلية، أورد هذا القاضي المتقاعد للصحيفة الألمانية أن الأمر مرتبط بالأساس بمجلة "كومباكت" الألمانية، وهي مجلة شعبوية تلقى رواجاً في صفوف أعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، وتتضمن دائماً مقالات حول نظرية المؤامرة والأفكار المعادية للأجانب.
وفي شهر يونيو/حزيران الماضي، كان صاحب الشركة التي تحرّض الأشخاص ضد المهاجرين، قد وزع رسائل دعائية لأسلحته على عناوين كل المشتركين في مجلة "كومباكت".
وتتواصل تجارة الأسلحة والمواد الخطرة في ألمانيا. ويوم الإثنين الماضي، تلقَّى بعض المواطنين رسائل ترويجية جديدة حول شراء أسلحة من أجل تخويف المهاجرين والاعتداء عليهم. وقد ورد ضمنها البيان التالي: "أمِّن نفسك عبر شراء هذا السلاح المميت بسعر مناسب". وقد وصلت آخر طلبيات هذه الأسلحة مؤخراً إلى مدينة مولهايم الواقعة في ولاية شمال الراين ويستفاليا، حسب البيانات الرسمية، وذلك يوم السبت الماضي بعد الظهر.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً