رووداو - أربيل
هنا يقع ملعب نادي الجهاد، نادي مدينة القامشلي، والذي يعتبر من أعرق النوادي الرياضية في سوريا، وكان يلقب بـ"بعبع الشمال"، وتخشاه أكبر أندية الدوري السوري، ولكن في 2004 بات هذا الملعب ساحة مواجهة بين كورد القامشلي والنظام السوري.
إلا ان نادي "الجهاد" لم يبق كما كان في السابق، فرغم تاريخه يلعب النادي الآن في دوري الدرجة الأولى السوري، ولا يلعب في ملعبه وهو مضطر للذهاب إلى الشام للمشاركة في مباريات الدوري.
وستقوم شبكة رووداو الإعلامية ومن خلال هذه الحلقة من برنامج "وَرزين" بالحديث عن تاريخ نادي الجهاد الرياضي، والمشاكل التي واجهها النادي في السنوات الأخيرة، وحالت دون أن يكون الجهاد خصماً مقلقاً للنوادي السورية الأخرى أو أن يلعب في الدوري الممتاز.
القامشلي التي تتنفس الصعداء بعد سنوات من الحرب والاضطرابات، تستذكر ذكريات أيام ما قبل الحرب، هذه الأيام التي كان فيها أبناء المدينة رغم الاضطهاد والمتاعب بعيدين عن رائحة البارود وأصوات المدافع، والأيام التي كانت الحياة تمضي في طريقها الطبيعي رغم كل المعوقات
لقد كانت القامشلي في سنوات ما قبل الحرب مسكن عشرات الآلاف من العوائل ذات الثقافات والأديان والأفكار المتنوعة، في تلك الأيام، كانت كرة القدم القوة السحرية التي توحد الجميع، وكان نادي الجهاد الذي يلعب فيه شباب القامشلي رمزاً لتصدي أبناء المدينة، وكان الجهاد، من الناحية الرياضية، مصدر قلق لكل النوادي المشاركة في الدوري السوري الممتاز.
اقترب نادي الجهاد مرات كثيرة من الفوز بلقب الدوري السوري الممتاز، لكن في كل مرة بذريعة أو حجة كان يحرم من اللقب بسبب عقوبات اتحاد كرة القدم السوري.
بابي شيار، له تاريخ طويل مع نادي الجهاد، لعب في صفوف الجهاد في الماضي، وهو الآن مدرب الفريق الأول للنادي، حيث تبدأ ذكريات بابي شيار من الحارة الغربية في المدينة ويروي أحداث الفترة الذهبية للجهاد.
رووداو: بابي شيار، أريد أن تحدثني عن بداياتك، من أين بدأت، كيف كانت طفولتك في هذا الحي، قبل أن تبدأ اللعب؟
عبدالعزيز إبراهيم (بابي شيار) لاعب سابق في نادي الجهاد: "بدءاً أرحب بكم وأهلاً وسهلاً، كما ترون فإن حينا هذا قديم يعود إلى ثمانين سنة.
رووداو: ما اسم حيّكم هذا؟
بابي شيار: انه حي الحارة الغربية. كان هذا شارع سيف الدولة، وأصبح مؤخراً شارع الشهيد معشوق، كنا أطفالاً هنا نلعب كرة القدم، كانت هناك فرق شعبية وكان شباب الحي يجتمعون فيها، كان عندنا فريقنا، فريق أبناء الحي، شباب الحي يلعبون فيه، لم يكن هناك ملعب، كان الملعب ترابياً وكانت الأوضاع حينها صعبة لم تكن هناك وسائل حينها، وفي العام 1978 انضممت إلى نادي الجهاد.
رووداو: أي أنك في 1978 أصبحت لاعباً في نادي الجهاد؟
بابي شيار: نعم، كانوا يريدون شباباً فذهبت، وفي تلك السنة وصلنا إلى الدوري الممتاز، وفزنا نحن الشباب ببطولة الدوري، وفي السنة التالية، أصبحت مجموعتنا مصنفة كفريق رجال، بقيت ضمن الفريق حتى العام 1982 عندما التحقت بالخدمة العسكرية، وخدمت في العسكرية أربع سنوات، حاول النادي نقل خدمتي العسكرية إلى هنا.
رووداو: أرادوا سحبك إلى هنا لتؤدي الخدمة العسكرية وتلعب للنادي في آن واحد؟
بابي شيار: في تلك الفترة طلبني فريق الجيش أيضاً، في تلك الأيام كان مدربنا المرحوم عبدو اسكندر، حاول نقلي إلى هنا لكن تلك المحاولات لم تنجح وأكملت أربع سنوات في العسكرية، وبعد عودتي عدت إلى التمرن مع الفريق.
الآن وبعد أن انتهت الحرب وأصبحت القامشلي آمنة مازال نادي الجهاد على حاله، لكنه فقد جزءاً كبيراً من قدراته وإمكاناته، بات الجهاد نادياً عادياً من أندية الدرجة الأولى السورية، ويحاول جاهداً العودة إلى الدوري الممتاز لكنه يخسر الفرصة كل سنة، وكاد في الموسم الماضي أن يحقق هذا الحلم، لكنه لم يتحقق.
الجهاد باق كإسم وكناد وجماهير، لكن الأحداث غيرت الكثير من وضع النادي فأضحى الجهاد الآن واحداً آخر من آثار الحرب التي غيرت الكثير في كوردستان سوريا، حيث يعاني النادي من أزمة مالية عميقة جداً جعلت كل من نتحدث إليه في النادي يبوح بآلاف الشكاوى.
ولتسليط الضوء أكثر على الأحداث التي أثرت على الفريق التقت رووداو مع رئيس نادي الجهاد، ريبر مسور.
رووداو: يعاني ناديكم، نادي الجهاد من واقع سيء، لماذا تحول نادي الجهاد إلى هذه الحالة؟ هؤلاء أساس جيد لبناء لاعبين مستقبليين، لكن المكان سيء! ما هي الأسباب؟
ريبر مسور، رئيس نادي الجهاد: "أهلاً بقناة رووداو، يسرنا أنكم أوليتم اهتماماً خاصاً بنادي الجهاد الذي يمثل القامشلي، لكن المؤسف أن نادي الجهاد بات ضحية الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ألمّت بالمدينة، في الواقع راح نادي الجهاد ضحية للظروف، مع الأسف أصبح نادي الجهاد منسياً، وكما يقال أصبح نادي الجهاد أمراً ثانوياً. نشعر بالأسف لبلوغ نادي الجهاد هذه المرحلة، مثلما ترون بأنفسكم، هذا المكان غير ملائم لكرة القدم والرياضة، لكن سلوانا هو أننا نعتز بنادينا الذي هو ثمرة دماء الشهداء ويمثل كل المدينة، يمثل النادي الكورد والعرب والمسيحيين جميعاً، لكن المؤسف أن لا أحد يهتم بنادي الجهاد، غير إدارته، وأصبحنا ضحية لهذه الظروف التي يعانيها نادي الجهاد والرياضة في القامشلي لا تسعد أحداً.
لو سألت في المحافظات السورية عن الحالة المزرية التي أصبح نادي الجهاد عليها لن يفرح بها أحد، لكن المؤسف أننا نعاني هذه الظروف، ولكن يحدونا الأمل في ظروف أحسن، وفي ظهور أشخاص يفهمون الرياضة ويدركون أن نادي الجهاد هو لهذه المدينة وليس لطرف معين، هو نادي هذا الشعب الذي قدم الشهداء والتضحيات وقدم نجوماً للكرة السورية، يجب أن يحظى هذا النادي بالاهتمام الذي يوازي اسمه وسمعته.
يبدو ان الظلم لنادي الجهاد ليس بالجديد وله جذور تاريخية، فأحداث القامشلي في 2004، جعلت أبناء المدينة ينتفضون على الظلم المتراكم، المكان الذي انطلقت منه شرارة الانتفاضة الكوردية في عموم سوريا في تلك السنة كان ملعب نادي الجهاد.
في 12 آذار 2004، استضاف نادي الجهاد في ملعبه نادي الفتوة في واحدة من مباريات الدوري السوري، في تلك الأيام كان إقليم كوردستان يشهد الفرحة بالفدرالية والقضاء على نظام صدام حسين، لذا فإن القلة من مشجعي نادي الفتوة التي حضرت المباراة، هاجمت الرموز السياسية لإقليم كوردستان، وأرادت إفراغ غلها تجاه إقليم كوردستان في أبناء كوردستان سوريا ما أدى إلى رد فعل من كورد المدينة.
لم تنته الأحداث بهذا، بل تدخلت أجهزة نظام البعث السوري وقتلت العديد من الشباب الكورد، ثم انتقلت شرارة الانتفاضة إلى الكثير من المدن والبلدات السورية الأخرى ومنها العاصمة دمشق، وأغلب الذين راحوا ضحايا ذلك الحادث كانوا من كورد سوريا، فالظلم الذي مورس ضد نادي الجهاد بلغ حد أن يكون الجهاد النادي الوحيد الذي لا يحق له اللعب في ملعبه، ويمنع من اللعب في ملعبه، كما لا يستطيع الاستفادة من ملعبه للتدريب، وظهور لاعبي النادي على أرض ملعبهم ممنوع بقرار من الإدارة الذاتية".
رووداو: إضافة إلى مشاكلكم المالية، تعانون مشكلة عدم اللعب في ملعبكم، وإذا شاركتم في الدوري السوري عليكم أن تذهبوا إلى الشام، لماذا هذا؟ لماذا القامشلي وحدها محكومة بهذا؟
ريبر مسور: "هذا قرار سياسي أن لا يلعب نادي الجهاد على أرضه، وهذا كلف النادي كثيراً، يجب حل هذا. لماذا لا يلعب نادي الجهاد على أرضه وليس له ملعب، متى كان نادي الجهاد بلا ملعب؟ نادي الجهاد ناد معروف، اسم كبير، لكن مع الأسف، لماذا يتم استصغار نادينا، فذلك يؤدي إلى استصغارنا، يجب إدراك أن هذا النادي ليس تابعاً لأشخاص بل هو ناد لشعب، يستحق نادي الجهاد أن يكون في وضع جيد، وللأسف إن اقتنعنا بأنه لم يعد لنادي الجهاد ظهير فسنلزم بيوتنا، لأننا لن نستطيع تحمل جعل أسمائنا وجهودنا ضحية لهذا الواقع، هذا الواقع الذي لم نتسبب نحن فيه لكي ندفع الثمن،فليصلحه الذين هم سبب هذا الواقع".
هذه ليست نهاية قصة معاناة الجهاد، فللمشاركة في دوري الدرجة الأولى السوري، على النادي أن يذهب إلى الشام ويبقى هناك فترة لغرض المشاركة في الدوري، وهذا أدى إلى تراجع كبير في واردات النادي، فقد كان بيع تذاكر المباريات المصدر الرئيس لدخل النادي، ليس تراجع الواردات وحرمان النادي من ملعبه هو السبب الوحيد الذي أفقد الجهاد جزءاً كبيراً من إمكانياته، بل أن السفر إلى الشام والبقاء هناك لأسابيع يكلفه كثيراً ويثقل كاهل النادي المثقل مادياً.
ويقول بابي شيار: لو ذهبنا إلى الشام وكانت لنا مباراة في يوم الجمعة، لم يكن بإمكاننا العودة مباشرة، كنا أحياناً نبقى شهراً في الشام، كان اللاعبون يتعبون ويصابون بالملل، لو أن هذه الظروف حلت بأي فريق فلن يتمكن من الاستمرار، والله لو أن أكبر النوادي أصبح في هذه الظروف لن يتمكن من الاستمرار، لقد أصبح المال هو الأساس في كرة القدم، اللاعب الذي لا يتقاضى المال لا يلعب، وفي حالتنا ليس هناك مال وإلى جانب ذلك نلعب خارج ملعبنا، من المفروض على اللجنة التنفيذية في الحسكة أن تتعاون مع نادي الجهاد وجميع أندية المحافظة، وأن تكون هناك عدالة، لكن هذا غائب، فهي تدعم نادي الجزيرة فقط".
عندما تتحدث لسكان القامشلي عن نادي الجهاد، يشيرون بحسرة إلى لاعب قديم في المدينة والنادي وهو "هيثم كجو"، فقد كان كجو لاعباً شاباً ورأس حربة خطيراً احتل بسهولة مكانه في قلوب مشجعي النادي وودعهم سريعاً ليخلف حسرة في قلوبهم.
كجو، مثل كابتن نادي آمد سبورت، شيخ موس، توفي في حادث مروري في 16 شباط 2002 عندما كان على لاعبي نادي الجهاد التوجه خارج القامشلي للمشاركة في واحدة من مباريات الدوري الممتاز السوري، فقد أدى انقلاب حافلة تابعة للنادي إلى وفاة كجو، ليصبح رمزاً للقامشلي وناديه وقد سمي أحد ملاعب المدينة باسمه
ويفول أبو حميد عبدالله، مشجع نادي الجهاد: في ذلك اليوم، كنت في سيارة فان، كان معنا شاب إداري يدعى جنكو كدو، وقال لي ماذا تفعل هنا، فركب كجو محلي وذهبت أنا إلى الحافلة، وما أن انطلقنا حتى وقع الحادث، لم نعرف بالأمر، كانت الفان مسرعة جداً، وللأمانة وشهادة لله، لم تقصر جماهير نادي دير الزور، وهذا نابع من إنسانيتهم، في تلك الأيام كان هناك أمين فرع حزب البعث ومدير المستشفى وحارس نادي الجهاد، غسان دريعي، قد ذهبوا إلى المشرحة، وسألوا من هذا؟ قلت هو هيثم كجو، رحمه الله.
رغم كل العقبات والمشاكل مازال الجهاد واقفاً على قدميه لكنها وقفة يمكن معها وصف الوضع بأنه لم يعد يحتمل، ومازال للنادي عدد من الفرق في المجالات الرياضية المختلفة لكن الفرق تقضي أيامها على درجة هي بين الحياة والموت، والوضع الصعب للنادي جعل الجميع مقتنعاً بأنه قد آن أوان التفكير في حل.
وأكد غسان إبراهيم باسوس، عضو الهيئة الإدارية لنادي الجهاد: حرم نادي الجهاد من ملعبه وبات غريباً في داره، لكن شباب القامشلي لم يفقدوا الأمل في بزوغ شمس يوم تعود فيه الحياة إلى الجهاد وعملاق الشمال، هذا الأمل أضحى حلماً، وهذا الحلم دفع عدداً كبيراً من شباب القامشلي للانضمام إلى فرق الجهاد للفئات العمرية المختلفة.
في ملعب ترابي وفي أوضاع بدائية جداً يتبع الشباب حبهم للرياضة، الافتقار إلى ملعب. البنية التحتية المتدهورة. حتى غياب عوارض التهديف. لم تصبح عائقاً في طريقهم، فعند غياب ملعب جميل هناك ملعب ترابي وإن لم تكن هناك عارضة فهناك وسائل كثيرة لتحديد مكان التهديف. الذي يهم، هو الاستمرار واللعب.
وقال سلام مخسو، مدرب يافعي نادي الجهاد: مدرسة الجهاد الكروية تأسست قريباً وتستقبل الأعمار بين 10 و12 سنة، نتدرب ثلاث مرات تقريباً في الأسبوع، وهناك استراحة بين التمارين، فالصغار يتعبون أثناء التمرين، معاناتنا تكمن في أن أرضية الملعب سيئة جداً، إن لعب كرة القدم فيه مستحيل، فليس ممكناً المناورة بالكرة، ومهارات كرة القدم لا تناسبها هذه الأرضية، وخاصة بالنسبة لهذه الأعمار، وكما ترى حتى أن الكرات التي نلعب بها ليست من نوع جيد، نحن نشكر الدكتور ريبر، فهو يقدم كل ما يتوفر عنده من إمكانيات، لكن إمكانيات الجهاد تراجعت، ولم تعد كما كانت في السابق، كما نشكر الأستاذ حسن، المشرف على مدرسة الجهاد، هو أيضاً ملتزم جداً بنا، والكل يخدم نادي الجهاد، وهؤلاء الأطفال ليكونوا لاعبين متميزين في المستقبل، هذا هو هدفنا جميعاً، نحن لسنا كدول الخليج وغيرها من الدول، لتكون لنا رواتب عالية، كل ما نفعله هو خدمة هذا النادي.
ليست هناك علامة اطمئنان أو أمل في الجهاد الحالي كما لم يعد هناك دافع للمضي نحو الأحسن، لكن مازال هناك شباب في القامشلي يرتدون قميص النادي ويتدربون كل يوم تحت اسم النادي وإشرافه، فهم يعتقدون أنه رغم الواقع المر الحالي قد يظهر في الغد ما هو أحلى مما يبدو عليه اليوم.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً