ملاذ العوائل ببغداد في الليل.. كل الطرق تؤدي إلى نهر دجلة

19-04-2025
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة بغداد نهر دجلة
A+ A-
رووداو ديجيتال 

بغداد في الليل هي غيرها بغداد في النهار، حيث يلوذ البغداديون ليلاً بدجلتهم، بنهرهم الخالد، إذ تنتشر المقاهي والمطاعم العتيقة والجديدة بعماراتها الحديثة مثل (البغدادي) على ضفاف شارع (أبو نؤاس)، أيقونة العاصمة العراقية، و(ألف ليلة وليلة) على كورنيش الأعظمية، و(قرية دجلة) على ضفاف النهر بجهة الكرادة، و(قرية النخيل) قرب منطقة الدورة بجانب الكرخ، والمطعم العائم، وهنالك غالبية من العوائل تذهب بعيداً بعض الشيء باتجاه مناطق المزارع في الراشدية، شمال بغداد، للنزهة في جزيرة بغداد التي أعيد فتحها قريباً، هناك تجتمع العوائل وهم يشوون السمك على الطريقة البغدادية (المسكوف).. ومن يتمسك بتراث الليالي البغدادية يسهر عند أحضان النهر وقرب الأبلام (جمع بلم وهو نوع من الزوارق البغدادية التقليدية) في منطقة الشواكة، واحدة من أقدم المحلات السكنية الكرخية، على مساطب (كرويتات، جمع كرويت، وهي مقاعد خشبية تراثية) مطعم (خان الذهب)، الذي قال صاحبه لشبكة رووداو: "نحن مجموعة شباب من سكان منطقة الشواكة وبيوت غالبيتنا تقع على جهة الشط (النهر)، قررنا افتتاح مطعم بسيط في هذا الشارع الذي يطل مباشرة على دجلة، وقد جذب الموقع ونوعية الطعام الكثير من الزبائن من خارج المنطقة وداخلها إضافة إلى السياح الأجانب"، مشيراً إلى أن: "السهرات هنا تمتد إلى ساعات متأخرة من الليل خلال الصيف ونحن نشجع بقية الشباب على القيام بمثل هذه المشاريع البسيطة والتي تبعد عنهم شبح البطالة".
 
يعرّف الكرخي المنطقة بأنها "تعود للعصر العباسي، وقبالة مطعمنا من جهة الرصافة المقابلة تقع المدرسة المستنصرية، وغالبية أهالي الشواكة هم من السكان الأصليين الذين يعرف بعضهم بعضاً أباً عن جد". هناك أيضاً مقهى (البيروتي) الشهير الذي يقع عند كورنيش العطيفية، ومكانه هذا لم يتغير منذ عقود طويلة.
 
يعتبر شارع (أبو نؤاس) بمساحاته المفتوحة الخضراء، ومنذ عقود طويلة، متنفساً للعوائل البغدادية التي تلجأ إليه خلال فصلي الربيع والصيف.. كانت الزوارق التقليدية تزدحم على ساحله لتنقل العوائل إلى مناطق أخرى، مثل شريعة باب السيف أو شريعة شارع المتنبي أو الشواكة أو الفحامة والرحمانية، (الشريعة باللهجة البغدادية تعني مرفأ الأبلام أو الزوارق التقليدية) أو للتنزه في دجلة، وكذلك لصيد السمك، مثل (سمك البني والشبوط) الذي انحسر اليوم لقلته وكذلك لارتفاع أسعاره حيث يسمى (السمك الحر) لتمييزه عن سمك الكارب الذي تتم تربيته في المزارع وأسعاره أقل من الأول (السمك الحر) بكثير. ومن وحي صيد الأسماك اشتهرت في الثلاثينيات من القرن الماضي أغنية شعبية بصوت المطربة صديقة الملاية تقول: "يا صياد السمج (السمك) صيد لي بنية" وتعني نوع سمك البني.
 

 

 

 

يوضح إبراهيم حسين، وهو صاحب زورق في شريعة باب السيف: "كانت مهنة جدي وأبي هي صيد السمك في دجلة وبيعها لمحلات الجملة في سوق بيع الأسماك بالجملة، علوة أسماك الشواكة حيث كانت تدر مبالغ جيدة، لكن اليوم ومع شحة الأسماك والجهد والوقت الطويل الذي نبذله لصيد السمك، ممكن أن نستغرق يوماً بأكمله لصيد بضعة سمكات، وهذا أدى لارتفاع أسعارها وصار الناس يتجهون لشراء سمك المزارع بأسعار تناسب دخلهم، اضطررت ومعي غالبية من أصحاب الأبلام للعمل بنقل الركاب بين الكرخ والرصافة أو أخذهم بجولات تنزه".
 
ما يشجع البغداديين اليوم على الخروج إلى المتنزهات والمقاهي والمطاعم ليلاً والسهر لساعات طويلة هو استقرار الأوضاع الأمنية، حيث تنتشر سيارات الشرطة والأمن الوطني في جميع أنحاء العاصمة العراقية وهذا خلق شعوراً بالأمن والاطمئنان كان العراقيون يفتقدونه حتى سنوات قريبة.
 
ليل بغداد لا يقتصر على المناطق المجاورة لنهر دجلة مباشرة، فهناك في جانب الرصافة، شوارع هي الأخرى قريبة جداً من النهر، مثل شارع منطقة الكرادة داخل الذي تبقى محلاته المتخصصة ببيع الملابس النسائية والرجالية ومطاعمه ومقاهيه سهرانة لما بعد منتصف الليل، ويتميز هذا الشارع بوجود مقاهي للكتاب والفنانين والمثقفين، خاصة مقهى (بُن رضا علوان) ومقهى (قهوة وكتاب) الشهيرتين، كذلك تنتشر هنا مطاعم الأكلات الشعبية، ويمتد هذا الشارع حتى منطقة الجادرية التي يرتفع فيها اليوم برج البنك المركزي الذي صممته المعمارية العراقية العالمية زها حديد، كما يقع هناك واحداً من أحدث وأكبر المولات التجارية (مول الجادرية).

 

 

في الجهة الثانية من بغداد، وفي جانب الكرخ تنشط الحركة في حي المنصور الراقي الذي تقع ضمنه وقريباً منه العديد من المولات التجارية الحديثة، مثل: مول المنصور ومول بغداد في الحارثية ومول بابيلون، إضافة إلى شوارعه التجارية التي تزدحم بمختلف المحلات والمطاعم وصاغة الذهب.

من يرغب بنزهة هادئة للغاية بعيداً عن (زعيق) منبهات (هورنات) ومحركات السيارات وأصوات الباعة الجوالين، يتجه إلى شارع المتنبي ليلاً لينعم بالتجوال بين المكتبات وحي السراي الذي بني في العهد العثماني وتم إعادة إعماره وتجديده مؤخراً، هناك السراي الحكومي وبناية القشلة التي شهدت حفل تتويج الملك فيصل الأول، وتطل نهاية شارع المتنبي على نهر دجلة، حيث لا بد من الاسترخاء واحتساء الشاي في مقهى الشابندر العريق.
 
عندما يتوغل الليل في فضاء بغداد، وتشعر بالجوع عليك التوجه إلى منطقة (الصدرية)، وهي محلة تراثية من محلات جانب الرصافة القديمة، وتشتهر بمحلات بيع القيمر و(الكاهي) وهو مخبوز رقيق وحلو، وتقدم المأكولات هناك حتى الصباح.
 
البغداديون وكل من يزور بغداد خاصة العراقيين القادمين من الدول العربية والغربية التي يقيمون فيها، يتجهون بعد ساعات من وصولهم إلى منطقة الصدرية أو شارع (أبو نؤاس) أو شارع المتنبي أو الكرادة، حيث يشدهم حنين للأمس والتمتع بما صارت عليه بغداد اليوم.
 
يقول مروان الفريح: "تركت بغداد منذ عام 2000، وأنا مقيم مع عائلتي في أستراليا، ونزور بغداد التي ولدت وترعرعت بها، بعد 25 عاماً.. تشدني إليها ذكريات وحنين فأنا أنتمي لهذه المدينة التي أراها أجمل مدن الدنيا وأكثرها صموداً وشجاعة وصبراً على ما مرت به من أزمات ومشاكل، لأنها مدينة فيها روح حية.. مدينة لم ولن تيأس بل تتطلع للأمام دائماً بفضل أهلها الطيبين".
 
من المناطق التي لا تنام في بغداد هي مدينتي الكاظمية بجانب الكرخ، حيث مرقد ومسجد الإمامين الكاظمين، والأعظمية، في جانب الرصافة، وفيها مسجد ومرقد الإمام أبو حنيفة النعمان، ويربط بين المدينتين جسر الأئمة الشهير، وكلاهما تزدحم بالزوار المسلمين القادمين من جميع أنحاء العالم. كما تتميزان بوجود كورنيش طويل يطل على دجلة، كلاهما يقابل الآخر، الكاظمية بجهة الكرخ والأعظمية في جهة الرصافة. بغداد كلها تنتمي لنهرها، لدجلتها، وكل الطرق فيها تؤدي إلى دجلة.

 

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب