المقدمة
تساءلت جريدة "ديلى تلغراف " البريطانية كيف احتل تنظيم "داعش" مساحات واسعة في العراق وسوريا خلال ستة شهور فقط ليصبح التنظيم المسلح الأغنى في العالم خلال هذه الفترة القصيرة وأصبح اليوم على حدود تركيا العضو في حلف الناتو تماما كالولايات المتحدة وبريطانيا .
وفي يناير من عام 2014 تمكن من إحكام السيطرة على مدينة الرقة السورية التي يسكنها 220 الف نسمة بعد معارك خاضها مع الجيش السورى الحر ، وجعلها عاصمة لدولة الخلافة في العراق والشام .
وفي الشهر التالى للسيطرة على الموصل تمكن داعش من احتلال أكبر حقل نفطي في سوريا وبسط سيطرته على ثلثي العراق في الأنبار وتكريت ومحافظة نينوى هل كانت هذه الاندفاعه بالقوة الذاتية التي يملكها التنظيم أم أنها إحدى القوى التي تتلاعب بها المحاور السياسية العالمية وتوجهها لتحقيق مصالحها ومخططاتها .
خلفية المشهد
ذكرت جريدة (البايس) الاسبانية تقريراً عن الحرب الدائرة في العراق وسوريا يفيد بأن
التسابق من أجل السيطرة على مسارات الطاقة هو أحد الأسباب الكامنة وراء تفجير الحروب المتتالية في سورية . وقد ظل السباق مستمراً من أجل بناء خطوط الأنابيب في مواجهة أثنين من أهم المشاريع الاقليمية.
في الجهة الأولى نجد دول الخليج العربى المتحالفة مع تركيا تدعمها الولايات المتحدة ، وفي الجهة الثانية نجد القوة الشيعية المنافسة إيران والعراق وسوريا تدعمها روسيا.
كما صرح وزير العدل التركي (بكير بورداج ) بتاريخ 21/6/2016 أن القوى الدولية الدينية ، أنشأت تنظيم داعش ليكون بلاء على المسلمين والإنسانية ، وهو مشروع دولى لتحقيق عداوة المسلمين للإسلام وابتعادهم عنه . وكراهيتهم لإخوانهم المسلمين الاَخرين ، وهناك هدف اَخر من إنشاء التنظيم هو تأمين الظروف والأرضية المناسبة لتحقيق الأهداف السياسية للقوى التي أنشأته في منطقة الشرق الأوسط ، يمكن القول إن الحرب الدائرة في العراق وسوريا ، إنما هي معركة بين المحاور الاقتصادية الدولية بالتحالف مع أعوانها القوى الإقليمية ، سعياً لتحقيق أهداف إقتصادية وسياسية توسعية.
تأسيس دولة الخلافة
ذكرت تحقيقات (فورين بوليسى) أن بداية النشأة لداعش كانت في قرية (كفر حمرة) شمال مدينة حلب حينما طلب وفد من الجناح العراقي للقاعدة وربما كان البغدادي منهم –من الفصائل الجهادية الإنضمام إليه ومبايعته ، لإقامة الدولة الإسلامية ، لتمكين المسلمين من التوسع عالميا ، وإقامة الحدود ، والمواطنة، والمؤسسات، والعمل البيروقراطي.
لان عمل ألجهاديين قد ذهب هباء كله ، لأنهم لا يبسطون سيطرتهم صراحة على أراض خاصة بهم ، فإذا استطاعت هذه الدولة الإسلامية البقاء خلال مرحلتها الأولى إذاً يمكنها البقاء إلى الأبد .
بالنسبة لجبهة النصرة وقائدها ابو محمد الجولانى ، كان هذا التطور كارثيا لأن هذا معناه نهاية القاعدة في سوريا ، فأمر أتباعه بعدم الإنضمام لداعش لكن 90% من المقاتلين في مدينة حلب إنضموا إليها بعد بضعة اسابيع .
حتى تاريخ مايو /2013 كان التنافس بين داعش والنصرة ما يزال سلميا لكن حينما رجحت كفة القوة العسكرية لداعش ، إتهمتها النصرة بتقسيم الحركة (الجهادية ) وإضعافها في سورية وفي التاريخ المذكور نشر الظواهري رسالة أكد فيها تأييده للنصرة وعدم رضاه عن تأسيس دولة الخلافة ، فتراجع أفراد كثر من النصرة عن تأييد البغدادي وعادوا إلى منظمة النصرة .
عندما وصل التوتر بين المعسكرين إلى ذروته بدأت النصرة أحرار الشام والجيش السورى الحر بطرد داعش من إدلب ، ومن بعض أجزاء محافظة حلب ، وفي نهاية المطاف قرر داعش التخلى عن كامل منطقة شمال غرب سوريا وبسط سلطته في شمال سوريا وشرقها ولم تعد مناطق المنظمتين متداخلة .
في 2 كانون الثاني /2014 أعد تنظيم داعش قافلة من مئتى عربة ممتلئة بالمقاتلين وعائلاتهم وبالأسلحة والرهائن الأجانب ، وثلاث حاويات ممتلئة بالمواد الكيماوية ، كانت قد استولت عليها من جبهة النصرة والفوج (111) وانطلقت جميعا شرقاً باتجاه مدينة (الرقة) واحتلتها ثم أعلنتها لاحقا عاصمة للدولة الإسلامية. (المصدر: السفير بتاريخ 22/8/2016)
الموصل تاريخيا
تذكر المصادر التاريخية أن الموصل كانت عاصمة الدولة الاَشورية من سنه (1080-ق م ) تحت إسم نينوى وأطلق عليها العرب اسم الموصل لكونها همزه وصل بين نهرى دجلة والفرات وقد استوطنها العرب والفرس منذ القرن الثالث قبل الميلاد وكانت مسرحاً للمعارك التي دارت بين الدولة الساسانية والرومان وبمساندة من القبائل العربية المحيطة بها دخلها المسلمون سنه 637 م وشهدت الموصل حروب الردة بعد أربع سنوات من هذا التاريخ وتمت سيطرة المسلمين عليها .
تعتبر الموصل ثاني مدينة في العراق بعد بغداد ويبلغ عدد سكانها هذه الايام حوالى مليون وثلاثمائة الف نسمة .
توالت على الموصل سلسلة من النكبات والحروب منذ ذلك التاريخ لأهميتها الجغرافية والإستراتيجية ووقوعها بين سواد العراق وبلاد الشام وهضبة الأناضول واتسم تاريخها بالصراع بين الامبراطوريات للسيطرة عليها كما تنازعتها الأسر الحاكمة في العصر الإسلامى فعرفت حكم الأمويين والعباسيين والحمدانيين والسلاجقة والأتابكة وغزاها المغول التتار سنة 1233 م ودمروها وقتلوا اهلها .
سيطر عليها السلطان الثاني سليمان بن سليم في منتصف القرن الثامن عشر . وحاول الصفويون غزوها في عهد نادر باشا الصفوي سنة 1732 م بجيش يتألف من 300.000 مقاتل ودارت معركة هائلة استعمل فيها الجيش الصفوي القنابل والأسلحة النارية وانتهت بهزيمتهم عن أسوار الموصل التي بقيت تحت حكم الامبراطورية العثمانية حتى سنة 1918 تاريخ هزيمة الجيش العثمانى أمام الانجليز الذين سيطروا عليها ومنذ ذلك التاريخ غدت الموصل ورقة للمساومة بيد الانجليز فقد ساوموا الحكم الملكي العراقي على قبول الانتداب ، وساوموا الأتراك على إلحاقها بدولتهم وأجروا استفتاء كانت نتيجتة رفض العراقيين الإنضمام إلى الدولة التركية.
شهدت الموصل في العهد الملكى سلسلة اضطرابات من أبرزها ثورة الجيش سنة 1937 بعد اغتيال الفريق بكر صدقي رئيس الأركان في مطار الموصل ، وكذلك اغتيال القنصل البريطاني في ذلك التاريخ ، وشارك أبناء الموصل في ثورة رشيد عالي الكيلانى في (1942) وانقلاب الشواف (1959) احتلت القوات الأمريكية الموصل سنة 2003 وتمكنت من محاصرة إبني الرئيس العراقي عدي وقصي ، وقتلتهما في سكر بالموصل وفي عام 2014 سقطت الموصل بيد تنظيم داعش.
كيف سقطت الموصل
لكي ندرك معنى سقوط مدينة الموصل بيد قوات داعش ، لا بد من معرفة الحالة السياسية والاجتماعية فيها.
سقطت الموصل بيد الجيش الأمريكى بتاريخ 1 ابريل 2003 أي بعد يومين من سقوط بغداد. ومنذ ذلك التاريخ أصبحت الموصل مركزاً للتمرد السني وتنظيم القاعدة ضد الشيعة. وظهرت عمليات اغتيال خارج القانون، واضطهاد السنة. لكن هذا التمرد تراجع بشكل ملحوظ مع المشاركة المكثفة للسنة في الحياة السياسية بين عامي 2009 و 2010 ومع انسحاب القوات الأمريكية عام 2011 إنخفض عدد الخسائر في صفوف المدنيين مما يشير إلى أن القاعدة في طريقها إلى الانهيار.
سياسات المالكي:
يقول تقرير رويترز : بعد الانسحاب الأميركي ، قام المالكي بحملة تطهير لقيادات الجيش العراقي من السنة والأكراد ، مما خلق تمرداً جديداً في الأوساط السنية استغله داعش ليكسب تعاطفاً محلياً. ووجد السكان في تنظيم الدولة الإسلامية منقذاُ ومعادلاُ للقوات الحكومية ، وبديلاً عن فشل المالكي وحكومته في بناء أجهزة وطنية وظهر في الأجواء شحن طائفي ومناطقي وعنصري غير طبيعي.
وتلك المشكلات المتراكمة بين الكتلة السياسية السنية وحكومة بغداد منعت القوات من محاربة داعش في الموصل وصلاح الدين وأجزاء من كركوك.
سقوط الموصل عسكرياً
إن المدينة التي صمدت سنة 1732 أمام جيش صفوي قوامه 300 ألف جندي يقوده نادر شاه سقطت في 6 يونيو 2014 خلال ساعات معدودات فما هي الأسباب؟
عبرت قوات داعش إلى الموصل بجيش يتألف من 100 عربة و 400 مقاتل عصر اليوم الثامن. وحينئذٍ نشطت الخلايا النائمة التي كانت تعد بالآلاف وكثفت الهجوم الذي أظهر ضعف القوات العراقية ، وهشاشة بنيتها العسكرية والاستخباراتية.
وأرجع الفريق "جبار ياور" من البشمركة سبب الهزيمة إلى عدم وجود عقيدة قتالية مشتركة بين عناصر الجيش العراقي وضعف الاسناد الجوي.
وكان الخبير الأمني "مجيد النعيمي" قد صرح قبل سقوط الموصل بأن التنظيمات الموالية لداعش كانت تتحكم في المدينة عن طريق تسليم أعضائها مناصب المسؤولية فيها. ويذكر من هذه المنظمات:
1- جيش المجاهدين السلفي
2- جيش رجال الطريقة النقشبندية (بقيادة عزت الدوري)
3- تنظيم أنصار السنة الجهادي
4- ضباط سابقون في الجيش العراقي المنحل
جعل المسؤولون الرسميون قائد الأمن "الغراوي" وعدداً من ضباطه كبش الفداء لهذه الهزيمة، ووجهت إليهم الإتهامات بالتقصير لكن "زيباري" وزير الخارجية الأسبق يقول "كان الغراوي ضابطاً يؤدي عمله ، لكن حظه تعثر مثل كثيرين غيره من الضباط كلنا علينا أن نتحمل بعض المسؤولية كل واحدٍ منا" موقع قناة الحرة – 20 نوفمبر 2014 هاني فؤاد الغراش
الموصل وتركيا
في عام 2009 زار الموصل (أحمد داوود أوغلو) وزير الخارجية التركي الأسبق وصرح مفتخراً: "في يوم من الأيام دخل أجدادنا هذه المنطقة وهم يركبون الخيول، وسيأتي يوم نعود نحن فيه إلى هذه المنطقة ولكن بمعدات حديثة".
لقد اقتطعت بريطانيا الموصل من الإمبراطورية العثمانية قبل سقوطها طبقاً لهدنة خاصة شملت تقسيم إرث العثمانيين، وسميت "هدنة مندوس". ولأن الموصل أخذتها بريطانيا دون قتال، فقد بقيت محل جدل شديد. فقد اعتبرتها تركيا خارج نطاق الإتفاقات التالية من الحرب العالمية الأولى، أما بريطانيا فقد أضافتها إلى بقية الأقاليم العراقية طبقاً لشكلها الجديد عامي 1920 و 1924.
وكانت الموصل محل خلاف بين بريطانيا وفرنسا بعد معاهدة سايكس بيكو، وانتهت بالوقوع ضمن النفوذ البريطاني.
بعد الاحتلال الأمريكي للعراق وخروج الموصل من سلطة الدولة العراقية عزمت تركيا على التدخل في الموصل، وصدر بالفعل قرار من برلمانها بالمشاركة في قوات التحالف عام 2004 ،لكن الذي منع دخولها بعض فصائل المقاومة العراقية السنية ،وهيئات دينية ، وتيار القوميين والوطنيين ، فتراجعت عن دخول العراق خوفاً من الفصائل السنية التي لا يمكن تبرير القتال ضدها.
واليوم يتحدث الإعلام التركي عن ضرورة التدخل قبل ضياع الموصل لكن تركيا لا تملك أورقاً لهذا التدخل ، لأنها لم تحرص على صناعة أوراق للتدخل عسكرياً وسياسياً ودينياً ، كما فعلت إيران. حتى الفصائل السنية التي قد تؤيد تدخلها أصبحت مهمشة سياسياً. والكلمة العليا اليوم للحشد الشعبي والقوات العراقية بتأييد من إيران.
علماً بأن تركيا تقيم علاقات استراتيجية مع إقليم كردستان الذي يرأسه البارزاني وتقوم بتدريب الباشماركا والأشايس ، وأرسلت عام 2014 قواتها إلى هذا الإقليم ثم أرسلت شهر ديسمبر 2015 قوات إلى محافظة نينوي قرب مدينة الموصل وقوام هذه القوات 150 مجنداً تحت حماية 25 دبابة ، وبعد اعتراض الحكومة العراقية بررت الحكومة التركية وجود هذه القوات ، بأنها لصد خطر المنظمات الإرهابية وتعني بها داعش.
*موقع ساسة بوست الالكترونية يناير 2016
الموصل والشيعة
يرى كبار قادة الاحزاب والميليشيات أن دور الحشد في إستعادة الموصل مسالة محسومة وغير قابلة للنقاش .
على حين يرفض زعماء تيارات سياسية سنية بالأساس ، وكذلك نواب ومسؤولون محليون بمحافظه نينوى ،قطعيا دخول الميليشيات أرض المحافظة ، مخافة تكرار الأعمال الانتقامية التي سبق لهذه الميليشيات أن مارستها في مناطق سنية أخرى معتبرين أن الحشد سيكون عبئاً على معركة الموصل حيث سيوجهها وجهة طائفية تخدم تنظيم داعش بحد ذاته .
أعاد النائب السابق لرئيس الجمهورية العراقية ( أسامه النجيفى ) طرح فكرة إقامة إقليم ضمن حدود محافظة نينوى التي تشهد بداية الحملة الهادفة إلى إستعادة مدينة الموصل من تنظيم داعش في معركة توصف بالمصيرية . وعلق بعض السياسيين على هذه الفكرة بأنها إختبار لفكرة أنشاء إقليم سنى أوسع من محافظة نينوى ويشمل محافظة الأنبار ليكون بمثابة ستار سني عازل بين نظامي بغداد ودمشق الحليفين لإيران
الموصل بعد داعش
تدق اليوم طبول الحرب لتحرير الموصل من سيطرة داعش وتحرص القوى المتصارعة على أن يكون لها اليد الطولى في هذا التحرير ، ويمكن تعداد هذه القوى كالاتى :
1. القوات العسكرية الحكومية
2. قوات الحشد الشعبى .
3. القوات الكردية .
4. القوات التركية .
5. القوات والخبراء الأمريكان .
وتتضارب مصالح هذه القوى طبقا لأهدافها الاستراتيجية المرسومة وتنفيذاً لمخططاتها الدولية والإقليمية ومصالحها الاقتصادية والسياسية .
هل ينقسم العراق بعد داعش؟
سيناريو تقسيم العراق ليس نظرية للمؤامرة ، أو دعوة للتخويف ، أو بدعة لأصحاب الأجندات الإقليمية والدولية ، بل سبق وأن ارتبط هذا المشروع بخارطة التقسيم في المنطقة. وليس من باب الاستهلاك والتكرار القول بأن فكرة تقسيم العراق خرجت من داخل إسرائيل، ولعل البعض من السياسيين العراقيين الذين استهوتهم تل أبيب قبل أو بعد 2003 وزاروها ، سمعوا ذلك مباشرة من بعض شخصيات الدولة العبرية الرسميين أو خبراء مراكز بحوث المستقبل ، حيث تم ترويج مشروع تقسيم المنطقة “طائفيا” كجزء من أمن كيانهم الصهيوني.
مشروع التقسيم سيصبح مطلباً في ظل الإحباط العام لدى العرب السنة الذي سيكون أكثر حدة خلال وبعد تحرير الموصل ، وتنظيف العراق من داعش ، بعد أن تحول سياسيوهم إلى شلل مصلحية متنازعة. الأميركان كرسوا ذلك وكذلك الإيرانيون، ولم يسعوا إلى حل يقدم بديلا جديدا من النخب العربية السنية النظيفة، ولم يتم وضع “الدينصورات السنية” في موقعها بمزبلة التاريخ. أمام انغلاق أزمة العراق السياسية وهيمنة الفساد ، وعدم وجود استعدادات للتنازل وسط الطريق، لن يصمد العراق الموحد أمام عاصفة تقسيمه التي باتت تلوح في الأفق. (د. ماجد السامرائي – جريدة العرب 30/08/2016)
معركة الرقه وتداعياتها
مدينة الرقة هي عاصمة محافظة الرقه ، ويكاد يصل سكانها المليون ، ومساحتها تبلغ سبعة آلاف ميل وستمائة ألف ، وتقع شمال ووسط سوريا وعلى الضفة الشمالية لنهر الفرات ، بمسافة 200 كم شرق مدينة حلب ، وتعتمد إقتصاديا على سد الفرات ، والزراعة ، وحقول النفط المجاورة ، بعد تاريخ طويل من الإزدهار بدءا من الدولة العباسية ، سيطرت عليها قوات المعارضة السورية المسلحة عام 2013 فكانت أول محافظة تخرج عن سيطرة الدولة السورية ، ثم انسحبت منها أمام تنظيم داعش ، الذي لايزال يسيطر عليها حتى اليوم .
بدأت القوات الكردية تشن هجوماً على داعش بالرقة في الأسبوع الأخير من شهر مايو 2016 لتحريرها من داعش ، تحت غطاء جوي من قوات التحالف على مواقعهم بريف الرقة الشمالي ، فقد قامت قوات سوريا الديمقراطية بالهجوم تجاه المدينة معقل داعش في سوريا .
إنطلق الهجوم من مدينة كو باني ، وتل أبيض ، والجزيرة ، وريف بلدة عين عيسى ، والهدف هو السيطرة على مثلث تل أبيض ، وهي مدينة في الجزيرة العليا لسوريا تابعة لمحافظة الرقه يشكل بها العرب والتركمان 90 % من سكانها ، وعين عيسى بشمال غرب مدينة الرقة دون التوغل في المدينة ، وقامت بالهجوم قوات سوريا الديمقراطية ، بما فيها وحدات حماية الشعب الكردي ، بالتنسيق مع التحالف الدولي ، والعشائر في الرقة ، وكثفت القوات الجوية الأمريكية ، قصفها من أجل توجيه ضربة لتنظيم داعش بمعقله في مدينة الرقة .
وهناك ما يقرب من 25 مستشارا من الجيش الأمريكى بمدينة عين عيسى شمال الرقة ، يشرفون على تدريب المقاتلين الأكراد من وحدات حماية الشعب ، وتتخذ الطائرات المروحية الأمريكية من معمل الأسمنت بالقرب من قرية (خراب عشق) مقراً لها ، فتحول المكان إلى قاعدة تدريب عسكرية ، وقال وزير الخارجية الروسي بأن موسكو مستعدة للتنسيق مع الأكراد وواشنطن ، لطرد تنظيم داعش من الرقة .
ومع الأسبوع الأول من شهر يونيو ، تقدم الجيش السوري تجاه الرقة مشتبكا مع قوات داعش من الريف الغربي لمحافظة الرقة ، وبغطاء جوي روسي واستطاع الجيش السوري بسط سيطرته على قرية أبو العلاج ، وتلة السيرياتل ، والتلال المحيطة ، وتبعد عن مفرق زكية بريف الرقة الغربي بمسافة لا تقل عن 7 كيلو ولا تزيد عن 9 كيلو .
حاولت القوات السورية التقدم إلى طريق الرقة حلب وبحيرة سد الفرات في الطبقة ، وفي نفس الوقت كانت قوات داعش تواجه هجمات واسعة على مواقعه بالريف الشمالي حيث ينفذ التحالف المكون من قوات سوريا الديمقراطية ـ وعشائر محلية ، ووحدات من الجيش السوري الحر ، بدعم جوي من التحالف تقوده الولايات المتحدة وأشارت وكالة سبو تنيك الروسية إن الجيش السوري سيطر على نقطة تقاطع الرصافه ، وتقع جنوب غرب الرقة ، ومخفر شرطة الطرق العامة على الطريق الدولى للرقة ، لتصبح قواته على مسافة 18 كم من تقاطع مدينة الطبقه .
قبل هذا الهجوم أعلن ( غريب حسو ) ممثل حزب الإتحاد الديمقراطى لأكراد سوريا في كردستان العراق : إن مدينة الرقة بعد تحريرها من داعش ستنضم للنظام الفيدرالي الذي أسس له الأكراد في شمال سوريا ، وتحاول القوات الكردية وحلفاؤها قطع الرقة عن الحدود مع تركيا التي تمتد عبرها قوات تزويد الإرهابيين بالتعزيزات والذخيرة . إن قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن ، تدعم تقدم القوات الكردية باتجاه الرقة بغارات جوية مكثفة ، مع إن واشنطن ترفض فكرة النظام الفيدرالي في شمال سوريا .
في شهر مارس أعلن الأكراد خلال مؤتمر (رميلان ) بريف الحسكة عن تأسيس نظام فيدرالي يضم 3 مناطق تتمتع بحكم ذاتي ، أقامتها جماعات كردية عام 2014 ، وأعلن المشاركون في المؤتمر أن المناطق المحررة سوف تنضم إلى النظام الفيدرالي وستسمى إتحاد شمال سوريا روجافا وسيكون فيه تمثيل لكافة الأعراق .
لقد تمكنت الوحدات الكردية خلال أربعة أيام التي مرت على انطلاق الحملة لتحرير الرقه ، من إحراز تقدم بمسافة تقدر بستة كيلاً من المترات باتجاه المدينة ، وحررت ثماني بلدات وقرى من ايدي داعش الإرهابية .
إن خطة الولايات المتحدة تكوين قوة عربية كردية مشتركة لتكون رأس حربه في عملية تحرير محافظة الرقة من داعش ، والهدف هو عزل المحافظة عن خطوط الإمدادات في الشمال مع تركيا وفي الرقة مع العراق ، لكن الخطط تغيرت وتحولت قوات سوريا الديمقراطية إلى أقصى الشمال الشرقى في سوريا في محافظة الحسكه لمحاربة داعش .
إن أسباب التحول هو رفض حماية الشعب الكردي خوض معارك بيئية ديمغرافية غير حاضنة لها لهذا حافظت القوات الكردية على تواجدها في البلدات الكردية شمالى الرقة (تل أبيض ) دون التوجه جنوباً حيث البلدات العربية ، كما أن ذلك يتفق مع رغبة واشنطن في جعل المعركة ضد التنظيم في العراق وسوريا موحدة ضمن حرب واحدة ،لهذا وجدت الإدارة الأمريكية ضرورة التركيز على الحسكه لملاصقتها الحدود العراقية ، وهناك سبب ثالث ، حيث تلاقت الرؤية الأمريكية مع الرؤية الكردية ، إذ وجدت وحدات الحماية الكردية في الحسكة مغنماً كبيراً أكبر من الرقة حيث حقول النفط التي توفر لها مورداً مربحاً ، كما أن السيطرة على الحسكه تؤمن معاقل للأكراد على الشريط الحدودي .
إن محاربة تنظيم داعش في الرقة تتطلب حسابات أخرى ، فالأكراد غير قادرين وحدهم على محاربة التنظيم في الرقة ،وهو مطلب أمريكي تركي ، كما أن دخول الأكراد قد يوحد صفوف داعش مع السنه في الرقة ، بسبب الأكثرية العربية فيها ، مع أن الإدارة الأمريكية تعمل على التفوق للمكون العسكري الكردي ، لكنها لا تمنع من توسيع دائرة المقاتلين العرب ، بضم مجموعات أخرى لقتال التنظيم ، مثل الجيش الثوري في الرقة ، وإدخال قوات كردية من خارج وحدات حماية الشعب الكردي ، ووحدات حماية المرأة من بشمركة روجافا وهم الجنود الكرد المنشقون على النظام ممن تلقوا تدريبات في كردستان العراق .
وتتفق واشنطن وأنقره على عدم حصر الوجود العسكري الكردي بوحدات حماية الشعب (YPG ) الجناح العسكري لحزب الإتحاد الديمقراطى (PYD ) كي تكون السيطرة في الشمال الشرقي من سوريا بأياد متنوعة أثنيا ، تضم العرب والأكراد بمجمل مكوناتهم السياسية للحيلولة دون خضوع الأكراد لقوة واحدة تهيمن على القرار الكردي بمفردها وتمارس سياستها ضمن أهدافها والحيلولة دون بقاء القوات العربية وحدها ، فوجود قوات كردية رديفة يمنع القوى العربية من الخروج على الهدف الأمريكي .
لقد عبر رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بر زاني أمام وزير الدفاع الفرنسى ، عن استعداده للتدخل في الرقة السورية ، وأن هناك مفاوضات تجري حول ذلك مع أمريكا لإشراك قوات البشمركة في تحرير الرقة ضمن قوات مشتركة لمحاربة داعش مرتبطة بالتحالف الدولي.
إن هذه الخطوة قد تؤدي إلى أزمة بين المكونات الكردية التي تتبع المجلس الوطني المدعوم من كردستان العراق وتحظى بعلاقات جيدة مع تركيا ، وكانت وحدات الحماية الكردية وحركة المجتمع الديمقراطي الكردية هددتا بعمليات اعتقال وبالمواجهة في حال تم إدخال بشمركه روجافا إلى سوريا وترفض وحدات الحماية الكردية وجود أي مكون عسكري كردي خارج إمرته .
كل هذه التناقضات تسببت في تأجيل معركة الرقة منذ مطلع الشهر الماضي وهي نفسها التي يمكن أن تؤدي الى تغيير في التحالفات الكردية مع القوى الاقليمية والدولية ، فالرقة من حيث توسطها بين الحسكه في الشرق وحلب في الغرب تعتبر عصب المنطقة الشمالية ، وهي الشريان الاساسي للتواصل الكردي في سوريا
في الواقع لا يمكن تحرير الرقة والخلاص من داعش في سورية إلا عبر توافق دولي جديد يظهر أن جميع المتصارعين الإقليميين والدوليين حققوا إنجازا تاريخيا.
لم تدرك السلطة السورية أولياً تلك المعادلة حين اطلقت الجيش السوري وحلفاءه باتجاه الطبقة والرقة لكنها فهمتها بعد ذلك ، وتراجعت نحو صراعاتها التقليدية بذريعة ابتعادها عن قواعد إمدادها اللوجستي ودعمها العسكري.
على حين نشهد هذه الايام القوى الكردية وقد تجاوزت الخطوط الحمراء التي رسمتها تركيا لتتقدم هذه القوى غرب نهر الفرات .فالأكراد أحسنوا الظن بحلفائهم الأمريكان ، وطمعوا في تأسيس كيان كردي شمال سورية دون عوائق أو مناطق عازلة ،وهذا القرار شبيه بإعلان الحرب ضد الدولة التركية والدولة السورية معاً.
وهذا ما يفسر التطورات الأخيرة التي أدت إلى التفاهم التركي السوري برعاية إيرانية ، لوقف تقوم القوات الكردية وإقامة حاجز كبير يفصل بين أحلامها الشمالية وذلك بدخول الجيش التركي إلى الأراضي السورية واحتلال مدينة جرابلس بعد التفاهم مع داعش على مغادرتها . كما أعلنت تركيا عن عزمها على مواصلة التقدم نحو الجنوب إلى مدينتي منبج والباب والسيطرة عليهما.
الخلاصة
إن احتلال الموصل واحتلال الرقة ، وإعلان قيام دولة الخلافة في العراق والشام هو نتيجة لصراعات المحاور الدولية والحلفاء الاقليميين ، ولا يمكن اعتبار داعش ظاهرة اسلامية منعزلة عن هذه الصراعات والمخططات السياسية التوسعية التي أعلنها جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكية في الستينات والوصول إلى تحقيقها ( بتفخيخ الإسلام من الداخل ) فالحرب الأمريكية التي شنها أوباما آثرت القيادة من الخلف ، وخوض معاركها بالبيادق الإقليمية فتحصد بذلك المكاسب دون دفع شيء من الخسائر البشرية والمادية .
أما روسيا الاتحادية فقد وجدتها المناسبة لتخرج من إطار الدولة الإقليمية إلى رئاسة القطب الدولى المناويء للولايات المتحدة وحلفائها ، على أن يكون العراق وسوريا مسرحاً لإنجاز اهدافها تحت ستار الدفاع عن القانون الدولى وتأمين حدوده من الهجمات الإرهابية بحرب إستباقية تخوضها في أراضى الشرق الأوسط.
حمّل هذا الموضوع كملف PDF
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً