فرسان الشمس ينثرون معاني الإنسانية في زمن التوحش

30-05-2016
انس الشيخ مظهر
الكلمات الدالة البيشمركة فرسان الشمس أنس الشيخ مظهر
A+ A-

جاؤونا بالذبح فهُزموا، وجئناهم بأخلاق الفرسان فانتصرنا.

أن تكون مقاتلاً لا يعني أن تكون قاتلاً، جملة ذات معاني عظيمة يتداولها الإعلام الكوردستاني بكثرة هذه الأيام في فضائياته وقنواته الأرضية من خلال فواصل قصيرة, داعية قوات البيشمركة للابتعاد عن استهداف المناطق التي يتوقع وجود مدنيين بها أثناء المعارك مع تنظيم داعش الإرهابي, وتبث هذه المقاطع باللغة الكورية  فقط, أي بمعنى أنها ليست  لتسويق البيشمركة إعلامياً خارج كوردستان، بل هو توجه حقيقي يهدف إلى ترسيخ المعاني السامية التي نشأت عليها هذه المؤسسة العسكرية العريقة (مؤسسة البيشمركة) .

لقد أثبت البيشمركة بطلان المفاهيم التي دأبت الكيانات العسكرية المسلحة في المنطقة (جيوشاً أم جماعات مسلحة) على العمل بها، والتي تتلخص في أن التوحش في التعامل مع العدو هو مقياس للقوة وإلقاء بالرعب في صفوفه, حتى وإن كان هذا التوحش في التعامل مع الأسرى أوالمدنيين العزل من طرف العدو, وأصبح مبدأ ترهيب العدو هو عقيدة راسخة في الموروث الحضاري والثقافي لشعوب هذه المنطقة، وقد نجحت البيشمركة في إثبات بطلان هذا التوجه من خلال النقاط التالية : 

الأولى: أن ثقافة التوحش التي مورست بحقه من قبل الجيوش العراقية المتعاقبة والتنظيمات الإرهابية مثل داعش لم يفت في عضده ولم تؤثر على معنوياته، وكذلك لم تساعد العدو على تحقيق الانتصار عليه .

الثانية: أن البيشمركة لم تلجأ يوماً إلى مبدأ التوحش (على سبيل التعامل بالمثل) في مواجهة العدو، بل قاتله واستمات في قتاله مع الحفاظ على القيم العليا التي تبنتها الثورة الكوردية منذ أول انطلاقتها ولغاية يومنا هذا، وكان يحقق معها الانتصارات .

ففي الوقت الذي تسود المنطقة ثقافة التوحش وانعدام مفاهيم البطولة الحقيقية, في ظاهرة انحطاط حضارية واضحة, ليس في التعامل مع العدو خارج ميادين القتال فحسب, بل حتى مع المدنيين العزل, بحيث  أصبحت مشاهد الرؤوس المذبوحة والأيادي المقطوعة والعيون المفقوئة مشاهد مألوفة، نرى أن هذا السقوط لم يقتصر على الجماعات الإرهابية الخارجة عن القانون فقط, بل انساقت إليها الجيوش النظامية في المنطقة, ومارست هذا التوحش كعقيدة ونهج يتم دراستها في أكاديمياتها وكلياتها العسكرية, والمفارقة أنه في الوقت الذي تستبسل هذه الأطراف في نهجها الدموي ضد العزل (مدنيين وعسكريين)، فهي تتكبد الهزيمة تلو الهزيمة في ساحات القتال أمام أطراف مسلحة . 

يبدو أن القدر قد أراد لمؤسسة البيشمركة أن تكون قبس الضوء الوحيد في هذا الواقع المظلم للمنطقة, تثبت  لشعوبها بأن الإيغال في السقوط  الحضاري, وانحدار المفاهيم الإنسانية أثناء الحروب ليس هو سبيلاً للنصر, وليست الطريقة المناسبة لإرهاب العدو, كما هو شائع في الموروث التاريخي لها.

فأعداء الشعب الكوردي (جيوشاً وتنظيمات مسلحة) لم  يدخروا جهداً في استخدام ورقة التوحش سلاحاً ضده منذ بدايات الثورة الكوردية ولغاية يومنا هذا، ورغم ذلك ظل فرسان الشمس (البيشمركة) يؤكدون على  المعاني السامية التي تربوا عليها وتجذرت عندهم كثقافة يتمسكون بها في قتالهم ضد العدو، وبذلك ظلوا يعيشون دائماً حالة من الانتصار المادي والمعنوي, و ظل أعدائهم يعيشون حالة الانهزام النفسي والحقيقي بشكل مستمر.

فطوال عقود الثورة الكوردية, لم يتم استهداف المدنيين العرب أفراداً أو تجمعات، رغم أن مشاهد الإعدامات الجماعية والأنفالات واستخدام الكيمياوي ضد المدنيين الكورد كانت كفيلة بأن تدفعهم للقيام بذلك، ولكنهم كانوا يؤمنون بأن الشعوب لا تتحمل وزر حكوماتها، ولا حتى جيوش دكتاتورياتها .

وفي حربهم الحالية ضد داعش، ورغم أنهم يواجهون تنظيماً يستهتر بكل معاني الإنسانية ويتفنن في ممارسة القتل ضد المدنيين, فإن البيشمركة لم تتجاوز الخطوط الحمراء للثورة الكوردية في الالتزام بأخلاقيات الحرب, فجعلوا ساحات القتال هي المحك الرئيس للبسالة والنصر, فكانوا أول من كسر أسطورة داعش وأول من أذاقه مرارة الهزيمة في المنطقة، في الوقت الذي كانت تنكسر أمام داعش أعتى جيوش المنطقة سواء في سوريا أو العراق.

ويسري هذا الوضع مع المليشيات الوقحة في الحشد الشعبي، والتي تستاسد فقط على المدنيين العزل, فرغم قيامها بعمليات قتل وخطف مدنيين كورد ونهب أموالهم وسرقتها, فقد ظل البيشمركة يمارسون أقصى درجات ضبط النفس دون الانجرار لتلك الممارسات مع المدنيين من المكون الشيعي في المنطقة .

هذه الأخلاقيات التي يتمتع بها البيشمركة ليست وليدة اللحظة, بل هي معاني سامية متجذرة في المجتمع الكوردي تشبع بها وترسخت عنده منذ القدم، جينات وراثية تتناقلتها الأجيال الكوردية, تجسدت  في شخوصهم التاريخية على مر العصور, فهي ذات الجينات التي كونت شخصية صلاح الدين الأيوبي، وانعكست عليه في قتاله ضد الصليبيين, وذاتها التي ظهرت في شخصية الزعيم الملا مصطفى البارزاني الذي كان يؤكد دائماً على التمييز بين أن تكون مقاتلاً تنادي بحرية شعبك، وبين أن تكون قاتلاً تبيح ذبح شعوب أخرى, تلك المدرسة التي علمت البيشمركة أن ساحات المعارك هو المكان الطبيعي للانتصار، وليس ميادين تعذيب وقتل المدنيين والأسرى كما تعود الآخرون.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب