السينما بعيون شابة.. كيف يصنع شباب العراق أفلاماً قصيرة تعكس واقعهم؟

30-04-2025
مصطفى حسين
الكلمات الدالة السينما
A+ A-
في السنوات الأخيرة، برزت ظاهرة لافتة في المشهد الثقافي العراقي، وهي توجه عدد متزايد من الشباب نحو صناعة الأفلام القصيرة. هذه الأعمال الفنية لم تعد حكراً على شركات الإنتاج الكبيرة أو دور السينما، بل أصبحت مشروعاً شخصياً بإمكان أي شاب أن يبدأه من بيته، بكاميرا بسيطة أو حتى بهاتفه المحمول. تحوّلت الأفلام القصيرة إلى وسيلة يعبر من خلالها شباب العراق عن مشاعرهم وتطلعاتهم، ويوثقون واقعهم اليومي بلغتهم الخاصة.
 
تتمتع هذه الأفلام بقدرة عالية على التعبير المباشر والسريع. فهي لا تحتاج إلى وقت طويل في التنفيذ، ولا تتطلب ميزانيات ضخمة أو طواقم عمل كبيرة. هذا ما يجعلها مناسبة جداً للشباب الذين يريدون قول شيء ما بسرعة وبوضوح، دون أن يمروا بتعقيدات الإنتاج التقليدي. الشباب يجدون في هذا الشكل الفني مساحة حرة تسمح لهم بكسر القيود المفروضة على أشكال التعبير الأخرى، والتفاعل بحرية مع قضاياهم الاجتماعية والإنسانية.
 
تختلف الدوافع التي تقف خلف دخول الشباب هذا المجال، فبعضهم يرى فيه وسيلة للهروب من الروتين والبطالة، بينما يعتبره آخرون منبراً حقيقياً للتغيير الاجتماعي. هناك من يصور معاناة الناس في أحيائه الشعبية، وآخرون يوثقون لحظات إنسانية نادرة، أو يطرحون أسئلة وجودية بلغة سينمائية بسيطة لكنها مؤثرة. القاسم المشترك بينهم جميعاً هو الإصرار على إيصال أصواتهم، حتى وإن كانت الوسائل محدودة.
 
لقد ساعد التطور التكنولوجي في تمكين هؤلاء المبدعين. الهواتف الذكية الحديثة تتيح تصوير فيديو بجودة عالية، وتطبيقات المونتاج المجانية أو منخفضة التكلفة تمنحهم أدوات كافية لإنتاج أفلام قابلة للمشاهدة والمشاركة. لم يعد من الضروري امتلاك استوديو احترافي أو خبرة طويلة في الإخراج؛ ما يحتاجه الشاب اليوم هو فكرة قوية، ورغبة حقيقية في التعبير.
 
لكن رغم هذه الإمكانيات، لاتزال التحديات قائمة. يواجه صناع الأفلام القصيرة في العراق صعوبات كبيرة، تبدأ من نقص التمويل وغياب الدعم المؤسسي، ولا تنتهي عند قلة المنصات التي تعرض هذه الأعمال. في أغلب الأحيان، يتم عرض الأفلام على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي نطاق ضيق لا يحقق الانتشار أو التقدير الذي يستحقه صانعوها. هذا ما يدفع بعض المبدعين إلى الإحباط، خاصة عندما يشعرون أن جهودهم تمر مرور الكرام دون صدى.
 
إضافة إلى ذلك، توجد معوقات مرتبطة بالبيئة الاجتماعية والسياسية. بعض الموضوعات مثل قضايا الهوية، الدين، أو السياسة، قد تُقابل برفض أو نقد حاد، ما يجعل الكثير من الشباب يترددون في طرقها، رغم أنها تمثل جوهر واقعهم. ومع ذلك، نجد من يتجرأ على كسر هذا الحاجز، متحدياً المخاطر، من أجل سرد قصص تستحق أن تُروى.
 
ورغم كل العقبات، فإن المشهد يتغير ببطء. بدأت تظهر ورش عمل تطوعية يقودها شباب اكتسبوا خبرة ميدانية، يسعون من خلالها إلى تدريب الآخرين وتشجيعهم على خوض تجربة الفيلم القصير. هذه المبادرات، رغم بساطتها، تشكل نواة لمجتمع فني ناشئ، يتبادل فيه المشاركون المعرفة والدعم، ويطورون أدواتهم بمرور الوقت.
 
في النهاية، ما يقوم به هؤلاء الشباب ليس مجرد تمرين فني، بل هو نوع من المقاومة الثقافية، وبحث دائم عن الذات، وسعي لتغيير الصورة النمطية التي قد تُرسم عنهم. إنهم يثبتون يوماً بعد يوم أن السينما يمكن أن تكون صوتاً للمهمّشين، ومساحة للبوح، ومتنفساً للأحلام. ومع كل دعم يُقدم لهم، يزداد الأمل في بروز مشهد سينمائي عراقي حيّ، يعكس تنوع المجتمع، ويحتفي بإبداع شبابه.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

عمر أحمد*

كيف سيكون سعر الفضة في عام 2026؟

في بداية هذا العام، كان سعر أونصة الفضة أقل من 30 دولاراً، لكنه وصل الآن إلى 60 دولاراً. الارتفاع العالمي في أسعار الفضة (على غرار ما حدث في سوق الذهب) خلق موجة من شراء الفضة في إقليم كوردستان، حيث توجه بعض التجار والمواطنين لشراء هذا المعدن المهم. وصل الحال إلى أن الناس يبيعون المنازل والأراضي والسيارات لتحويلها إلى ذهب، وبكميات أقل يحولونها إلى فضة.