رؤية بعيدة للمظاهرات في العراق

29-10-2019
زريان روجهلاتي
A+ A-

بعد فاصل ديني بسبب أربعينية الحسين، استأنف الشارع الشيعي التحرك في 25 من هذا الشهر، ليسجل ذلك اليوم كيوم جمعة دامٍ في تاريخ العراق الجديد. مطالب المتظاهرين المتعددة الأبعاد، إنما تدل على رفض النظام السياسي الحالي للبلد. أما إجراءات الحكومة والقوى التي تدعم السلطة والتي تدور في حلقة القمع ومنح الامتيازات، فلم تخفف من السخط.

أسباب ما يجري الآن معلومة منذ زمن وكان انفجار الوضع في العراق متوقعاً منذ زمن بعيد. لذا فإن الأهم من الحديث عن الأسباب التي يمكن تأليف سجل كبير بها، هو السؤال: ما الذي يجري؟ ماذا ستكون آثار هذه التظاهرات؟ هل ستمهد لتغيير النظام السياسي أم ستعمق من اللااستقرار؟

أزمة تتلوها أزمة!

خلال السنوات الـ16 الأخيرة، كانت الأزمات تجتاح العراق الواحدة تلو الأخرى! ورغم كثرة الأزمات التي ألمّت بالعراق، إلا أن التظاهرات الأخيرة تعد من حيث الأهمية الأزمة الكبرى الرابعة التي عانى منها النظام السياسي الجديد للبلد، وتتمثل في أزمة شرعية هذا النظام.

الطريقة التي اختارتها الحكومة للسيطرة على هذه الأزمة، عبارة عن حلقة من منح الامتيازات والقمع، ولا يتوقع لها أن تصمد طويلاً. فمطالب الشباب الشيعي في العراق، الذي تتزايد أعداده باضطراد، والذي يطالب بفرص عمل وظروف معيشية أفضل، ليست مجرد مطالب اقتصادية بل تحمل في ثناياها مطالب سياسية ذات جذور قومية.

لا تبدو الحزم التي تقدمت بها الحكومة لتحقيق "الإصلاح" قابلة للتطبيق عملياً. فقبل كل شيء، التخلص من المحاصصة التي قدمت كوسيلة لقمع مطالب الكورد والسنة من جانب السلطة الشيعية، سيؤدي إلى مشكلة داخلية كبيرة بين الفصائل الشيعية. فقد ضمن كل طرف قوة عسكرية ودعماً خارجياً ويريد حصته. الوعود بالتعيينات وتوزيع المال والأراضي لتهدئة الاحتجاجات لن تؤدي إلا إلى تعزيز حجم الدولة الريعية التي تدفع المال لشراء ولاء المواطنين! قد يكون هذا حلاً موقتاً، لكنه ليس جذرياً أبداً.

الإجراء الآخر الذي اتبعته الحكومة وهو القمع، قد يساعد لبعض الوقت في السيطرة على الوضع، لكنه سيكون عقيماً في الأخير. في ثمانينيات القرن الماضي، شهدت هذه المنطقة سلسلة ثورات من أجل الخبز، شملت لبنان والأردن ومصر. كما أننا كلما عدنا إلى الوراء نجد أن أسباب سخط الشعوب كانت اقتصادية أو نتيجة لسياسة ذات بعد واحد. فمثلاً حدثت تظاهرات وثورات من أجل الخبز أو الهوية، لكن العهد الجديد في الشرق الأوسط هو عهد وعي الأفراد وهنا لن يكون بإمكان الآيديولوجيا والدين أن يمنعا المطالب المادية والسياسية للبشر، كما أصبحت المطالب متعددة الأبعاد. خلال السنوات الثلاثين الأخيرة، ورغم القمع الشديد الذي مارسته الأنظمة السياسية، زاد عدد التظاهرات الاحتجاجية الجماهيرية في الشرق الأوسط، ولم يتراجع عددها، والعراق ليس باستثناء. فقد حصلت خلال هذه السنوات الثلاثين 36 مظاهرة احتجاجية على الأقل في الشرق الأوسط، وكان أغلبها في السنوات العشر الأخيرة، والفترات الفاصلة بينها صارت أقصر، وهذا دليل على فشل سياسة القمع.

عدد المظاهرات والاحتجاجات في الشرق الأوسط ونتائجها خلال الفترة 1990-2019:

مصر: أربع مرات، أدت إلى تغيير النظام وسيطرة الدولة.

إيران: خمس مرات، وكانت النتيجة سيطرة الدولة.

تركيا: أربع مرات، والنتيجة سيطرة الدولة.

العراق: ست مرات، أدت إلى تغيير النظام واللااستقرار، ومازال الحبل على الغارب.

السعودية: مرتان، والنتيجة سيطرة الدولة.

اليمن: مرتان، والنتيجة حرب أهلية.

سوريا: ثلاث مرات، والنتيجة حرب أهلية.

الإمارات: مرة وسيطرت الدولة.

الأردن: مرتان، والنتيجة سيطرة الدولة.

لبنان: أربع مرات، أدت إلى اللااستقرار ومازالت مستمرة.

عمان: مرة واحدة، وسيطرت الدولة.

البحرين: مرتان، ثم سيطرة الدولة.

كانت الحرب الأهلية (الشيعية – السنية، الكوردية، الشيعية - الشيعية) إلى جانب الحرب على الإرهاب (القاعدة وداعش) والسخط الجماهيري، ثلاثة عوامل هامة لتنامي اللااستقرار في العراق، وأدت الثلاثة إلى المضي بالنظام السياسي للبلد باتجاه الانهيار إن لم تؤد إلى انهيار نهائي للدولة.

ما الذي يجري؟

زاد احتمال إقصاء عادل عبدالمهدي عن رئاسة الوزراء أكثر مما مضى. لكن المسألة غير محددة بمصيره وحده، حيث أن امتزاج تصفية الحسابات السياسية – الدينية بالتظاهرات ووجود السلاح في أيدي الناس والفصائل، يقربان العراق خطوة أخرى من اندلاع حرب أهلية شيعية للمرة الثانية.

مع استمرار هذه التظاهرات، هناك احتمال كبير في أن يستعيد داعش قوته، فقد أدى الزحف العسكري التركي على غرب كوردستان وتظاهرات العراق إلى قيام الحكومة العراقية بنقل قواتها الأمنية لغرض إحكام السيطرة على أوضاع المدن، وهذه وفرت فرصة ذهبية لداعش. يريد قسم من الفصائل الشيعية استغلال هذه النقطة لإخافة الشعب، ثم السيطرة على الوضع. لكن بغض النظر عن نواياهم، فإن احتمال استعادة داعش لقوته مفروغ منها. تشير إحصائيات وزارة شؤون البيشمركة إلى أنه خلال العام 2018 شن داعش 456 هجوماً في المحافظات الخمس المتنازع عليها، وأدت الهجمات إلى قتل وجرح وخطف 1720 شخصاً. كما شن التنظيم 181 هجوماً في الأشهر الثمانية الأولى من 2019، وأسفرت عن قتل وجرح وخطف 860 شخصاً. هذا يبين أن خطاب رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بخصوص "النصر" الذي تحقق بقيادته على داعش، لم يكن صحيحاً.

هناك نقطة أخرى، وهي أنه في حال استمرار التظاهرات قد تبدأ موجة نزوح باتجاه إقليم كوردستان في حال استمرار الهدوء في الإقليم.

احتمالات حصول انقلاب قليلة بسبب ضعف الجيش العراقي. كما أن احتمال قيام الحشد الشعبي بانقلاب ضعيف، لأن الفصائل المسلحة الشيعية ليست متناغمة، وإن حصل شيء كهذا ستزيد احتمالات اندلاع حرب أهلية بينها. لهذا فإن استمرار المظاهرات واستمرار العجز الحكومي عن السيطرة على الوضع، قد يمهدان لتدخل إيراني مباشر، أو تدخل دول أخرى، كما حصل في سوريا.

تمضي الأوضاع في العراق صوب المجهول، وسيلحق اللااستقرار في العراق الضرر الكبير بإقليم كوردستان. لكن الدعم المتزايد للحكومة العراقية في ظل هذا الوضع ليس جيداً. الأفضل هو أن ينسق الكورد في هذه المرحلة مع السنة العراقيين، فحماية الحقوق الدستورية غير مضمونة في حال حدوث انقلاب مفاجئ في الوضع. كما أن إقليم كوردستان بحاجة إلى مزيد من توحيد الكلمة في مواجهة كل الاحتمالات التي تنتظر العراق. من هنا كان اجتماع رئيس إقليم كوردستان مع الأحزاب الكوردستانية هاماً، ويمكن أن يستمر.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

كاميران حاج عبدو

نحو تحول تاريخي.. حزب العمال الكوردستاني وخيار التخلي عن السلاح

تتردد في الآونة الأخيرة أنباء عن احتمال تخلي حزب العمال الكوردستاني (PKK) عن الكفاح المسلح، وربما حتى حلّ الحزب، وذلك في أعقاب مؤتمره الأخير. وإذا ما تحققت هذه الخطوة، فإنها ستشكل تحولاً جوهرياً في مسار الصراع الكوردي داخل تركيا وخارجها.