معد فياض
أربعة رؤساء جمهوريات تعاقبوا على هذا المنصب في العراق منذ عام 2004 وحتى اليوم.. ثلاثة منهم من الكورد الذين تعرفت عليهم عن قرب، وكنت قريباً ومقرباً منهم، وهم: جلال طالباني، وفؤاد معصوم، وبرهم صالح.. رووداو عربية تنشر هنا، والعراق بانتظار الرئيس العاشر منذ قيام النظام الجمهوري في 1958.. على حلقات، ريبورتاجاً مروياً، أو صوراً مكتوبة عن رؤساء الجمهورية بعد 2003، قبل وخلال توليهم هذا المنصب، لتعريف القارئ بصور رؤساء جمهوريات العراق ما بعد التغيير.
المواجهة الأولى
لو سارت الأحداث، فيما يتعلق بمنصب رئاسة الجمهورية، على ما هي عليه اليوم، وحصر المواجهة النهائية تحت قبة مجلس النواب بين مرشح الحزب الديمقراطي الكوردستاني، هوشيار زيباري، ومرشح الاتحاد الوطني الكوردستاني، برهم صالح، فسوف تكون هذه المواجهة المعلنة الثانية بين السياسيين الكورديين، لكنها على أية حال مواجهة ديمقراطية سياسية.
المواجهة الأولى بين زيباري وصالح، كانت في واشنطن، في منتصف أغسطس (آب) عام 1996، عندما بدأ الاقتتال بين الحزبين الكورديين الرئيسيين، الديمقراطي الكوردستاني، بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني بزعامة جلال طالباني.
كان برهم صالح، وقتذاك، ممثل الاتحاد الوطني الكوردستاني في واشنطن، بينما كان هوشيار زيباري، ممثلاً للحزب الديمقراطي الكوردستاني في العاصمة الأميركية، يقول صالح: "كانت تربطنا علاقات متميزة، ليست علاقات سياسية وحسب، بل علاقات صداقة ومحبة"، يستطرد قائلاً: "عندما وردت أنباء اندلاع الاقتتال بين حزبينا، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكوردستاني، في منطقة (قلعة دزة) في كوردستان، كنا أنا والأخ هوشيار زيباري في اجتماع، أو كنا نحضر سوية حفلاً تأبينيا في واشنطن لمجموعة من الممثلين عن الحكومة الأميركية الذين قتلوا في منطقة الملاذ الآمن، حيث كان زيباري ممثل الديمقراطي الكوردستاني هناك، فأخبرت الأخ هوشيار بالأخبار السيئة، ووقعت علينا أنباء هذا الاقتتال العبثي كالصاعقة، وكان وقعه علينا كلينا، مؤلماً، مؤلماً، مؤلماً للغاية".
يستطرد برهم صالح قائلاً: "المشكلة الكبيرة التي واجهتها وقتذاك هي أن علاقتي بالأخ هوشيار كانت جيدة، وما زالت، وأنا أعتز بهذه العلاقة، فأنا كنت ممثل الاتحاد الوطني الكوردستاني، وسياسة الحزب تقتضي بأن لا نلتقي، وهذه مشكلة عانى منها زيباري أيضاً، إذ فجأة تحتم علينا أن نكون في اتجاهين متعاكسين تنفيذاً لسياسات حزبية، لكن علاقتنا بقيت جيدة في أكثر الظروف تشابكاً بين الحزبين، وكنا نتبادل الرسائل والهموم ونسعى لتطويق المشاكل وعدم اتساعها خاصة بين أنصار الحزبين في الخارج، بل كنا نعمل من أجل محاصرة هذا الاقتتال وعودة المياه إلى مجاريها بين حزبينا". منوهاً إلى أن "هذه الفترة العصيبة كانت مؤلمة جداً وتحمل ذكريات مُرة لن تعود إن شاء الله".
السباق إلى الرئاسة
المواجهة بين صالح وزيباري تمثل في حقيقتها مواجهة بين إرادة وقرار الحزبين الكورديين الرئيسيين، حيث يخوض الحزبان المواجهة الثانية في موضوع رئاسة الجمهورية، كانت الأولى عام 2018 عندما فاز صالح على حساب فؤاد حسين مرشح الديمقراطي الكوردستاني.
برهم صالح، رشح مرتين لرئاسة الجمهورية، خسر الأولى، عام 2014 حيث فاز بها رفيقه عضو المكتب السياسي في الاتحاد الوطني، فؤاد معصوم، وفاز بالثانية عام 2018، ويحاول البقاء لولاية ثانية في ترشيحه الثالث لمنصب رئاسة الجمهورية، في الدورة البرلمانية الحالية 2022.
وشكلت خسارته لمنصب رئيس الجمهورية عام 2014 خيبة أمل بالنسبة له، خاصة من قبل حزبه، خاصة وأنه كان نائباً للامين العام للاتحاد الوطني، ومع ذلك لم يرشحه حزبه لهذا المنصب ولم يدعمه الحزب الديمقراطي الكوردستاني المتحالف مع حزبه آنذاك، مما دفع به (صالح) إلى الانحسار من الساحة السياسية لفترة ليست قصيرة، قبل ان يترك حزبه ويدخل الانتخابات التشريعية عام 2018 بكتلة أطلق عليها اسم (من أجل الديمقراطية والعدالة) التي حصلت على مقعدين فقط في مجلس النواب، وكانت هذه خيبة أمل مضافة لصالح الذي كان يأمل بمنافسة حزبه الأصلي.
حدث ذلك في وقت عانى فيه الاتحاد الوطني الكوردستاني من الانقسامات وغياب الرؤية القيادية الموحدة في ظل الغياب الكبير الذي تركه زعيمه ومؤسسه جلال طالباني، وكان من الصعب على قيادة الاتحاد العثور على مرشح مضمون لرئاسة الجمهورية، وبعد أن تم التصويت من قبل قيادة الاتحاد الوطني الكوردستاني لأجل إعادة صالح إلى بيت الحزب مقابل ترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية، وافق صالح، وعمل بكل جهده على الفوز بهذه الفرصة وعدم العودة لدرس عام 2014، وكان أول ما ضحى به هي كتلته، ذات المقعدين البرلمانيين، التي شكلها بنفسه ثم تركها عائمة بلا رئيس.
في الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2018، نال برهم صالح، في الجولة الثانية من التصويت، موافقة أعضاء مجلس النواب ليكون رئيساً للجمهورية، وأدى اليمين الدستورية في ذات اليوم، ثم كلف عادل عبدالمهدي، مرشح الكتل الشيعية، لتشكيل الحكومة التي أجبرتها تظاهرات (ثورة) تشرين على الاستقالة، بعد ان وافق مجلس النواب على قبول هذه الاستقالة في جلسته الاستثنائية يوم الأحد الأول من ديسمبر (كانون الأول)عام 2019.
من المفارقات، أذكر هنا اني كنت من الاصدقاء المقربين جداً لبرهم صالح إلا اني لم التق به خلال فترة رئاسته للجمهورية (من 2018 حتى اليوم)، وربما أكون أنا أكثر من كتبت وأجريت حوارات صحفية معه.
حماية الدستور
كانت من أبرز انجازاته، وضمن مهامه الدستورية باعتباره الحامي للدستور والحريص على تطبيقه، هو تكليفه لصديقه مصطفى الكاظمي، والذي عمل لفترة رئيساً لتحرير مجلة (الأسبوعية) التي أصدرتها مؤسسة خندان التابعة لصالح نهاية عام 2007، بتشكيل الحكومة بعد أن اخفق كل من محمد علاوي وعدنان الزرفي بهذه المهمة، وكان شباب ثورة تشرين قد رفضوا أصلاً ترشيح علاوي والزرفي لرئاسة الوزراء. وشكل كل من الرئيسين، صالح والكاظمي، ثنائياً رئاسياً منسجماً بعيداً عن اختلاق الازمات.
دشن صالح فترة رئاسته بزيارة شارع المتنبي ومعرض بغداد للكتاب برفقة زوجته، وكانت هذه سابقة في المشهد الحكومي والرئاسي العراقي منذ 2003، كما استقبل الكثير من الفعاليات الثقافية والمهنية والشخصيات السياسية والاجتماعية من جميع الاديان والطوائف العراقية.
وكان الحدث الابرز خلال فترة رئاسة صالح هي زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس إلى العراق، والتي تعتبر الزيارة البابوية الأولى إلى العراق والتي استغرقت أربعة أيام، حيث وصل البابا فرنسيس إلى مطار بغداد الدولي من مطار العاصمة الايطالية روما يوم 5 مارس 2021 وغادر بغداد يوم 8 مارس 202، بعد ان زار أربيل والموصل.
مواجهة حاسمة
مع بت المحكمة الاتحادية العليا بشرعية الجلسة الأولى لمجلس النواب العراقي الجديد وما تمخض عنها من انتخاب هيئة رئاسته، حدد البرلمان موعد الإعلان عن لائحة أسماء المرشحين لرئاسة الجمهورية، مبيناً أنه سيتم الإعلان عنها الاثنين المقبل خلال اجتماع عقدته رئاسة مجلس النواب، الخميس، للتباحث حول الأحكام والإجراءات المتعلقة بالترشيح لمنصب رئيس الجمهورية.
وتقرر خلال الاجتماع، حسب بيان صادر عن رئاسة مجلس النواب: "تحديد يوم الاثنين المقبل الموافق 31 كانون الثاني، لإعلان أسماء المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية من الذين توفرت فيهم الشروط القانونية، بعد استكمال الإجراءات القانونية، وذلك استناداً لقانون أحكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية رقم 8 لعام 2012".
فضلاً عن "تحديد يوم الاثنين الموافق 7 شباط موعداً لجلسة مجلس النواب الخاصة بانتخاب رئيس الجمهورية".
ووفق الدستور العراقي فإن الخطوة التالية لانتخاب رئاسة مجلس النواب، تتمثل بالتصويت على المرشح لرئاسة الجمهورية خلال 15 يوماً، وبعدها يقوم رئيس الجمهورية الجديد بتكليف مرشح الكتلة البرلمانية الأكبر بتشكيل الحكومة وتقديمها للبرلمان لنيل الثقة خلال شهر واحد بعد التكليف.
على المستوى الرسمي فان ابرز المرشحين لمنصب رئيس الجمهورية، هما عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيس الوفد المفاوض الممثل للحزب إلى بغداد، هوشيار زيباري، والرئيس المنتهية ولايته برهم صالح، المرشح عن الاتحاد الوطني الكوردستاني.
وكانت انباء غير موثوقة قد تحدثت عن انسحاب زيباري من سباق رئاسة الجمهورية، الا ان زيباري، اكد عدم صحة هذه الانباء، وقال: "نشرت بعض مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المنصات الإعلامية، والجيوش الالكترونية غير المسؤولة تصريحاً مفبركاً باسمنا، بأننا كحزب ديمقراطي كوردستاني تنازلنا عن منصب رئيس الجمهورية"، مشيراً إلى أن "هذه التقارير بعيدة كل البعد عن الحقيقة، وغير صحيحة جملة وتفصيلا". مؤكدا، أنه "لم يصدر عنا هكذا تصريح. هذا الموقع السيادي مهم جداً للعراق ويحتاج إلى توافق كوردي أولاً وأخيراً".
وكان عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني، هوشيار زيباري، قد قدم أوراق ترشحه رسمياً لمنصب رئاسة جمهورية العراق، كما قدم برهم صالح، رسمياً أوراق ترشحه لولاية رئاسية ثانية، وذلك بعد يوم من تقديم زيباري أوراق ترشيحه.
ويصر الاتحاد الوطني الكوردستاني (17 مقعداً في مجلس النواب العراقي) على ان منصب رئيس الجمهورية من حقه حسب اتفاقات مسبقة عام 2006 ضمن التحالف الكوردستاني، لكن الحزب الديمقراطي الكوردستاني (31 مقعداً في مجلس النواب العراقي) يرى ان المنصب من حقه وحسب الاستحقاقات الانتخابية، لا سيما وان التحالف الكوردستاني لم يعد قائماً عملياً.
وفي حسابات الحقل والبيدر، فإن أنصار الديمقراطي يعتبرون حصول زيباري على منصب رئاسة الجمهورية محسوماً اعتماداً على التحالف الذي يجمع بين التيار الصدري وتحالف سيادة والديمقراطي، وهذا التحالف ذاته من ضمن لمحمد الحلبوسي وصوله إلى رئاسة مجلس النواب بسلاسة، كما سيضمن لزيباري حصوله على منصب رئاسة الجمهورية، وسيتم اعتماد ذات الحسابات والمبدأ في التصويت لرئيس الحكومة المقبلة الذي سيختاره التيار الصدري.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً