الزي الوطني وحماية الهوية

28-08-2021
سارة السهيل
الكلمات الدالة الازياء العراق
A+ A-
 
لما كان الانسان هو وليد بيئته الثقافية والاجتماعية والدينية، فان هذه البيئة صاغت فكره ودلته على الاهتمام بمظهره الخارجي باعتباره مرآة تعكس قبول الناس ومدى احترامهم وهيبتهم منه، لذا تعارفت الشعوب على اهمية اختيار زي وطني يعكس طبيعة حياتهم سواء كانت منفتحة او منغلقة، وتترجم طبيعة ارضهم وتضاريسها من جبال وسهول وانهار وبحار، او اصقاع باردة ام اجواء حارة، وتعكس ايضا مدى الترابط الاجتماعي والقوة المهابة التي تنقلها شفرات الملبس للشعوب المجاورة كي تحافظ على مكانتها بين أقرانها.
 
هنا لعب الزي القومي للشعوب دور السفير للجمال والاناقة، والترجمان لمظاهر الحياة السياسية والدينية، كما في لباس رجال الدين من الرهبان والكهان بالاديان السماوية والارضية وغيرهم الذين اختصوا لانفسهم أزياء خاصة تعبرعن الوقار والهيبة وعبرت عنها الوان متعددة بين الابيض والاسود وغيرهما.
 
بينما عكست الازياء الرسمية للشعوب التي اعتادت الحروب على نقوش ورموز حربية وغيرها، ويمكن القول بأن الزي الوطني وامتداده عبر الاجيال يعد جسرا ثقافيا نقل الينا ونحن نعيش مخاضات الالفية الثالثة للميلاد اساليب الحضارات القديمة في الفكر ورؤيتها للجمال وللحياة عموما، وكيف كانت هذه الازياء الوطنية مكون رئيسي من مكونات الدولة او القومية القديمة وثقافتها وحضارتها وعلاقات الانتماء والوفاء فيها لكي تحافظ بها على بقائها ووجودها الانساني.
 
ومع عصر العولمة اختفت الكثير من مظاهرالازياء القومية للشعوب وتحولت الى مادة فلوكلورية نستحضر معها نسمات الماضي العريق عبرالمهرجانات الكرنفالات والاعياد الوطنية للدول.
 
ومع ذلك فقد حافظت بعض الدول على زيها القومي مثل القفطان المغربي، وجعلته يعيش بيننا، وتحافظ عليه المرأة في المناسبات والأفراح. وحافظت تونس على القبعات الحمراء بين  أوساط الشباب ويرتديها الفنانون التونسيون.
 
واشتهر زي التشريفات الفلسطيني ويعبر بها عن الزعامة الفلسطينية السلطوية بجميع أشكالها الذكورية بينما حافظت الكثير من البلدان العربية على أزيائها الوطنية خاصة في القرى والمناطق ذات البيئة المحافظة، ويبقى الزي الوطني حاضرا في الاعياد والمناسبات الوطنية تمسكا بالهوية والحفاظ عليها من الذوبان في فضاءات العولمة وما بعدها من طوفان الموضات التي لا تنتهي.
 
ورغم اهمية الأعلام  في تحديد هوية اية دولة في عالمنا المعاصر، غير ان الزي الرسمي ظل علامة مميزة على الهوية ولم يتبخر بفعل السنين، فنحن نتعرف على الشعوب عبر أزيائهم الوطنية.
 
فالزي الرسمي لدول الخليج العربي يبدو متشابها، ويشتهربالغترة والقحيفة والجلباب الأبيض، ويوضع فوقهم “البشت” الأسود أو البني اللون المطرز بـ”الرسيم” الذهبي المطعم بالألوان أو الذهبي الخالص، وفوقهم العقال المصنوع من شعور الماعز الأسود ليعكس  الهيبة والوقار.
 
كذلك تتقارب الأردن وفلسطين فى زيهما الرسمي “الشعبي”، بالجلباب غامق اللون وفوقه السترة، مع اختلاف فى لون “الغترة”، الاحمر بالزي الأردني بلونها الأحمر، والأبيض أو المربعات البيضاء والسوداء بالزي الفلسطيني. اما اللباس الاردني الممزوج بين القدم و الحداثة هو ارتداء البدلة العادية مع الغترة الحمراء و العقال اما النساء في الاردن فترتدي الثوب المطرز تطريز اليد فيكون باللون الاسود والاحمر غالبا رغم تنوع الالوان حديثا.
 
وحافظت سوريا على الزي الدمشقي القديم فى احتفالاتها وخاصة يوم العرس، وهو بنطال فضفاض يحكمه شال ملفوف على الخصر، وقميص مزركش بألوان مبهجة من الأعلى، فيما يلف الرجل كتفيه بشال أبيض ويضع فوق رأسه طاقية رأس.
 
تنوعت الملابس الشعبية بمصر وفق عادات وتقاليد كل اقليم جغرافي، فالثوب السيناوي في شمال شرق البلاد مختلف عن واحة سيوة. واتسم الزي في شمال سيناء بالحشمة والوقار والاتساع واللون الأسود المزين بخطوط مختلفة، وفي جنوب سيناء ترتدي النساء الثوب نفسه مزينا بزخارف نباتية وألوان مبهجة كالأحمر والأصفر والأخضر والبرتقالي.
 
والطبقات المرموقة تستعمل خامات الكتان النقي، وترتدي المتزوجة الثوب المطرز بالأحمر، واختص الأزرق بالعجائز والأرامل، وزيادة التطرير رمزا للفرح والثراء.
 
واختص الشعب التركماني بالعراق بزي خاص، للرجال والنساء، (وسمي الزي التركماني بالزي البغدادي) بفعل عوامل سياسية، ويتكون من قميص أبيضَ، رداء واسع من الأقمشة الثمينة، سروال متسع والجاكيت، الحزام، طاقية وطاقية راس بيضاء ، الياشماغ  الأبيض والأسود.
 
في العراق عامة يتنوع اللباس التقليدي من منطقة إلى منطقة نظرا لتعدد القوميات والاعراق و الديانات ، فلباس المرأة في العراق يعتمد بشكل رئيسي على العباءة السوداء التي تسمى ايضا «الجزية» او «المبرد» حسب المادة المصنوعة منها، واحيانا تضع المرأة على وجهها غطاء يسمى البوشية، وتتزين المرأة العراقية عادة بالكثير من الذهب والمصوغات ابرزها (الحجول) وهي خلاخيل الاقدام.
 
اما الرجل البغدادي اذا كان من الحضر او المثقفين الافندية يرتدي البدلة العادية ويضع «الفينة» على رأسه، وهي شبيهه بالقبعة، لكنها دقيقة من الامام والخلف بشكل اقرب للمعين.
 
أما في لبنان، يتميز اللبس التقليدي في لبنان بالالوان الزاهية وخاصة الشروال والصدرية المزخرفة وايضا في فترات زمنية كانت النساء تضع على رأسها قبعات طويلة جدا واقمشة تتدلى من الرأس وايضا يرتدي الرجال في جبل لبنان الجلابية والعقال وترتدي المراة فساتين ريفية فضفاضه مزركشة بالألوان التي تشبه طبيعة لبنان الخضراء والمثمرة.
 
الملابس الكوردية التقليدية 
 
في كوردستان ايضا استوحى الكورد ملابسهم من طبيعتهم الخلابة بألوانها المفرحة التي تشبه طبيعة هذا الشعب الذي يعيش بين قساوة الجبال والظروف الصعبة الا انه شعب يحب الفن والمرح والاغاني والدبكات والموسيقى، ومن هنا كانت الاثواب الكوردية جميلة ومميزة، فتلبس المراة الكوردية على رأسها (الهريتين) قطعتين ملونتين واحدة عالرأس والثانية تتهدل فوقها، اما المراة الريفية فترتدي وشاحا مطرزا بخيوط لامعة تعقده تحت ذقنها على الرقبه وترتدي (الفقيانة)، ثوب طويل الى الارض وهو من قماش شفاف او خيوط حرير وترتدي تحته قميص داخلي رقيق اما الجزء العلوي فهو سترة قصيرة بلا اكمام، وتضع فوقهم حزاما من الصوف، وأحيانا بحزام من الذهب يكون سميكا بعض الشيء، أما القطعة الأخيرة فهي السروال والذي يكون عريضا أيضا. أما الرجل الكةردي يرتدي الشروال (السروال)، والجوغة (السترة) والبشتين، حزام من القماش يلف على الخصر، فضلا عن العمامة الملونة.
 
اما في ليبيا لاحظت ان النساء الليبيات يهتمون بشكل كبير في ملابسهم خاصة انواع الاقمشة ويفضلون معدن الفضة لزركشة اقمشتهم واثوابهم فترتدي المراة الليبية عادة ما يسمى البدلة الكبيرة وهي عبارة عن (جيليه) او فرملة يعني الجاكيت القصير البدون اكمام وتسمى في ليبيا القمجة وتكون جميلة ومزخرفة مع السروال، ورأيت ملابس باثواب طويلة مرصعة بمعادن ثقيلة وكبيرة الاحجام اما الرجل الليبي فيرتدي عادة وخاصة في المناسبات الخاصة والاعياد الزبون وهو سروال وفرملة من نفس اللون و القماش وفوقها سورية يصل طولها الى الركبة.
 
حاولت ان اذكر جميع البلدان العربية لكن لا مجال في مقال واحد وفي الختام أريد ان اقول رغم ان هذه الازياء انعكاس لشكل خارجي للحضارة والهوية، الا انني اظن ان شعوبها لم تستطع كثيرا ان تحافظ على جوهر اصالتها وحضارتها كما نحب ان تكون فهويتنا تسلب منا تدريجيا والبعض اصبح يخجل او يستعر من التاريخ والاصالة والماضي وكأن الحداثة ارقى واجمل كلنا انجرفنا في عولمة الذوق والتوجيه الموحد في الملبس والماكل ونظام الحياة. 
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

مصطفى حسين

الدراما العراقية بين غياب "المنتج الفنان" وتحديات النهوض الثقافي

تواجه الدراما العراقية في السنوات الأخيرة أزمة حقيقية تتمثل في غياب ما يُعرف بـ"المنتج الفنان"؛ ذلك المنتج الذي لا يتعامل مع الفن كسلعة تجارية فحسب، بل يراه رسالة ثقافية واجتماعية، ووسيلة للتعبير عن قضايا الإنسان والمجتمع. وقد انعكس هذا الغياب بشكل واضح على نوعية وجودة الأعمال الدرامية المنتَجة محليًا، ما أدى إلى تراجع مكانة الدراما العراقية عربيًا.