إلهام أحمد بين الاعتراف المتبادل وخطر الإقصاء

28-07-2025
طلال محمد
الكلمات الدالة الادارة الذاتية الهام أحمد سوريا
A+ A-
في مقابلة حديثة مع قناة رووداو، أطلقت إلهام أحمد، رئيسة دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، سلسلة من التصريحات التي تتجاوز حدود الرأي السياسي إلى ما يمكن اعتباره خريطة طريق لمستقبل العلاقة بين الإدارة الذاتية والحكومة الانتقالية في دمشق، كما تفتح نافذة واسعة على تعقيدات المشهد السوري، وما يمكن أن يكون عليه شكل الدولة في مرحلة ما بعد الحرب، إن كانت هناك نية جادة لبنائها.
 
حديث إلهام أحمد لم يكن فقط تبريراً أو دفاعاً عن المشروع السياسي للإدارة الذاتية، بل كان تأكيداً على واقع تزداد فيه الهشاشة السياسية في المركز، مقابل محاولة الأطراف المحرومة من السلطة التأسيس لنموذج بديل. وقد جاءت تصريحاتها في لحظة إقليمية ودولية تتسم بالتغير، حيث لم تعد المعادلات القديمة قادرة على إنتاج تسويات حقيقية، في ظل عودة النظام السوري إلى الخطاب الأحادي ومحاولات فرض مركزية ميتة لم يعد لها مكان في خرائط ما بعد 2011.
 
من أبرز النقاط التي سلطت عليها السيدة إلهام الضوء، هي أن الإدارة الذاتية لا تطالب بالانفصال ولا تسعى لتقسيم البلاد، بل تدعو إلى الاعتراف المتبادل بينها وبين حكومة دمشق. وهذه النقطة بالذات تكشف عن مأزق فكري تعانيه الدولة المركزية السورية التي ما زالت تتعامل مع المناطق خارج سيطرتها كأراض تحتاج إلى "إعادة تطويع"، وليس ككيانات لها هياكلها ومؤسساتها وتجربتها السياسية والإدارية الخاصة.
 
إن مسألة "الاندماج"، كما أوضحت السيدة إلهام، لا تعني التفكك والانصهار في دولة لم تعترف أساساً بوجودهم، بل تعني شراكة على أساس الاعتراف المتبادل. أي أن قسد، كمؤسسة أمنية - عسكرية، لا يمكنها ببساطة أن تسلّم سلاحها وتُحلّ نفسها دون ضمانات سياسية ودستورية. فهل تتجه دمشق نحو الاعتراف بهذا الحق الطبيعي في الحماية الذاتية، أم أنها تسعى فقط لاحتواء التجربة وإنهائها تحت شعارات "السيادة والوحدة الوطنية"؟.
 
إلهام أحمد قالتها بوضوح: الدولة المركزية جلبت الكوارث. وهو توصيف ليس فيه مبالغة. فمنذ الاستقلال، شكلت المركزية عقيدة الدولة السورية، وأدت إلى تهميش المناطق الطرفية، وعلى رأسها المناطق الكردية والجزيرة التي كانت دوماً في موقع "المورد" الاقتصادي و"الضحية" السياسية.
 
إن الطرح اللامركزي الذي تدافع عنه الإدارة الذاتية لا يعني تفكيك الدولة، بل إعادة توزيع السلطة داخلها، وهو ما يتقاطع مع تجارب دول كثيرة تجاوزت حروبها الداخلية بتحويل الدولة إلى إطار اتحادي أو لامركزي يمنح كل مكون دوراً فعّالاً في القرار السياسي. إن الإصرار على استنساخ الدولة المركزية بعد كل هذا الدمار، ليس فقط خطأ استراتيجي بل دعوة إلى تفجير البلاد من جديد، بطريقة مؤجلة.
 
ما كشفته إلهام أحمد عن طبيعة اللقاء في دمشق، بحضور المبعوث الأميركي توم بارك، يكشف عن عمق الجمود الذي تعانيه الحكومة المؤقتة في دمشق فاللقاء، كما بدا، لم يكن مفاوضات بين ندين، بل محاولة من طرف حكومة دمشق لإملاء شروطها على الآخر، دون أن تعي أن الواقع العسكري والسياسي تغيّر، وأن شرعية الدولة لا تُستعاد بالقوة، بل بالاعتراف بالشركاء الوطنيين.
 
دمشق، كما أوضحت السيدة إلهام، تحضّر للدستور ومجلس الشعب والحكومة "من طرف واحد"، دون إشراك القوى الفاعلة في البلاد. وهذا المسار، في جوهره، لا يختلف عن الطريقة التي تم بها إنتاج السلطات في سنوات ما قبل الثورة، ويؤكد أن الدولة العميقة لا تزال ترفض فكرة التعددية، وتتمسك بعقيدة "الاحتكار الكامل للقرار".
 
من أكثر المواضيع حساسية التي طرحتها رئيسة دائرة العلاقات الخارجية في الإدارة الذاتية، هو مسألة دمج قوات قسد في الجيش السوري. من حيث المبدأ، هذه نقطة قابلة للنقاش ضمن أي مشروع وطني جامع، لكن السؤال الحقيقي هو: هل تقبل الادارة الجديدة في دمشق بجيش وطني يمثل الجميع، أم تريد فقط تفكيك القوة العسكرية التي حمت الإدارة الذاتية طوال عقد من الزمن؟.
 
الجواب واضح. ما تريده دمشق، في العمق، هو تجريد الإدارة من عنصر قوتها الأول، لتصبح تابعة بلا حماية. في المقابل، تطالب الإدارة بأن يكون أي اندماج مبنياً على قاعدة الشراكة، لا التبعية، وأن تكون هناك ضمانات بأن الجيش لن يتحول إلى أداة للقمع، بل مؤسسة وطنية حامية لكل السوريين، بما فيهم الكورد.
 
في تعليقها على مسألة "الانفصال"، ردّت إلهام أحمد بقوة على من يروّج لهذه التهمة، وقالت إن تلك الدعاية تُوجّه أيضاً إلى الدروز، رغم أن الحقيقة هي العكس. فالحوارات الجارية بين القوى المحلية في الجنوب السوري والإدارة الذاتية تؤكد أن السوريين في الأطراف يبحثون عن نماذج حكم تضمن كرامتهم وأمنهم، وليس الانفصال.
 
وهنا يظهر وجه الدولة الحقيقي: أي مشروع خارج مركز دمشق يُتهم بالتقسيم، حتى لو كان ذلك المشروع لا يخرج عن إطار السعي لنظام أكثر عدالة. فهل المشكلة في الفكرة، أم في من يحتكر السلطة؟.
 
حديث إلهام أحمد عن العلاقات مع تركيا، وتلقي المعلومات من القائد عبد الله أوجلان، يكشف عن براعة الإدارة الذاتية في إدارة التوازنات المعقدة. فهي تتواصل مع أنقرة رغم الاحتلال، وتنسق مع واشنطن رغم الضغوط، وتبني علاقات مع القوى الكوردية في الأجزاء الأخرى من كوردستان، دون الانجرار إلى صراع شامل.
 
وفي المقابل، تُذكّر دمشق بأن التمسك بخطاب العداء التام لكل من يخالفها لن يجلب لها إلا المزيد من العزلة، فالعالم لم يعد يعترف بشرعية القوة، بل بشرعية التمثيل الشعبي.
 
السؤال النهائي الذي يخرج من حديث إلهام أحمد هو: هل تصغي دمشق؟ هل تدرك أن الزمن تغيّر، وأن الشراكة مع القوى المحلية ضرورة وجودية، لا مجرد خيار سياسي؟.
 
ما تقوله السيدة إلهام هو عرض للحوار، لا إعلان قطيعة. وهو تحذير أخير من أن إقصاء الكورد والإدارة الذاتية سيعيد إنتاج أسباب الحرب، وربما بشكل أشد وأعمق. وإذا كانت دمشق ترى نفسها ممثلاً شرعياً لكل السوريين، فإن أول ما عليها فعله هو الاعتراف بمن هم على الأرض، لا بمن يدورون في فلكها فقط.
 
الإدارة الذاتية لا تطلب الكثير، فقط الاعتراف بها كشريك، لا كتابع. فهل تفعلها دمشق، أم تعود إلى نقطة الصفر مرة أخرى؟.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

كاوە أمين كولجين

"إدريس بارزاني كان سيصبح كيسنجر الكورد"

لفترة من الزمن، شغل صفحات المجلات والصحف، وذلك لأنه، كما كان يقول، شنّ حرباً على الفساد. ورغم أنه لم يكن المنتصر في تلك الحرب، إلا أنه دق ناقوس الخطر. وكما يقول، فقد أبلغ قادة هذا اقليم كوردستان قائلاً: "أسمع لحناً كريهاً، لحناً أكثر فتكاً من كل المخاطر الأخرى على بلدنا، وإذا لم تتم معالجته من جذوره، فسيتعين علينا جميعاً أن ندفع الثمن".