هناك خلط واضح ما بين اتفاقية رقم (42) لسنة (2013) الخاصة بعملية تنظيم الملاحة (العراق - الكويت) وما بين قرار مجلس الامن الدولي الذي بموجبه تم ترسيم الحدود رقم (833) لسنة (1993)، وهذا الخط جزء منه متعمد من قبل نواب وبعض الفواعل السياسية بالعراق من اجل تسويق تهمة الخيانة وعدم الولاء للوطن لأغراض رافعتهم الانتخابية، وجزء آخر لم يقرأ نصوص الاتفاقية وانما تبنى شعارات لأغراض التسقيط والانتقام، وبالتالي يتم تضليل الرأي العام بهتافات وخطابات حماسية ليس لها تأثير على بنود الاتفاقية، ومثلما قال نزار قباني "إذا خسرنا الحرب لا غرابة، لأننا ندخلها بكل ما يملك الشرقي من مواهب الخطابة، بالعنتريات التي ما قتلت ذبابة، لأننا ندخلها بمنطق الطبلة والربابة".
بالدستور العراقي لسنة 2005 هناك نص صريح واضح يتمثل بالمادة (61/ رابعاً) والتي نصت على "تنظم عملية المصادقة على المعاهدات والاتفاقيات الدولية بقانون يسن بأغلبية ثلثي اعضاء مجلس النواب"، وهنا يقصد بشرط توفر نصاب التصويت "بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب" الذي يتعلق بأصل القانون والذي تم تشريعه فيما بعد رقم (35) لسنة 2015، ولا يتعلق الأمر بالتصويت على قانون الاتفاقية الموقعة بين العراق والكويت رقم (42) لسنة 2013، الأمر الآخر اتفاقية خور عبدالله تم التوقيع عليها والتصويت عليها داخل مجلس النواب قبل تشريع قانون رقم (35) لسنة 2015، وهذا القانون مكون من (32) مادة، حيث اشارت المادة (17/ سابعاً) من هذا القانون الى "يخضع التزام جمهورية العراق بالمعاهدات المعقودة وفقاً لأحكام هذا القانون الى موافقة مجلس النواب على قانون التصديق على المعاهدة أو قانون الانضمام اليها بالأغلبية المطلقة لعدد أعضاء المجلس، عدا المعاهدات التالية التي يجب حصول الموافقة عليها بأغلبية الثلثين:
أولاً – معاهدات الحدود والمعاهدات التي تمس السيادة الاقلمية لجمهورية العراق .
ثانياً – معاهدات الصلح والسلام .
ثالثاً - معاهدات التحالف السياسية والأمنية والعسكرية .
رابعاً - معاهدات تأسيس المنظمات الاقليمية أو الانضمام اليها".
على الرغم من كل النصوص الواضحة بالدستور إلا ان الخلط مستمر من قبل النواب، ففي عام (2014) أي بعد التوقيع على الاتفاقية بسنة واحدة فيما يتعلق بالنصاب المطلوب للتصويت على الاتفاقية هل تتطلب اغلبية ثلثي أعضاء مجلس أم مثلما نصت المادة (59) من الدستور؟ جاء قرار المحكمة الاتحادية رقم (21/ لسنة 2014) والذي أوضح بشكل صريح الفرق بين تشريع قانون كيفية المصادقة على الاتفاقيات الدولية والذي يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب، وما بين قانون الاتفاقية والمعاهدة الذي يتطلب التصديق داخل مجلس النواب بالأغلبية البسيطة، وهذا القرار هو بات وملزم لكافة السلطات كما نصت المادة (94) من الدستور، ولكن الغريب والمستغرب أن المحكمة الاتحادية برئاسة جاسم العميري سنة 2023 بقرارها (105/ اتحادية/ وموحدتها 194 لسنة 2023 استخدمت المادة (45) من نظامها الداخلي رقم (1) لسنة 2022 والذي نص على "للمحكمة عند الضرورة وكلما اقتضت المصلحة الدستورية والعامة ، أن تعدل عن مبدأ سابق أقرته في احدى قراراتها، على أن لا يمس ذلك استقرار المراكز القانونية والحقوق المكتسبة"، كمبرر للعدول عن قرارها السابق، علماً أن العدول لا يعني تغيير قرار بات وملزم وانما "مبدأ قضائي" مع ذلك تم تسويقه على انه انتصار للوطن والمواطن، ومن غير المنطقي النظر لقرار المحكمة رقم (21) لسنة 2014 غير بات وملزم وقرار المحكمة رقم (105) لسنة 2023 هو البات والملزم.
قرار مجلس الامن الدولي رقم 833 لسنة 1993 الخاص بترسيم الحدود
الفرق بين قرار مجلس الدولي رقم (833) لسنة (1993) الذي اتخذه مجلس الأمن في جلسته (3224) المعقودة في (27 أيار 1993) الخاص بترسيم الحدود وما بين اتفاقية رقم (42) لسنة 2013 الخاصة بعملية تنظيم الملاحة، ومن هنا يجب ان نوضح الآتي:
ان مجلس الامن يؤكد على قراره 687 (1991) المؤرخ 3 نيسان 1991 وبوجه خاص الفقرات 2 الى 4 منه وقراراته 689 (1991) المؤرخ 9 نيسان 1991 و 773 (1992) المؤرخ 26 آب 1992 و806 (1993) المؤرخ 5 شباط 1993.
واذ يشير الى تقرير الامين العام المؤرخ 2 أيار 1991 المتعلق بإنشاء لجنة الامم المتحدة لتخطيط الحدود بين العراق والكويت (اللجنة) وإلى الرسائل المتبادلة عقب ذلك المؤرخة 6 و 13 أيار 1991 وقبول كل من البلدين الكويت والعراق للتقرير، وقد نظر في رسالة الامين العام المؤرخة 21 أيار 1993 الموجهة الى رئيس مجلس الامن والتي احال بها التقرير النهائي للجنة.
وإذ يشير القرار الى ان اللجنة وعن طريق عملية تخطيط الحدود لم تقم بإعادة توزيع الأراضي بين الكويت والعراق بل بمجرد انجاز المهمة التقنية الضرورية للقيام لأول مرة بوضع تحديد دقيق لإحداثيات الحدود الواردة في المحضر المتفق عليه بين دولة الكويت وجمهورية العراق، بشأن اعادة علاقات الصداقة والاعتراف والمسائل ذات الصلة، الموقع عليه من الطرفين في 4 تشرين الاول 1963 وان هذه المهمة انجزت في الظروف الخاصة التي تلت غزو العراق للكويت وعملاً بالقرار 687 (1991) وبتقرير الأمين العام عن تنفيذ احكام الفقرة 3 من ذلك القرار.
القرار يؤكد على العراق بالتزاماته بموجب القرار 687 (1991) وعلى الأخص الفقرة 2 منه وبموجب قرارات المجلس الأخرى ذات الصلة وبقبوله قرارات المجلس المتخذة عملاً بالفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يشكل الاساس لوقف اطلاق النار.
حيث يحيط علماً مع الموافقة بتعليمات الأمين العام الى بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في العراق والكويت للقيام بشكل نهائي بإعادة تخطيط المنطقة المجردة من السلاح وفقاً لكامل الحدود الدولية بين العراق والكويت التي خططتها اللجنة، ويرحب بما قرره الامين العام من اتخاذ الترتيبات اللازمة لصيانة التعيين المادي للحدود كما أوصت بذلك اللجنة في الفرع العاشر (ج) من تقريرها الى حين وضع ترتيبات تقنية اخرى بين العراق والكويت لهذا الغرض، فضلاً عن التصرف بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة:
يرحب برسالة الامين العام المؤرخة 21 ايار 1993 والموجهة الى رئيس المجلس وبتقرير اللجنة المؤرخ 20 ايار 1993 المرفق طيها.
يرحب ايضاً باختتام اعمال اللجنة بنجاح.
يعرب عن تقديره للجنة لما قامت به من عمل على الجزء البري من الحدود وكذلك في خور عبد الله أو القطاع البحري من الحدود ويرحب بقراراتها المتعلقة بتخطيط الحدود.
يؤكد من جديد ان قرارات اللجنة فيما يتعلق بتخطيط الحدود قرارات نهائية.
يطالب العراق والكويت باحترام حرمة الحدود الدولية كما خططتها اللجنة وباحترام الحق في المرور الملاحي وفقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الامن ذات الصلة.
يشدد ويؤكد من جديد على قراره بضمان حرمة الحدود الدولية المذكورة اعلاه التي اتمت اللجنة تخطيطها الآن بشكل نهائي والقيام حسب الاقتضاء باتخاذ جميع التدابير الضرورية لتحقيق هذه الغاية وفقاً لميثاق الامم المتحدة على نحو ما نصت عليه الفقرة 4 من القرار 687 (1991) والفقرة 4 من القرار 773 (1992 ).
اتفاقية خور عبدالله رقم (42) لسنة 2013 لتنظيم الملاحة
المشكلة تكمن في المعلومة الشفاهية التي يرددها بعض النواب وكثير من الفواعل السياسية والمحللين عبر القنوات الفضائية دون الاطلاع على مواد الاتفاقية، أي هناك من يتكلم برواية وعدد قليل يتكلم بدراية، إذ ان اتفاقية رقم (42) لسنة 2013 مكونة من (16) مادة لم أجد مادة واحدة تشير إلى عملية ترسيم الحدود، وانما هي لتنظيم الملاحة في خور عبد الله التميمي مثلما نصت المادة (1) من الاتفاقية "التعاون في تنظيم الملاحة البحرية والمحافظة على البيئة البحرية في الممر الملاحي في خور عبدالله بما يحقق مصلحة كلا الطرفين"، اما المادة (2) نصت على "لاغراض هذه الاتفاقية يقصد بالممر الملاحي هو الممر الموجود في نقطة التقاء القناة الملاحية في خور عبد الله بالحدود الدولية مابين النقطتين الحدوديتين البحريتين رقم (156) ورقم (157) باتجاه الجنوب إلى النقطة (162) من ثم الى بداية مدخل القناة الملاحية عند مدخل خور عبد الله"، والمادة (3) نصت على "عند ممارستها لحق المرور الملاحي، فالسفن التي تحمل جنسية احد الطرفين عند مرورها في البحر الاقليمي للطرف الاخر فانها لا ترفع اي علم اخر سوى علم جنسيتها، أما السفن الاجنبية فعند مرورها بالممر الملاحي فانها ترفع علم جنسيتها فقط"، بينما المادة (6) من قانون الاتفاقية ينص على: "لا تؤثر هذه الاتفاقية على الحدود بين الطرفين في خور عبد الله المقررة بموجب قرار مجلس الأمن رقم (833) لسنة 1993" اي ليس لها علاقة بترسيم الحدود مثلما يتحدث الكثير، اما المادة (15) نصت على "يودع الطرفان نسخة من الاتفاقية لدى الامانة العامة للامم المتحدة عملاً لنص المادة (102) من ميثاق الامم المتحدة، وترسل نسخة من هذه الاتفاقية الى المنظمة البحرية الدولية (IMO)"، بينما المادة (16) من القانون ذاته في الفقرة (2) تشير إلى: "تبقى هذه الاتفاقية سارية المفعول لمدة غير محددة، ويجوز لكل طرف انهائها بإشعار كتابي إلى الطرف الاخر أمده ستة أشهر وعلى ان يتم الانهاء بموافقة الطرفين"، أمّا المادة (14) من قانون الاتفاقية يشير إلى: "أي خلاف ينشأ بين الطرفين حول تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية يتم تسويته ودياً بينهما من خلال المشاورات وفي حال عدم توصلها إلى اتفاق بشأن هذا الخلاف فيتم إحالته إلى المحكمة الدولية لقانون البحار"، وهنا مواد الاتفاقية واضحة ولا تحتاج إلى تفسير بل تحتاج إلى اطلاع وقراءة لموادها ليس إلا، أمّا الحديث في وسائل الإعلام عن إعادة ترسيم ﴿تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى﴾، لأن أي قرار من قبل المحكمة الاتحادية أو الدولة العراقية ليس له تأثير على القرار الاممي رقم (833) ولا يمكن تغييره بقرار داخلي، لذا فإن استخدام سياسة استحمار الرأي العام بتوظيف معلومات غير دقيقة والهدف منها هو تحقيق نصر وكسب تأييد دولي لطرف على حساب طرف آخر، ضمن معادلة المسؤول العراقي في مواقع التواصل الاجتماعي هو المنقذ لشعبه عن طريق استرداد الحقوق.
الشعارات والهتافات والخطابات لا تغير شيئاً من قرارات مجلس الأمن التي تطبق على العراق تحت وصاية البند السابع، لا يمكن لأي مواطن عاقل راشد شريف مهني أن يفرط بشبر واحد من أرض وطنه، ولكن علينا أن نتحدث بواقعية وليس بشعبوية وتضليل الجمهور بمعلومات غير صحيحة، ومن يريد الغاء الاتفاقية يوجد فيها المادة (16/ثانياً) أشارات الى كيفية الإلغاء، ومن يريد أن يتعرض الى قرار مجلس الامن الدولي رقم (833) عليه الذهاب الى نييورك ويطلب من مجلس الأمن التعديل، ومن يريد تعديل الاتفاقية عليه التوجه لنص المادة (16/ ثالثاً) من الاتفاقية نصت على "يجوز التعديل على هذه الاتفاقية باتفاق الطرفين وتدخل التعديلات حيز التنفيذ وفقاً للاجراءات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً