حرب الـ 12 يوماً بين الرسائل والخسائر

25-06-2025
سيف السعدي
الكلمات الدالة ايران اسرائيل
A+ A-
الرقم (12) تكرر كثيراً في حرب ايران واسرائيل مما فتح باباً امام التحليلات والتكهنات بسبب تكرار هذا الرقم بين الصدفة والقصدية، حيث كانت البداية عندما اعطى رئيس الولايات المتحدة الاميركية مهلة لايران وهي شهرين، بدأت المفاوضات ضمن السقف الزمني المحدد في 2025/4/12 وانتهت في 2025/6/12 بعدها وجهت اسرائيل ضربتها داخل ايران حيث استمرت الحرب العابرة للجغرافية (12) يوماً، وكان الهجوم الاسرائيلي بعد منتصف اليل استمر (12) ساعة داخل الاراضي الايرانية عبر الطائرات وعملاء الموساد، حيث احتاجت إيران (12) ساعة من اجل امتصاص الصدمة والقيام بتوجيه ضربة لاسرائيل.
 
إعلان ترمب بالتوصل لاتفاق وقف اطلاق النار جاء ايضاً في الساعة (12) تقريباً بتوقيت دول الشرق الاوسط، فضلاً عن تصريح ترمب والذي يتمثل بـ "وقف إطلاق النار يدوم أولاً (12) ساعة ثم ستعتبر الحرب منتهية رسمياً"، فضلاً عن اطلاق ترمب تسمية "حرب 12 يوماً"، من هنا نستطيع ان نستنتج دلالات تكرار الرقم (12) بأن ترمب يحاول ان يسوق فكرة القوة والحسم والموقف بين ايران الدولة القوية والكبيرة، واسرائيل النووية المدعومة من قبل اميركا والترويكا الاوروبية، مع ذلك استطاع ايقاف هذه الحرب التي اشتركت فيها اميركا فعلياً، وهو من يضع شروط التفاوض بالزمان والمكان الذي يريده، اي هو من يصنع المشكلة وهو ذاته من يجد لها الحل، لأن ترمب رجل سمسار، واقتصاد، وعقارات، ويعمل على توظيف غريزة التاجر الناجح في السياسة، لأن الاخيرة ليست فقط فن الممكن، بل هي فن ما يراد له أن يكون، وعن طريق اساليب مختلفة تدخل فيها الحرب النفسية والدعائية ومواقع التواصل الاجتماعي طرف معزز لبلوغ الهدف المنشود.
 
ترمب الذي يحاول أن ينجح في عقد أي صفقة سريعة ودقيقة من التي وعد بها جمهوره اثناء حملته الانتخابية فيما يتعلق بالحرب "الروسية الاوكرانية"، "اسرائيل وغزة"، "الرسوم الكمركية"، "النفوذ الصيني"، "قناة بنما"، "الملف النووي الايراني" حيث لم ينجح في اغلب الملفات لذلك خلال حرب الـ (12) يوماً بين إيران وإسرائيل سعى الى توظيف جميع الوسائل الاعلامية والعسكرية والتي لها ابعاد استعراضية ورسائل ان يتوصل الى اتفاق مع ايران بخصوص ملفها النووي، ونجح نوعاً ما في تأخير البرنامج النووي الايراني لسنوات اخرى، بالمقابل سمح لنظامها السياسي الاستمرار لسنوات أخرى، وترمب هو من أمر اسرائيل بشكل غير معلن بتنفيذ الهجوم على إيران وكتب شروط الصفقة من البداية وحتى النهاية، واخذ دور الممثل الذي يبحث عن سلام، حتى طريقة تسويق الضربة الاميركية إعلامياً على انها لا تستهدف الجيش الايراني او المدنيين ولكن هي للقضاء على خطر يهدد العالم والذي يتمثل بامتلاك ايران سلاح نووي.
 
"ترمب وجائزة نوبل للسلام"
 
بعد ان نجح ترمب في ايقاف الحرب الهندية الباكستانية من ان تتوسع وهما دولتنا نوويتان والتي استمرت (4) ايام، ونجح ايضاً بوقف اطلاق النار بين إيران وإسرائيل وكل ذلك هو مقدمات للحصول على جائزة "نوبل للسلام"، ويمكن القول اذا نجح ترمب في ايجاد حل دبلوماسي لمسار الحرب الروسية الاوكرانية فضلاً عن حرب غزة وايجاد حل دائم للدولة والقضية الفلسطينية، لانه الوحيد من يستطيع اجبار نتنياهو على ذلك، ممكن يحصل على جائزة نوبل للسلام.
 
"الضربة الاميركية لايران استعراضية"
 
كانت الضربة الاميركية ذات طابع استعراضي حيث اقلعت (6) طائرات من قاعدة ويتمان في ولاية ميزوري وهي من نوع "B-2 Spirit" الشبحية واغلى طائرة عسكرية بالعالم يتجاوز سعر الواحدة ملياري دولار، وتوصف بالقاذفة الشبحية الأكثر رعباً، استغرقت حوالي (37) ساعة الطيران للوصول إلى ايران مع التزود بالوقود، والقت (6) قنابل من نوع (GBU-57)، والتي تستطيع اختراق التحصينات لمسافة (60) متراً تحت الارض، ولكل ما تقدم اراد ترمب ارسال رسائل عسكرية الى روسيا، والصين، وكوريا الشمالية على قدرة الولايات المتحدة الأميركية وردع لايران التي تتبجح بعدم قدرة احد على تدمير مفاعل فوردو بسبب وجوده على عمق كبير تحت جبل مرتفع.
 
بينما الضربة الايرانية لقاعدة العديد الاميركية في قطر كانت رمزية، وهي لتوجيه رسائل وليس لايقاع الخسائر، اما ما يتعلق بالبعد السياسي للضربة الاميركية يتعلق بشعار "اجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى (بالإنجليزية: Make America Great Again)  وتعرف اختصارا بـ"ماغا" (بالإنكليزية: MAGA) هو شعار سياسي للحملة التي استخدمت في السياسة الأميركية، لانه كان دائماً ما ينتقد الرئيس الاسبق جو بايدن بسبب وضع الولايات المتحدة الضعيف.
 
من انتصر بحرب الـ (12) ايران ام إسرائيل؟
 
ايران واسرائيل كل طرف متمسك بتحقيق الضربة الاخيرة لما لها من نصر رمزي، ومثلما يقال "للنصر ألف أب أما الهزيمة فيتيمة"، إيران احتفلت بالنصر على إسرائيل متمسكة بمعادلة الردع الصاروخي وتدمير النبى التحتية في حيفا، وبئر السبع، وتل ابيب، بينما إسرائيل هي الاخرى وعلى لسان نتنياهو اعلنت النصر متمسك بتحقيق جزء من اهداف الحرب مثل تدمير المنشآت النووية الايرانية، وطبيعي جداً كل طرف يقول انا من انتصرت لان طبيعة هذه الحرب فيها زوايا ولكن جهة رؤيتها، لاننا لا نتحدث عن استسلام طرف او احتلال عاصمة، او القاء قنبلة نووية، لذلك الباب مفتوح امام اعلام النصر، حيث إيران ركزت على "المقاومة والدفاع والمظلومية"، وإسرائيل استخدمت "الردع والصدمة والصورة والمباغتة بما يتلاءم مع مفهوم الجيل الخامس من الحروب"، أما الولايات المتحدة الاميركية فانها اختارت خطاباً مزدوجاً بين التهدئة والتهديد بالقوة.
 
ولعل أبرز عبرة ستراتيجية هنا هي أن المعركة الحقيقية ليست على الخرائط، بل في العقول والمختبرات والنيات السياسية، وكلما ازداد الضغط العسكري، انتقلت إيران من منطق التفاوض إلى منطق "الصمت النووي"، ويرجح من ضمن الخيارات أن تنسحب إيران من المفاوضات الدولية، وتغلف برنامجها بالغموض، وهذا قد يعد مؤشراً على أن طهران قد تذهب في مسار آخر غير التفاوض.
 
إن القول بانتهاء البرنامج النووي الإيراني ليس سوى إعلان رغبة سياسية، لا حقيقة ستراتيجية، فالأغلب أن البرنامج لم يُستأصل، بل توقف مؤقتاً، أو أُجبر على تغيير شكله لا أكثر، ويمكن ان نقول ايران اخفقت في حماية منشآتها النووية ولكنها كسبت استمرار نظامها السياسي لفترة اخرى.
 
ماذا بعد حرب الـ (12) وما هو السناريو القادم؟
 
نتنياهو لا يستطيع التوقف عن دوره في اشعال الحرائق في هذه الدولة وتلك لانه رجل ازمات وسيخسر بدونها، لذلك سيصعد في لبنان، وغزة، والضفة الغربية، ومصر، ومع تركيا وحتى العراق، لانه يتحدث عن تغيير الشرق الاوسط او ما يعرف بمعادلة الشرق الاوسط الجديد وفق الرؤية الاسرائيلية الاميركية، وما يتعلق بدول الطوق المحيطة باسرائيل وكيفية تفكيكها وجعلها دويلات متحاربة متصارعة مذهبياً، قومياً، عقائدياً، فضلاً عن تغيير مفاهيم ومصلحات ما يتعلق بالعداء لإسرائيل، لذلك نتنياهو يريد ان يكون هو شرطي الشرق الاوسط الجديد بدعم من اميركا ودول الترويكا الاوروبية مع انحسار وانكسار معادلة ايران واذرعها التي تستخدم ستراتيجية الدفاع المتقدم.
 
السيناريو القادم وحسب صحفي مقرب من مكتب نتنياهو عندما طرح عليه سؤالاً: "بتدمير المنشآت النووية الايرانية، والقضاء على القوة الصاروخية، وتغيير النظام، هل زال الخطر الوجودي لإسرائيل؟"، اجاب "لا مازالت تركيا"، وهنا اسرائيل تريد تحطيم معادلة الايديولوجيات "تركيا، مصر، والاردن"، لذلك اعتبر زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" اليميني المتطرف أفيغدور ليبرمان أن وقف إطلاق النار مع ايران دون اتفاق واضح "سيقود إلى حرب أخرى خلال عامين أو 3 أعوام وفي ظروف أسوأ بكثير".
 
العاقل من أحسن التسديد، فقام بواجب الوقت في وقته، وعاش كلَّ زمان في زمانه. والأحمق من اتَّخذ الماضي ذخيرةً لتدمير المستقبل، واستعرض عضلاته في معارك في غير وقتها، بينما العدوُّ الغادر يشحذ سكينه لذبحه بعد ذبح جاره.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

كتاب الميزان

من بغداد إلى أربيل.. التوترات المستمرة وتداعياتها على استقرار إقليم كوردستان

رغم التوترات المستمرة في العلاقة بين بغداد وأربيل، والتي تصاعدت بعد استفتاء إقليم كوردستان في 25 ايلول من عام 2017، لايزال الإقليم يُظهر قدرة واضحة على الصمود والحفاظ على استقراره الداخلي. وتشمل هذه التوترات ملفات حساسة مثل تقاسم الإيرادات، وتوزيع الموازنة العامة، وملف المناطق المتنازع عليها، إلى جانب الخلافات المتعلقة بتصدير النفط.