في عصر السرعة والأفتراض مثلت شبكات التواصل الأجتماعي ثورة في عالم التكنولوجيا والأتصال ، ووسط عالم يعجّ بالتغايرات كان التواصل والأنفتاح وتبادل الثقافات في أنحاء المعمورة ، وبناء مجتمع عالمي يحوي كل الثقافات والأختلافات الفكرية والدينية والأجتماعية وحتى السياسية في عالم أفتراضي يختزل المسافات ويجمع الكلّ تحت مظلّة الرابطة الأنسانية هي غايات العقل المدبّر لهذه الشبكات الأجتماعية .
وقد فاقت سرعة أنتشار فيس بوك وأخواتها من مواقع التواصل المختلفة سرعة العصر الذي ولدت من رحمه تلك الشبكات الأجتماعية، فأجتازت كلّ الحدود وخلقت عالم بل عوالم جديدة داخل ذلك الجهاز الصغير، وتحوّلت من وسائل للتواصل الى وسائل أتصال ونشر وأنتشار وعلم وعمل وتسويق وأدارة وتبادل معلومات، فأحتلّت ببساطتها حيزا في كل تفصيل من تفاصيل الواقع المتّصف بالتعقيد ...
في الحب والعشق هي وسائل تواصل بأمتياز ، أمّا في السياسة فعلى عكس المبدأ تنقلب هذه المواقع الى سيف قاطع تُبطَش به كل خيوط الوصل ، فتضحى وسائل للتنازع والتعنيف والكسر والتهميش وبثّ الفرقة وتغذية نعرات العنصرية الأجتماعية والطائفية ، وأداة للتعدّي وشجب الآراء والأختلاف .
واليوم تزامنا مع ما نعيشه من مشكلات سياسية أصبح لفيس بوك وتويتر حكاية أخرى ، ففي ظل الأزمة التي أحدثها أستفتاء أنفصال أقليم كوردستان عن العراق مؤخرا في الوسطين السياسي - الأعلامي في كوردستان والعراق بشكل كامل ، وفي سياق ردود الفعل تحوّلت تلك المنصات التواصلية الى مواقع لمعارك ألكترونية شرسة مابين المجاميع الطائفية الدينية والقومية المختلفة في البلاد من خلال مدونات ومنشورات ومحادثات حادّة تهدي الأنتصار في تلك المواجهات للأرذل ، بحيث أصبحت تلك المواقع منصة للسفاهات ومسرحا لعرض صور التناحر و الأنحلال القيمي والفشل الديمقراطي الذي يهتّك نسيج المجتمع العراقي في زمن الحريات.
عبارات قدّح ، وذمّ ، وسبّ ، وشتائم من تحت الحزام تنسج مشهدا عراقيا مخجلا تبرز فيه وضاعة عابرة للقارات على تلك الشبكات الأجتماعية ، وتثبت حقيقة الفوضى والتعنّت الفكري و التنافر الأجتماعي الذي تعيشه شرائح ومجاميع المجتمع العراقي تحت سقف واحد .
فعوضا عن التعلم من الماضي و التفكر حول مستقبل أفضل وأستغلال هذه المنصات في تقريب وجهات النظر، وبدلا من التعقّل والبحث عن بدائل مفيدة قادرة على رأب الصدع الأجتماعي وأعادة جمع ما باعدت بينه السياسات ، أستخدمت هذه الشبكات في خلق أزمة أجتماعية تسكب الزيت على النار بإشعال حربا إلكترونية ضروس جمعت في ميدانها الموالي مع المعارض والعالم مع الجاهل والكبير مع الصغير في معارك قذرة تتعدّى في كل جولة من جولاتها على قدسية الأختلاف وتطعن مجددا قيم التسامح ألضامنة للسكينة في حضرة التعدد ، ففي العراق لم تبذل المحاولات لأنقاذ روح السماحة والتعايش والسلام وقبول الرأي الآخر حتى في عالم أفتراضي .
أفلن نرتقي...؟
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً