السياسة والحياة

23-09-2021
محمد صالح البدراني
A+ A-

السياسة باختصار هي إدارة وتسمى بالشأن الذي تعالجه، وهنالك جدل أكاديمي هل الادارة العامة مثلا فرع من السياسة ام السياسة فرع من الادارة، هذه التجزئة هي محاولة فصل الشيء عن ذاته فالسياسة والادارة تسميات لمهام قيادية من مهام المنظومة العقلية الآدمية تقوم بمعالجة الاولويات والمعطيات فهي ادارة بمفهومها، وما تتشعب اليه هي مصطلحات للمهام او الاختصاص.

نستخلص من هذا ان السياسة مصطلحا مدنيا له بعد حضاري في قيمنا، لكنه يفهم عند الناس بمعناه القديم كتصريح للسلطة او احزاب او تكتلات او تيارات أي من هذه التسميات، لكن بمعناه الحديث مصطلح يحوي ادارة المصالح في الداخل والخارج لدولة ذات كيان، وان الاحزاب وغيرها من التنظيمات السياسية مهمتها اعداد المحتوى للمصالح (رؤى، برامج، خطط، كوادر مدربة على القيادة والسيطرة....) وهو امر لا يحصل في واقعنا ليكون صراعا صفريا في القدرة على التسفيه والتسقيط.

ركيزتان مهمتان:

السياسة لها ركائز مهمة لنجاحها دون التحول الى نزاعات، لان النزاعات والحروب هي اخفاق في ادارة المصالح سلميا وتبني ادارة الحرب لاستحصالها، وهي باب آخر من وسائل تحقيق المصالح، ومن ركائز السياسة كمثل ان الحوار لا يتوقف، والمصداقية رصيد السياسي، اما ما يقال بان السياسة قذرة، فهذا لقذارة الاساليب وهنا تنتقل من حالة ادارة المصالح بالحوار والمنطق الى ادارتها بوسائل تجعل الانسانية متدنية وتفقد المصداقية ويصبح الحوار نوعا من المراوغة ولا يصل غالبا الا بما يبرر للعاجز غلبة منافسه.

السياسة ستراتيجية وتكتيك:

لا يوجد مواقف ثابتة في السياسة الدولية، فالأمور تتبع تقاطع المصالح ونوعية التحالفات ومكانها في التخطيط ان كانت ضمن التحالفات الستراتيجية او التكتيك الذي يقع ضمن هذه التحالفات وغالبا تبنى التحالفات الرئيسة على عوامل داخلية ومصالح دائميه يحددها النظام الفاعل في البلد وطريقة ادارته، فمثلا يرى معظم المراقبين ان التحالفات الستراتيجية تقوم مع طرف في المنطقة قد تتضارب مصالحه مع الاطراف المحيطة، ولكن ضمن التكتيك (تنفيد الستراتيجية) تنشأ علاقات مع المحيط بغرض حماية المصالح الستراتيجية وتقليل المخاطر الى تصفيرها، وازالة خطر الدول المحيطة لا يعني انضمامها للتحالف الستراتيجي او اهتمام بمشاريعها وانما الاهتمام على قدر ازالة ما يمكن ان تشكله من خطورة وانتهى الامر بإزالته.

السياسة والحياة

الانسان يسوس اموره، وسياسة الخيل تعني ترويض الخيل ورعايتها، ورعاية مصالح الامة سياسة من موضع الاجير لا السيد يراعي بسلوكه مصلحة الناس واحفادهم فبالتالي هو ليس حراً في قرارات جديدة او ان التخويل الممنوح له مطلق في أي موضع كان، او انه من اجل الوصول للسلطة يعطل مصالح الامة التي يقوم بها منافسه على وجه اكمل بل ينبغي التعاون من اجلها، فاتخاذ القرارات كالحروب لا تعتمد بتخويل انتخابي، وانما يجب ان يعاد التصويت عليها، وحدث هذا على حياة الرسول ص عدة مرات، منها في معركة بدر عدة مواقف، لان الانصار لم تشمل بيعتهم خارج المدينة وكذلك المشورة في موضع الجيش في ساحة المعركة، وقرار الخروج في معركة احد، والبيعة تحت الشجرة لان الناس لم تك خارجة لحرب، فالقرارات التي تؤخذ بتخويل معرّف وليس مطلقا وينبغي ان تفسح مجال لخيارات التغيير امام الاجيال اللاحقة، وهو ما ذكر موسعا في مقال (نظرية السياسة المستدامة)(( ))؛ بيد ان السلوك العام لا يراعي هذه المسالة غالبا فتتوارث الامم العداء حتى تنسى كيف بدأ ولماذا وانما انطباعات يستند اليها في استخدام القوة على الامم الضعيفة لتحقيق اهدافا قد تمحق غايات انسانية تدر على جيل لاحق الاستقرار.

السياسة اذن وسيلة عقلية وعمل منظومة لإدارة المصالح دون ظلم أحد او خلق اعداء، فهي تنافس لا تثلم اسسه المجاملة، لان من الممكن في امر يقبل المساومة، اما المجاملة فهي علاقات عامة لا تقطع امرا في حقوق، بل السياسة تخطيط محكم للوصول الى الاهداف وجذب التأييد لها في الداخل او الخارج، والسياسة ادارة المصالح بالتحالفات الستراتيجية مع من يعتبر رافعة للأهداف والتعامل من خلال التكتيك ضمن هذه التحالفات لتحقيق الغايات المشتركة للحلفاء، ولا يوجد امر مثالي على طول الخط، لكن الامور عادة تحدث بها عملية توازن وهذا الامر مهم في خلق سياسة مستدامة.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

كوردستان المزوري

رصاصة في أربيل وطلقات الفتنة أخطر من الدم

من يحاول القفز فوق القانون وتحويل القضية إلى معركة قومية، إنما يعلن بوضوح أنه لا يريد العدالة، بل يريد الفوضى. فالقانون وحده هو من يحمي الجميع من منطق الانتقام الذي لا ينتهي، والذي يحرق الأخضر واليابس.