مازن صاحب
في كلمة ألقاها خلال استضافته في معهد تشاتام هاوس في بريطانيا، أعتبر رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني، تطبيق نظام الكونفدرالية في العراق سيمنح المكونات قوة أكثر، ربما يكون ذلك وجهة نظر معتبرة من رئيس السلطة التنفيذية في الإقليم ولكنها تبقى بحاجة الى حوار معمق مع النخب العراقية للخروج بمصفوفة حلول تطبيقية قد تنتهي الى تعديل حتمي للنظام السياسي في الدستور العراقي النافذ او الذهاب الى اعلان دستوري، مقابل ذلك يمكن ان يؤدي هذا الحوار الممكن ادارته من خلال مجموعة من النخب والكفاءات الاكاديمية والمثقفة من جميع الأطراف تحت عنوان استراتيجية عراقية عليا لتوزيع الصلاحيات وتعميق النموذج الفيدرالي .
وقد طرحت فكرة مجلس "الحكماء" للحوار الوطني خلال اللقاء الأخير الذي جرى في أربيل مع السيد عبد الحكيم خسرو، مدير عام مكتب التنسيق والمتابعة وقدمت شرحا تفصيليا عن الجهود التي بذلت من قبل مركز حلول للدراسات المستقبلية لصياغة حوار وطني يعتمد كفاءة النخب الاكاديمية وما يمتلكون من معرفة علمية يمكن ان تأتي بتلك الحلول خارج نماذج الحوارات الحزبية التي تتوقف عند حافات حادة من الادلجة والمصالح الخاصة، فالخروج من حالة الانغلاق السياسي الحالية ومن بينها وليس ابرزها حالة العلاقة بين حكومة إقليم كوردستان والحكومة الاتحادية، لتجاوز الإخفاق المتوقع وتحليل الفرص والتحديات من خلال اعداد "أوراق بيضاء" تناقش تلك الحلول المنشودة بما يقلل من تلك التحديات ويزيد من فرضيات الفرص المغيبة عن ساحة النقاش الحزبي بين مختلف الأطراف .
وحينما يطرح السيد مسرور بارزاني الانتقال الى نموذج الحكم الكونفدرالي، فان الحاجة تكون اكثر الحاحا لمثل هذا الحوار الوطني في خطوة أولى بين النخب والكفاءات المثقفة لإعداد أوراق بيضاء تطرح كافة الآراء فيها، والعمل من خلال ورش عمل متعددة الأطراف لكشف أواصر الاتفاق في الآراء ونقاط الاختلاف فيها، والعمل على تأصيل نقاط الاتفاق اما بتعديل التشريعات او اعداد مسودة تشريع جديد، لذلك ينتظر ان تكون من مخرجات هذا الحوار الوطني، يتم صياغة استراتيجية إدارة دولة ((The Great Strategy)) تكون لها بموجب قانون يشرعه مجلس النواب بكونه ترجمة تطبيقية لمشتركات الدستور العراقي النافذ لعام 2005 بما في ذلك تعميق النظام الفيدرالي او الذهاب بقناعة جميع الأطراف الى النظام الكونفدرالي، وما يرد في ((الورقة البيضاء للحوار السيادي والتزامات الدولة الفاعلة في استراتيجية إدارة الدولة العليا)) التي ينتظر أن تكون الوليد الأول لأعمال مجلس الحكماء التي يمكن انتاجها من مجموعة ((أوراق وقائع العمل البيضاء)) حسب تطبيق كلّ حالة في النماذج التي يمكن اقتراحها حسب مناطق متعددة في كلّ انحاء العراق من أجل ردم فجوة الالتزام بتطبيق الاستراتيجيات الوطنية القطاعية والنوعية والتوصيف الوظيفي الموحد "تطبيقات الردع في مكافحة الفساد" وامكانيات تفعيل مخرجات مشتركة من تلك الأوراق البيضاء في الحوار الوطني بعد تقليل الاختلافات وتحييد المعضلات نحو التعديلات الدستورية لاستكمال النواقص الأساسية مثل مجلس الاتحاد وتحديد هوية الدولة ومفهوم المواطنة العراقية؛ لذلك يكون (النموذج الأولي) للحوار الوطني قائماً على عرض الآراء والأفكار والإجابات عن تساؤلات كبرى في الاتي:
أولاً: الأمن الوطني "خارجي وداخلي": معنى الحفاظ على المصالح الوطنية العليا، تعريف العدو، ردع الخصوم، مفهوم الخيانة العظمى، حصر السلاح بيد الدولة، قدرات الابتكار في تقنيات القرن الحادي والعشرين، صياغة قواعد مؤسساتية فاعلة لإدارة الأزمة على مستوى الدولة.
ثانياً: الأمن السياسي والعلاقات خارجية: تعزز الدبلوماسية وفن إدارة الاتصال الدولي، موازين القوى وفق نقاط القوة السياسية والاقتصادية ومصادر النفط والمياه المتنازع عليها على مستوى دول أو بالوكالة أو من خلال إدارة الحرب على الإرهاب الدولي.
ثالثاً: الأمن الاقتصادي: في "تطبيقات نظام السوق الاجتماعي" لتحقيق الازدهار والرفاهية في المساواة بين المنفعة الخاصة للمواطن/ الناخب والمنفعة العامة للدولة من خلال تخطيط عام عشري مثلاً "عراق 2030، 2040، 2050"، وآليات الالتزام بها في البرامج الانتخابية ثم البرامج الحكومية وتخصيصات الأموال في قانون الموازنة العامة وآليات مراقبة الأثر في جودة الأداء.
رابعاً: الأمن التربوي: وسائل تعزيز اللحمة الوطنية من خلال التربية العامة والعمل على تطابق سوق العمل مع النظام التعليمي.
خامساً: الأمن الاجتماعي: رعاية الأسرة والصحة العامة والسكن ومكافحة الفقر.
سادساً: الأمن السيبراني وتقنيات الاتصالات الدولية.
ويمكن إضافة أي نماذج أخرى قد تظهر من خلال تلك الأوراق البيضاء التي تجمع مخرجات تطبيق النماذج المقترحة، وصولاً إلى الصياغة النهائية التي تقدم إلى مجلس النواب المقبل لتشريعه كقانون تلتزم به جميع الأطراف من أصحاب المصلحة في بناء الدولة العراقية الفاعلة، لعلَّ أبرز مثال على ذلك نظام الحكم وآليات التزام الأحزاب المتصدية للسلطة لمثل هذا المشروع في حالة تشريعه على سبيل المثال لا الحصر.
سبق ان اشرت في بداية الورقة إلى أنَّ مركز حلول للدراسات المستقبلية، قد اتخذ الخطوة الأولى في مفاتحة جهات عراقية متعددة الأطراف لعلَّ وعسى تتحول الأفكار من مشروع إلى برنامج عمل فعلاً وقولاً، وهناك تفاصيل أخرى لم تذكر في هذه الورقة ومطروحة على الجهات التي تفاعلت إيجابياً مع هذا المشروع بما يحقق رؤية مستقبلية لـ"عراق واحد وطن الجميع" ... يبقى من القول لله في خلقه شؤون !!
* نائب رئيس مركز حلول للدراسات المستقبلية
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً