من الصعب المرور على حوادث انتهاك كرامة الانسان من الذي يحدث دوماً في السويد وحرق نسخ من القرآن الكريم، في التعليق على هذا الفعل المشين نوضح ثلاث نقاط أساسية.
أولاً:- المقدّس في الإسلام – والله أعلم -، ثلاثة:
1- ألله سبحانه و تعالى.
2- القرآن، بإعتباره كلام الله ووحيه الخاتم.
3- النبي، من النبوة، أي الجانب المصفى بأمر الله لتلقي الوحي الإلهي، فهي مرتبة أعلى من بشرية محمد بن عبدالله. أما غير هذه الثلاثة من التي لها طابع أرضي فمختلف لأن التعامل معها يكون تعاملاً مادياً على خلاف الثلاثة المذكورة التي طابعها معنوي "وجودي ديني".
وإنَّ من أحكام و أسس التعامل مع المقدس، أنه (يتعين إحترامه بإطلاق والإنحصار عن مساءلته أو مناقشته، أو الدخول معه في سجال.. فلا فسق ولا فجور ولا جدال، ولا تعدّ أو تطاول بالقول أو الفعل أو الإنفعال على المقدس) "1"، ومن هذا المنطلق ينظر الإسلام إلى المعتقد ولأفكار ليس داخل الدائرة الإسلامية فحسب، وإنما داخل الدائرة الإنسانية، من أهل الأديان الأخرى، كقضية متعلقة بإحترامه للإنسان، فمنع الإستهزاء والاستخفاف، واللهمز واللمز والسخرية كلها من المحرمات في الميزان الإسلامي، والتعزير لكل من يتجاوز على كرامة الإنسان بناء على الدين او المذهب أو الطائفة.
ثانياً:- لكن الغرب - الأوروبيين - على وجه الخصوص -، إخترق جدار إحترام المقدس تحت لافتة حريات التعبير، لحدّ إنتهاكه، والإستخفاف به، والإشكالية هنا ليست ممارسة حق حرية التعبير والنقد، وإنما عدم إستصحاب القيم التي توجب إحترام الآخرين، وتقضي بأن التعاطي معها - حرية التعبير - يجب أن يكون في نطاق إحترام حريات الآخرين، بمعنى عدم الفصل بين الحق في التعبير والقيم الإنسانية العامة التي تمسُّ جَميع مجالات الحياة، وتكون حاضرة فيها.
في السابق، لم تكن ممارسة حق التعبير عن الرأي بهذا الشكل الفجّ، في ممارسة متزامنة مع تخطي كل الحدود الأخلاقية، إلا نادراً، كانت باقية في إطار النقد العلمي المباشر، لكن دون الوصول إلى الإزدراء المتعمد، والإستخفاف إلى حدّ عدم الإكتراث بإشعال الحروب وزعزعة إستقرار مجتمع متنوع الثقافات والأديان، وتفكك الروابط عبر زرع بذور الكراهية بين أفراده كما يحدث في الوقت الراهن، وقد بلغ الإستخفاف توجيه الاهانات إلى رسول الله - عليه الصلاة و السلام - ، من الصحف المكتوبة إلى الرسوم الساخرة إلى الأفلام، في الدنمارك وهولندا وفرنسا، وحرق القرآن الكريم على مرأى من الناس ومسمع كما هو الان في السويد.
الخلاف بين المنظومتين الفكريتين والقِيَمِيَتَين، هو الكامن وراء الإختلاف في الموقف الإسلامي عن الموقف الغربي، فالغربيون يرون أن المحرم في التناول هو الأشخاص وليس الأديان و الأفكار، و بالتالي إن تناول كل شيء ديني مباح تحت عنوان حرية التعبير حتى لو آذى الاتباع جميعاً.
وكان للإعلام الدور الأبرز في نشر هذا النوع من الخطاب المدرَج في إطار ممارسة حرية الرأي والتعبير، خاصة الإعلام الألكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث السباب والشتائم والقذف بالباطل، ونشر كلمات التحقير والتصغير، وتوزيع الإهانات.
كما لعبت السياسة دورا كبيراً في بث هذه الروح التي تتجاوز على الآخر - الإسلامي - في الغرب، من أجل كسب معارك إنتخابية ودحر منافسين سياسيين على مستوى البلاد، حركات اليمين المتطرف في النمسا وهولندا وفرنسا، التي تتغذى على محاصرة المسلمين داخل المجتمعات، وتأتي في الإطار ذاته تصريحات رؤساء الولايات المتحدة الأميركية "دونالد ترمب" والفرنسي "إيمانويل ماكرون" عن المسلمين، بل التحرش بالإسلام ذاته كدين.
وهكذا شكلت السياسة وغاياتها، سببا مباشراً، في النفخ بنار التعصب الديني، (وخُرِقَ المُقًدَّس بقسوة وعنف، وتم ذلك على أيدي بقايا الاستشراق العرقي والأصولية الدينية المسيحية، والمسيحية المتهودة، وسياسيين متعصبين دينياً وسياسياً).
ثالثاً:- الآثار الاجتماعية التي تركها إنتهاك المقدس، والمقدس الإسلامي في المقدمة، هي ظاهرتان خطيرتان، وهما: نشر الكراهية، وتهديد السلم الاجتماعي.
أ- نشر الكراهية، لا يمكن لأحد يواجه موجات متتالية من الاهانات والسخرية، عبر جميع فنون التعبير ووسائله، و يبقى كاظماً للغيض لا مبالياً، عديم الإكتراث، الطبيعة البشرية في تلك الحالات تتحرك فيها المشاعر السلبية تجاه الآخر، وتبدأ بالكره وجمع الحقد والتربص، فالكراهية حالة نفسية دفينة، إثارتها تجعل العقل يتفاعل معها، ومن ثم تتحول إلى نوع من التواصل الاجتماعي السلبي، وعواقبها تكون وخيمة.
ب- تهديد السلم الاجتماعي، وهذه نتيجة مباشرة للكراهية التي تتولد من إزدراء الآخرين، وقد تبقى داخل التفاعل المجتمعي المشحون بالبغضاء، وقد تنفجر وتتحول إلى مشكلة أمنية، تزهق الأرواح، خاصة عند توظيفها وإمتزاجها بغايات سياسية وإثنية ودينية متعصبة، والسبب هو أن ردود فعل المستهدَفين تجاه خطاب الازدراء و الكراهية ليست كلها منضبطة وعلى صورة واحدة، فالنفوس في تلقيها الإهانات أو الشعور بالإحتقار، ليست متشابهة، يكفي ردّ فعل سلبي غاضب من شخص واحد بالتسبب في نشر العنف في البلاد كلها والقضاء على السلم، كما حدث من هجمات على "شارلي إيبدو" في فرنسا، أو مقتل المخرج الهولندي ثيو فان غوغ.
وأوضح ما جَسَّد هذه المخاطر على الأرض، هو ما حصل في الهند بحق المسلمين من السكان الأصليين، "في -1-6-2022- وجه نافين كومار جندال" المتحدث باسم الحزب الهندي الحاكم "بهارتا جاناتا" وصفاً مهيناً وبيثاً إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أعقبته هجمات "بالبلدوزر" على منازل العائلات المسلمة و محلاتهم التجارية ووصف البرلماني الهندي المسلم ظفر الإسلام خان الدمقراطية الهندية بـ "ديمقراطية البلدوزر".
إدراكاً لكل هذه المخاطر وحمايةً للمجتمع الواحد من التفكك، جاء المنعُ -الديني - الإسلامي وضبطُه للحرية في الرأي والتعبير وتهذيبها، فهي قضية تربوية قبل كونها قانونية.
(1) فهمي جدعان، تحرير الإسلام، مصدر سابق، ص 294. وقد لخص تلخيصاُ مفيداً قصة الرسوم و الأفلام المسيئة للإسلام و رسوله – عليه الصلاة والسلام – أنظر ص 295.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً