من السابق لأوانه وصف مشروع او ورقة التسوية الوطنية (بالتاريخية) لانها ما زالت مجرد افكار ونقاط معروضة للتفاهم والمناقشة وقابلة للتعديل والتغيير من بقية الاطراف والمكونات بعد ان أشبعها التحالف الوطني (الشيعي) بحثا ونقاشا واعلنها السيد عمار الحكيم باعتباره رئيسا للكتلة الاكبر، لذلك فان وصفنا لهذ المشروع بالحكيم فانه ينصرف للشخص الذي اعلنها وليس الى تفاصيلها وبنودها والتي لا يمكن الحكم على تاريخيتها او حكمتها الا بعد ان تدخل حيز التنفيذ ونرى نتائجها المتحققة على ارض الواقع والتطبيق.
لكن من المهم بيان التعريف اللغوي والاصطلاحي لكلمة التَسوية لغة (اسم) وجمعها ( تسويات) وهي مصدر (سوَّى) وحلّ، وتعريفها ( اتّفاق وَسَط وسَعَى إِلى تَسْوِيَةِ الخِلاَفِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكِهِ لاِيجَادُ حَلٍّ واِتِّفَاقٌ لِإِنْهَاءِ الخِلاَفِ بالتَّراضي)، وتسوية النّزاع سلميّا هي (مُجمل الوسائل السياسيّة والقانونيّة المستخدمة لحلّ المشاكل دون اللجوء إلى القوّة).
لقد اعلنت العديد من مبادرات ومحاولات الحل بعد عام2003 واتخذت اسماء وعناوين مثل المصالحة الوطنية، وثيقة التعايش السلمي، وثيقة مكة، و مجالس العشائر والاسناد ، ومواثيق الشرف، مبادرات السلم الأهلي وغيرها الكثير سواء من قبل شخصيات او كيانات سياسية او دينية كبيرة وعديدة، حتى وصل الى الاتفاق على وثيقة مهمة اتخذت شكل قرار قانوني صدر بعنوان (قرار الاصلاح السياسي للمرحلة القادمة رقم 44 لسنة2008) والمنشور في الجريدة الرسمية (الوقائع العراقية) العدد(4102) في( 24/12/2008 ) ، والمكون من 8 ثمانية بنود يعتبر وثيقة قانونية مهمة الى جانب الدستور العراقي لعام 2005 لم ير النور على ارض الواقع، ولو توفرت النية الصادقة والارادة الحقيقية للتنفيذ فان العراق واهله لم يصلا الى ما وصلا اليه اليوم.
من الناحية النظرية وعلى الورق والتصريح لوسائل الاعلام، فان ورقة التسوية الوطنية فيها الكثير من الايجابيات والخير المُؤمل الذي لا يمكن حصاده بمجرد كلمات التمني والعبارات والتعابير المنمقة والمصفوفة بطريقة تُخفي ورائها الكثير الكثير من المعاني والخلافات التي لم يسلم او لم تستطع هذه الورقة ان تكسب رضى وموافقة اعضاء التحالف الوطني انفسهم، حيث توالت التصريحات والتفسيرات واللاءات التي اعلنها البعض من هنا وهناك لتشكل بمثابة الطعنات لهذا المشروع قبل ان يدخل مرحلة الولادة.
ان اهم ما للمشروع او التسوية هو(التسوية الشاملة وليس التنازل أحادي الجانب)و(مبدأ اللا غالب واللامغلوب) و (تصفير الأزمات بين الأطراف العراقية)و(رفض استخدام العنف كورقة سياسية بتحقيق التسويات السياسية)، وهي مبادئ واهداف مهمة وفاعلة يُؤمل من خلالها تحقيق (تسوية سياسية ومجتمعية وطنية تاريخية ترمي لعراق متعايش خالٍ من العنف والتبعية، وتنجز السلم الأهلي وتوفر البيئة المناسبة لبناء الدولة، وتشارك فيها كافة فئات المجتمع العراقي العرقية والدينية والمجتمعية بما فيها المرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني وتضع جميع الأطراف العراقية أمام التزامات متبادلة وضمانات ضمن سقوف زمنية محددة تلتزم بها الأطراف)، وهي ضرورية لـ(إنقاذ العراق، وأنها الخيار الاستراتيجي الأفضل لمجتمعنا ودولتنا، ليس فقط إنهاء الخلاف على قضايا الدولة بل تسعى لإعادة بناء الدولة لضمان استمرارها وتقويتها في وجه التحديات) .
الا ان ما يُسجل على هذا المشروع كثرة اللاءات التي تضمنها والتي لا تتوافق او تنسجم مع مقدمة وبنود المشروع ، فالتسوية"لا تشمل الخونة والمتآمرين والارهابيين الذين تلطخت ايديهم بدماء العراقيين، ولا عودة ولا حوار ولا تسويات مع حزب البعث أو داعش أو أي كيان إرهابي او تكفيري او عنصري ولا تشمل المطلوبين للقضاء، وتمثيل الاطراف العراقية يجب أن يخضع للقبول بالثوابت الواردة بهذه المبادرة"، علما انه لا يوجد اتفاق اوتعريف مقبول من جميع الاطراف للخونة والمتآمرين والارهابيين والتكفيريين والعنصريين والمطلوبين للقضاء والذي يمكن شمول اهل الارض جميعا بها!.
كما تضمن المشروع لاءات اخرى مثل (اللاأمن واللاعدالة واللامحاسبة واللااستقرار واللاتنمية والجريمة المنظمة والفساد والفوضى التي يعيشها العراق) مما يتوجب طرح سؤال بسيط: من يحكم العراق منذ ما يقارب 14 سنة واوصل الحال الى ماهو عليه الحال؟
أخيراً نتمنى على المهتمين بالتسوية ان لا يجعلوا منها باباً للصرف والنفقات التي صرح السيد الحكيم نفسه أن "مشاريع المصالحة السابقة دفع من اجلها مليارات الدولارات لكنها لم تنجح"، فهل سيحتاج العراق الى 14سنة قادمة ومليارات أخرى تُصرف من أجل تطبيق هذا المشروع الحكيم؟!.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً