توجد مقولة سائدة في الفقه الدستوري عن دور رأس السلطة التنفيذية في النظام البرلماني، ألا وهي: إذا كان (الملك يملك ولا يحكم) و(رئيس الوزراء يحكم ولا يملك)، فإن (رئيس الجمهورية لا يملك ولا يحكم).
هذا هو باختصار أدق وصف حول دور رئيس الجمهورية في النظام البرلماني، فهو دور رمزي، تشريفي، لا صلاحيات فعلية له، يقوم بممارسة سلطاته في تمثيل دولته في المحافل الدولية واستقبال الوفود والبعثات الدبلوماسية، المصادقة على القوانين.
وتوجد أمثلة على ذلك، منها ألمانيا وإيطاليا والهند والعراق، وما يهمنا هو دور رئيس الجمهورية في النظام البرلماني في الدول ذات النظام الجمهوري ومنها العراق على وجه التحديد.
فقد أتخذت الدولة العراقية هذا الشكل من النظام السياسي بديلاً عن النظام الرئاسي المتمثل - إبان حكم صدام حسين 1979-2003 - المستحوذ على كافة مقاليد السلطة في الدولة، التشريعية منها والتنفيذية والقضائية.
والسبب في اتخاذ النظام البرلماني بالشكل الحالي المتعارف عليه منذ 2003 في ظل الحكومة الانتقالية ولاحقاً الدائمة، هو رغبة الكتل السياسية آنذاك في توزيع السلطات بشكل لا تستأثر سلطة ما بكافة الصلاحيات دون أخرى ولدرء التعدي على صلاحيات سلطة أخرى، كي تقوم كل منها بدورها الرئيسي دون تداخل أو تجاوز من قبل الأخرى.
ويتوضح الدور الرمزي لرئيس الجمهورية في الدستور العراقي الدائم عام 2005 الذي حدد اختصاصاته مقابل الصلاحيات الواسعة لرئيس الحكومة.
والشيء نفسه يمكن ملاحظته في دول أخرى، على سبيل المثال، معروف للعالم أجمع من هي المستشارة الألمانية ويكاد يكون رئيس الجمهورية الألماني مجهولاً بالنسبة للبعض.
وكثيرا ما يُنتقد رئيس الجمهورية العراقي على أساس أنه لا يستجيب لمطالب الأمة الكوردستانية أو يتجاهل مشاكلها وهمومها ويتهم بالانحياز إلى المحيط العراقي بعيداً عن الخصوصية الكوردستانية.
ويتكرر انتقاد هذا "الموقف السلبي" لرئيس الجمهورية في كل مشكلة أو طارئ يتعلق بإقليم كوردستان أو يعتبر انتقاصاً لحقوقه.
في الحقيقة، تأتي الانتقادات وتوجيه التهم بسبب التقسيم الطائفي الحزبي للمناصب السيادية الثلاث، وكأنه وضع في ذلك المنصب كي يستجيب لهموم طائفته فحسب، وهيهات لو دافع عن حقوق طائفة أخرى، سينتقد انتقاداً لاذعاً وربما يتهم بالخيانة.
فيما هو، في الحقيقة، يتحرك في ظل صلاحياته الممنوحة له وفق الدستور، هذا الدستور الذي حصل على المصادقة في الاستفتاء العام بأصوات الغالبية الكوردستانية في محافظات إقليم كوردستان والمحافظات الأخرى مثل كركوك ونينوى في 15 تشرين الأول 2005.
في حين نرى في دول أخرى تدين بالنظام البرلماني، كألمانيا مثلاً، توجه انتقادات إلى الرؤساء الفدراليين الألمان بأفتقارهم إلى الحيادية السياسية الحزبية والتدخل في شؤون الحكومة، لأنه باعتقادهم يفترض بالرئيس الألماني أن يكون فوق (التحزبات السياسية) على سبيل المثال، تنحى الرئيس (ريتشارد فون فايسكر) عن منصبه في (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) حين أصبح رئيساً لجمهورية ألمانيا الفدرالية عام 1984، على أعتبار أنه يمثل كافة المواطنين الألمان وليس فقط مؤيدي حزبه.
ومع ذلك تبقى الأهمية السياسية للرئيس على أعتبارات أبعد من مجرد الصلاحيات الرمزية التي يقرها الدستور، إذ لقوة شخصية الرئيس دور في هذا المجال عن طريق تشكيل المناخ السياسي للأمة من خلال الخطابات والنشاطات العامة.
فهل يتوفر هذا في العراق الذي يدّعي الديمقراطية منذ 2003؟
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً