من جبال بارزان الشامخة، حيث لا تنحني القمم إلا للغيوم، خرجت مسيرة عائلة جعلت من النضال حياة ومن الحرية عقيدة. لم تبدأ حكاية البارزاني قبل ثمانية عقود فحسب، بل جذورها أعمق، تمتد إلى بدايات القرن العشرين، حين وقف الشيخ عبدالسلام البارزاني في وجه الدولة العثمانية والسلطات المركزية دفاعاً عن حقوق الكورد في الدين واللغة والإدارة الذاتية. كان قائداً صلباً، خطيباً مفوّهاً، ورمزاً للشجاعة، لم يساوم على الحق ولم يرضَ بالخضوع.
واجه الشيخ عبدالسلام الإعدامات والسجون، وعانى من مؤامرات الولاة والإقطاعيين الذين تحالفوا مع السلطة لقمع شعبه. وفي عام 1914، انتهت حياته على حبل المشنقة، لكنه ترك شرارة الثورة بقيت حية ومشتعلة في قلوب البارزانيين وكل الكورد، لتصبح بارزان منذ ذلك اليوم مرادفاً للكرامة والمقاومة.
وبعد سنوات، حمل الملا مصطفى البارزاني الراية، ليتحوّل إلى أسطورة في النضال المسلح والسياسي. عاش سنوات طويلة في الجبال، وقاد ثورة بارزان ضد الأنظمة العراقية المتعاقبة، وشارك في تأسيس جمهورية مهاباد عام 1946، حيث تولى وزارة الدفاع، قبل أن يعود إلى كوردستان لمواصلة الكفاح.
في العام نفسه، أسّس الملا مصطفى الحزب الديمقراطي الكوردستاني، كرد فعل على عقود من القمع وحرمان الكورد من أبسط حقوقهم، ولأنه رأى أن شعبه لا يمكن أن ينال الحرية إلا بتنظيم سياسي واعٍ، فقد جاء الحزب ليكون صوت الكورد الجامع. لقد تأسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني لسبب ظلم وطغيان الإقطاعيين الذين تحالفوا مع السلطة، فاستعبدوا الفلاحين وحرموا الناس من العدالة، كما جاء لمواجهة سياسات بغداد التي أنكرت هوية الكورد وحقوقهم.
وكأن القدر كتب سطراً استثنائياً عام 1946 ففي نفس العام الذي وُلد فيه الحزب، وُلد في قرية بارزان طفل سيكبر ليكون امتداداً حيّاً لمسيرة النضال: الرئيس مسعود البارزاني، لم يعرف الرئيس مسعود البارزاني طفولة عادية فقد نشأ بين البيشمركة، يسمع صدى المعارك ويرى تضحيات الرجال، ويتربى على مبادئ والده: الكرامة قبل الخبز، والحرية أغلى من الحياة. وعندما رحل القائد المؤسس الملا مصطفى، كان الرئيس مسعود البارزاني مستعداً ليحمل الراية، ليس بدافع طموح شخصي، بل كواجب وطني.
من جبال بارزان إلى قمة القيادة
قاد الرئيس مسعود البارزاني كوردستان في أصعب المراحل بعد انتفاضة 1991، أسّس مؤسسات الحكم الذاتي وسط حصار خانق وحدود مغلقة، فبنى الإدارة من الصفر رغم شح الموارد، و بعد 2003، كان من أبرز من صاغوا الدستور العراقي، وأدخلوا فيه الفيدرالية كحق دستوري للإقليم، خلال الحرب على داعش، تواجد في الخطوط الأمامية، يقود البيشمركة لمنع سقوط أربيل، ويؤمّن الحماية لملايين المدنيين من مختلف القوميات والأديان.
بصمات الرئيس مسعود بارزاني:
-رفض أي تنازل عن حقوق كوردستان رغم كل الضغوط.
-وحّد الصف الكوردي في لحظات الانقسام الحادة.
-أوصل قضية كوردستان إلى المحافل الدولية.
-جعل الإقليم نموذجاً للاستقرار وسط بحر من الفوضى.
إنجازات الحزب في عهد الرئيس مسعود بارزاني:
-الحفاظ على الأمن الداخلي للإقليم.
-جذب الاستثمارات وتحويل أربيل ودهوك إلى مراكز اقتصادية نشطة.
-تطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات.
-ترسيخ التجربة الديمقراطية وتوسيع المشاركة السياسية.
التحديات مستمرة
رغم هذا الإرث الكبير، يواجه الحزب تحديات خطيرة: حصار مالي، قطع وتأخير الرواتب كأداة ابتزاز سياسي، قصف بطائرات مسيرة يستهدف أمن الإقليم، ومحاولات متكررة لشق الصف الكوردي وزرع الفتن. لكن كما صمدت بارزان أمام الغزوات، يواصل الحزب بقيادة الرئيس مسعود الصمود أمام هذه الهجمات، وفي يوم ميلاده، لا يحتفل الرئيس مسعود بارزاني بعمره الشخصي، بل يجدد العهد على حماية كوردستان وشعبها، ويستحضر إرث الشيخ عبدالسلام والملا مصطفى. هذه المناسبة ليست مجرد تاريخ في روزنامة، بل رمز لولادة القائد مع ولادة الحزب، ومسيرة متواصلة من التضحيات والصمود.
رسالة من الشعب إلى القائد
"لقد وُلدت مع ولادة الأمل، وعشت حياتك تحمل همّ شعبك قبل همّك، وتضع كوردستان فوق نفسك. نحن أبناء الجبال والسهل والمدينة، نقف خلفك كما وقفت أنت أمامنا في أصعب الأيام. أنت لا تبحث عن منصب، بل عن حق، ولا تطلب ولاءً أعمى، بل وحدة صادقة. فدمت قائدًا يكتبه التاريخ بحروف من ذهب".
سيظل التاريخ يكتب أن ذكرى ميلاد الرئيس مسعود بارزاني وذكرى تأسيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني هما في الحقيقة ذكرى ولادة الأمل لشعب لا يقبل أن ينحني.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً