قلبي ينفطر على وطني العراق بالعديد من الأمراض الاجتماعية المؤسفة والتي نتجت عن استمرار تداعيات الغزو الامريكي لوطني الحبيب، ومنها ظاهرة رواج تجارة المخدرات بشكل متنامي يتهدد مستقبل المجتمع.
فبعد 2003 صار العراق معبرا لتجارة المخدرات نتيجة غياب القانون الرادع وتطبيقه ان وجد، مما حفز على دخول بعض العصابات و الافراد من أبناء المحافظات وبعض أبناء الحضر و القبائل في هذه التجارة المربحة، ومع تفاقم الصراع السياسي في بلادنا بعد عام 2010 ، تفاقمت ظاهرة المخدرات حتى احتل العراق المركز الأول في تعاطي وتجارة وزراعة المخدرات في بعض مناطق الوطن.
وفي ظل دخول جنسيات مختلفة للوطن واستغلال الفوضى الأمنية بسبب وجود التنظيمات الارهابية وعدم ضبط الحدود، فان المخدرات بأنواعها المتعددة تنتشر في أرجاء العراق ليس فقط عبر بوابة التهريب، ولكن أيضا عبر زراعتها ومن ثم توافرها بما يمثل ارهابا اجتماعيا جديد يوازي في خطورته تنظيم داعش الارهابي.
وأدى انشغال الدولة بمحاربة الارهاب وخوض المعارك لتحرير البلاد من الدواعش العام الجاري 2017 ، إلى تحول تجارة المخدرات إلى مصدر لتمويل الكثير من الفصائل المسلحة والميلشيات، حيث تتولى استيرادها وبيعها وزراعتها في العراق نظرا لما تدره من أرباحا طائلة يتم جنيها من المخدرات بأنواعها كالكريستال والحشيشة والهيرويين وان كانت نسبته أقل من غيره .
ظاهرة الكبسلة
يعاني الشباب العراقي من تنامي الإدمان على العقاقير المهلوسة أو ما يعرف محلياً بـ"الكبسله" المنتشر بشكل كبير في السنوات الأخيرة، تنتشر بالبصرة, مادة الكريستال المخدرة بشكل كبير في أوساط الشباب.
ومادة الكريستال هي أو "الشبو" هي نوع جديد وخطير جدا من المخدرات يلحق اضرارا بالغة وغير قابلة للعلاج بالأوعية الدموية والدماغ، ويعتبر من المخدرات باهظة الكلفة، وهي منقولة للعراق من دول شرق آسيا.
وتصنف المادة على أنها من المخدرات الصناعية المنشأ، لأنها تصنع بالكامل في معامل تصنيع المخدرات, بعد تهريب موادها الاولية، بغرض صناعتها محلياً، وقد سميت بالكريستال للشبه الكبير بين بلوراتها وزجاج السيارات المهشم.
وتنتشر المخدرات بالمناطق والمدن المحاذية للبصرة، وخاصة دول الجوار، حيث تهرّب بعض المواد المخدرة عن طريق محافظة السماوة، وصحرائها الشاسعة.
حقيقة مرة
ولا يمكن لأي مسئول عراقي ان ينفي الحقيقة المرة، بأن العراق غير مستهلكا للمخدرات فحسب، بل تحول لمعبر دولي لتجارته، وهو ما أكدته تقارير دولية ومنها تقرير لمكتب مكافحة المخدرات التابع للأمم المتحدة منشور على موقعها الالكتروني، ويؤكد فيه، أن هناك ممرين رئيسين نحو العراق، الذي تحول إلى مخزن تصدير تستخدمه مافيا المخدرات، مستفيدة من ثغرات واسعة في حدود مفتوحة وغير محروسة، فالعصابات الإيرانية والأفغانية تستخدم الممر الأول عبر الحدود الشرقية التي تربط العراق وإيران، أما مافيا تهريب المخدرات من منطقة وسط آسيا فتستخدم الممر الثاني الشمالي وصولا إلى أوروبا الشرقية إضافة إلى ذلك هناك الممرات البحرية الواقعة على الخليج العربي الذي يربط دول الخليج مع بعضها. وأضاف التقرير أن العراق لم يعد محطة ترانزيت للمخدرات فحسب، وإنما تحول إلى منطقة توزيع وتهريب.
ثغرة البطالة
ولعل تعطل الشباب عن العمل وازدياد نسب البطالة في صفوفهم، كان عاملا محفزا لتجار المخدرات لتسويق تجارتهم ونشرها بسهولة بين أيدي الشباب الذي يحاول الهروب من واقعه بالمخدرات سواء في الشمال او الوسط او مناطق جنوب العراق.
ورغم جهود الاجهزة الأمنية في اعتقال تجار المخدرات وضبط كميات كبيرة من الحبوب المخدرة المعروفة بالكريستال الذي يعد اخطر مخدر في العالم، فان هذه الجهود لم تفلح حتى الآن في تقليص ظاهرة المخدرات ، خاصة في ظل استمرار زراعة نبات الخشخاش الذي يستخرج منه الافيون.
مهام صعبة
والكارثة، أن هناك مافيا قوية من فصائل مسلحة تتولى عمليات تهريب وزراعة هذه المخدرات ويحققون من ورائها أرباحا بملايين الدولارات سنوياً ما يجعل مهام الأمن في مكافحتها أمرا بالغ الصعوبة.
ورغم السماوة تعد من أصغر محافظات العراق الا انها تعد معقلا رئيسا لتجار المخدرات الذين يتولون تهريبها من افغانستان عبر ايران، نتيجة الثغرات الامنية على الحدود، حيث يدخلها أطنانا من الحبوب المخدرة ومادة الحشيشة، ويتم توزيعه للاستهلاك المحلي بالمحافظات، ويجري تهريب الجزء الأكبر إلى دول الخليج، وخصوصاً السعودية عبر منفذ عرعر الحدودي.
وتصادف الأجهزة الأمنية صعوبات بالغة في القبض على هؤلاء التجار نظرا لارتباطهم بصلات عشائرية وعلاقات مع منفذين يحولون دون التعرض لهم .
كما تعد البصرة ممرا للمواد المخدرة ومنتجة لها في نفس الوقت حيث يتوافر بها صناع مخدر الكريستال مستغلّين ضعف الإجراءات الرقابيّة في بعض المنافذ الحدوديّة، بجانب توافر العديد من ممرات التهريب لتجار المخدرات من ايران والكويت مما جعل البصرة ممرا للمخدرات الواصلة الى الخليج.
وكشفت مفوضية حقوق الإنسان في مدينة البصرة في يوليو الماض ( 2017) عن تصدّر المدينة قائمة المدن العراقية، في نسب تعاطي وإدمان وترويج وبيع المخدرات. وقالت المفوضية، في بيان لها ان قضية المخدرات في البصرة تحتاج إلى تدخّل واسع من قبل شيوخ العشائر والوجهاء والجهات الصحية والتربوية في المدينة.
ولا يختلف الوضع في بغداد العاصمة عن باقي المحافظات، حيث تشهد رواج الحبوب المخدرة مثل "الاراكيل"، خاصة في منطقة وسط العاصمة ومنطقة البتاويين، حيث تنتشر الحدائق والمقاهي و الكافيتريات وينتشر الشباب أيضا.
بينما لم تفلح عمليات احكام القبضة الأمنية على هذه المناطق كثيرا في تقليص هذه التجارة، لأن اصحابها يشكلون عصابات تعرف بعلاقاتها مواعيد حملات المداهمة التي قد تقوم بها الأجهزة الامنية المختصة، وبالتالي تفشل جهود الضبط والملاحقة.
مخدرات حديثة
كشف مكتب مكافحة المخدرات في كربلاء عن انواع من الحبوب يتم تداولها بين الشباب في بعض مقاهي المحافظة تباع الواحدة منها بعشرة آلاف دينار عراقي اي ما يوازي ثمانية دولارات، وأن هذه الحبوب تتكون من نسبة كبيرة من الترياق المخلوط بالكاكاو ويكفي وضع حبة واحدة منها تحت اللسان لتفعل تأثير المخدر.
كما توجد انواعاً من الحبوب بهيئة ونكهة الشوكولاتة، مما يعكس الانتشار الواسع للمخدرات والابتكار في تصنيعها في هذه المحافظة، ناهيك عن توافر أقراص من الحبوب المخدرة لدى بائعي وبائعات الشاي يقومون ببيعها مع الشاي للمتعاطين في مركز مدينة كربلاء، مما يجعل من هذه المقاهي حلقة من حلقات ترويج الأفيون والحبوب المخدرة بينما تنتشر هذه الحبوب مدراس الأطفال المتوسطة والابتدائية بشكل مرعب بحسب ما يؤكده مسئولون عراقيون.
مخدرات وجرائم
هناك علاقة طردية بين تعاطي المخدرات وزيادة معدلات الجريمة في العراق، وهذا ما تؤكده التحقيقات القضائية التي يجريها القضاة مع من يلقى القبض عليهم من المتاجرين والمتعاطين للحبوب المخدرة، حيث أثبتت هذه التحقيقات ان المتاجرين والمتعاطين للمخدرات يرتبطون بالكثير من الجرائم التي تقع في البلاد مثل السطو المسلح والسرقة وأعمال السمسرة والقتل العمد والاغتصاب في بغداد ومدن الجنوب.
وعلى الصعيد العلمي، فان تعاطي المخدرات وخاصة الهيرويين والمورفين يحقق الادمان السريع، حيث تتسب حقنة واحدة من الهيرويين في الادمان الذي يؤدي الى ازدياد معدلات الجريمة.
وتشير تقارير وزارة الداخلية، إلى أن 60 % من تلك الجرائم ارتكبها متعاطون للمخدرات، وان الإدمان انتقل إلى الإناث ايضا، وتبلغ نسبة إدمان الإناث 5 %، بينما تصل بين الذكور إلى 95 %"، وذلك بفعل الحشيش والخشخاش والقنب والكوكايين والكريستال، فضلاً عن أدوية طبية أخرى أصبحت تحل محل المخدرات مثل الآرتين والفاليوم والمورفين، والتي تصرف من دون وصفات طبية من الصيدليات الوهمية.
حملات مناهضة
وأمام استفحال ظاهرة تعاطي المخدرات بين صفوف الشباب العراقي اليانع ، فان عددا من منظمات المجتمع المدني وبعض رجال الدين خاضوا حملات للتحذير من تعاطي السموم، ويطلق رجال الدين في المساجد صيحات التحذير المدوية للأباء لكي يحافظوا على أبنائهم من براثن المخدرات، ولكن هذه الجهود لا تؤتي ثمارا مرجوة.
كما تقيم المؤسسات الثقافية والدينية العديد من الملتقيات الثقافية للتوعية بأخطار المخدرات وادمانها ولتفعيل قانون مكافحة المخدرات، لكن كل هذه الجهود تبقي متفرقة ولم تنظم في اطار استراتيجية شاملة لمكافحة المخدرات.
وبينما تلاحق الاجهزة الامنية التجار والمتعاطين معا، فان الأجهزة الصحية لابد وان تتوسع في انشاء مصحات علاجية ناجزة للمدمنين لتقليل نسبة المدمنين من ناحية، ولكي ينقلوا تجاربهم لباقي الشباب بما ينفرهم من التعاطي ومن ثم تقل نسب الجرائم ويعود الامان والسلامة للمجتمع.
ورغم ظلامية الموقف من انتشار المخدرات بالعراق خاصة في المناطق المتاخمة للحدود مع ايران كالبصرة والسليمانية وغيرهما، فان السلطات العراقية اخيرا أصدرت قانونا حديثا لتجريم الاتجار بالمخدرات وتغليظ العقوبات بشأن بيعه وزراعته وتعاطيه.
هذا القانون الذي نشرته الجريدة الرسمية الوقائع وصار نافذ للعمل به من تاريخ 8 اغسطس 2017 ، جاء ليحل محل قانون المخدرات السابق رقم (٦٨) لسنة ١٩٦٥.
وتضمن القانون الجديد قواعد واحكام جديدة لم تكن موجودة في قانون المخدرات السابق وخاصة بعض احكاماً المعاهدات الدولية ذات العلاقة بالمخدرات والمؤثرات العقلية وللانتشار غير المشروع للمخدرات ولقمع العصابات التي تتولى المتاجرة بالمخدرات.
ومن هنا بات من الضروري التوعية بالعقوبات الشديدة الواردة بهذا القانون الجديد عبر حملات اعلامية وتثقيفية بالنوادي والمدارس والجامعات والمساجد والحسينيات والمحافل الاجتماعية والثقافية للتحذير من مخاطر المخدرات.
ولابد ان يواكب هذا الجهد التوعوي جهدا رقابيا وأمنيا على الاسواق والمقاهي لحماية الناس من التعاطي.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً