سيامند حاجو
اليوم يمرّ ثمانية وثمانون عاماً على صدور مجلة هاوار، نُشر أول عدد من مجلة هاوار الكوردية بتاريخ 15 أيار/ مايو 1932، في دمشق، ونُشر آخرعدد برقم 57 من مجلة هاوار بتاريخ 18 آب / أغسطس 1943. وكُتبَ ونُشرَ وطُبعَ الكثير عن هاوار والمواد التي نشرتها وكذلك الكُتّاب والمحررين وفريق العمل.
أودّ اليوم في هذا المقال الذي أنشره، تسليط الضوء على تعامل السلطات الفرنسية في سوريا مع مجلة هاوار، وتأثيره على المحتوى الذي أنجزته وأنتجته المجلة الكوردية. بحسب وثيقة موجودة في الأرشيف الفرنسي في مدينة نانت في المجلد (S-L-Beyrouth 1055)، قبل صدور مجلة هاوار، نشرت جمعية خويبون عام 1932، بياناً وضّحت فيه أهمية المجلات والكتب والمنشورات والمطبوعات للأمم، وورد في البيان أنّ "دور وأحد مهام المجلّات هو إيصال صوت ومطالب الأمة إلى الرأي العام، وأن المجلّات بإمكانها أن تصبح عاملاً لتوحيد الأمّة".
كما واشتكت خويبون في بيانها من منع نحو ثلاثين مجلة وصحيفة كوردية بأعذار وحجج مختلفة، وأضافت خويبون "على الرغم من أنّ عدد الكورد يزيد عن تسعة ملايين، فللكورد مجلّة وحيدة تصدر مرّة واحدة كل شهر في بغداد واسمها زار كورمانجي".
وورد في البيان أنّ "سبب عدم صدور أيّة مجلات أو صحف كوردية في تركيا، لا يعود إلى عدم وجود الإمكانيات لدى الكورد على إصدار المجلات والصحف، إنّما يعود السبب الحقيقي إلى منع السلطات التركية للّغة الكوردية، وعلى خلاف تركيا، يحظى الكورد في في كلّ من سوريا والعراق وإيران بالحقوق المدنية والإنسانية.
في سوريا يحق للكورد التحدث والكتابة بالكوردية، وعليه كان لهم الحق في إصدار مجلة كوردستان، ويجب على الكورد معرفة كيفية الإستفادة من هذه الحريات والعمل على تنمية الشعور القومي، فهذا واجب إنساني ووطني. ولهذا السبب قرّرنا إصدار مجلة كوردية في سوريا، وستصدر هذه المجلة باسم كوردستان، والتي سبق لها وأن صدرت في مصر".
وأضافت خويبون "من أجل تحقيق الكورد لهدفهم، يُطلب من جميع المواطنين الكوردحول العالم تقديم الدعم المادي، ليتم به إصدار هذه المجلّة".
يبدو جلياً في هذا البيان أولاً: بأن المجلّة التي ستصدر ستحمل اسم "كوردستان"، وثانياً: ستكون مجلة سياسية. ولكن نعلم جميعاً بأنّ المجلة لم تصدر باسم "كوردستان"، إنما صدرت باسم "هاوار"، وأنّ المجلة أصدرت مواداً ثقافية واجتماعية، ولم تُصدر أية محتوىً سياسي.
ويتبيّن من الأرشيف الفرنسي في مدينة نانت أنّ ذلك تمّ تحت ضغط السلطات الفرنسية حينها، ففي أحد الرسائل المؤرخة بتاريخ 15 تموز/ يوليو 1932، والتي صاغها هيلو، الوكيل العام للمندوب السامي الفرنسي، ووجّهها إلى مجلس وزارة العلاقات الخارجية الفرنسية، والموجودة أيضاً في الأرشيف الفرنسي في مدينة نانت تحمل الرقم (1932, S-L: C.P. 571).
وَرد في الرسالة بأنّ كاموران بدرخان وحاجو آغا زارا المندوب السامي الفرنسي في بيروت، وقدّموا له عريضة ورد فيها عددٌ من المطالب الأساسية، لكن المندوب السامي الفرنسي أبلغ كاموران بدرخان وحاجو آغا بوجوب تخفيض سقف مطالبهم، وأنّ السطات الفرنسية لن تسمح بالإخلال بأمن المنطقة، كما وسمح المندوب السامي الفرنسي لهم بالعمل في المجال الثقافي والإجتماعي من أجل تحقيق الإنماء الفكري لشعبهم، ويبدو هنا بأنّ السلطات الفرنسية سمحت لهم بإصدار مجلّة كوردية.
وفي رسالة منفصلة مؤرخة بـ 25 تموز/ يوليو 1933، صادرة عن ممثل المندوب السامي الفرنسي، وموجّهة إلى ممثل المندوب السامي الفرنسي في الحكومة السورية في دمشق، والموجودة في الأرشيف الفرنسي في مدينة نانت في المجلد (S-L: Beyrouth 1055)، ورد أنّ "المندوبية السامية الفرنسية تقدّم دعماً مالياً شهريا يبلغ 3000 فرنك فرنسي لمجلة هاورا منذ عام 1932، وأنّ جزءاً من هذا الدعم مخصّص لتغطية مصاريف إرسال النسخ إلى المشتركين، وأنّ إرسال النسخ يُشرف عليه الكومندار مونتاني، والذي يحصل على أسماء وعناوين المشتركين من المجلة".
وورد أيضاً وبشكل واضح، بأنّ الدعم المالي سيتوقّف وسيتم منعها فوراً، إذا لم تلتزم المجلّة بالمحتوى الثقافي وصدر عنها أية محتوىً سياسي، ومن أجل تحقيق ذلك يتوجّب على جلادت بدرخان تقديم نسخة مترجمة إلى الفرنسية عن محتوى جميع المواد إلى السلطات الفرنسية.
يتبين من ذلك بأن السلطات الفرنسية كانت تراقب عمل المجلّة عن كثب، وتتطّلع على أسماء المشاركين وعنوانيهم، وهذا يُثبت مجدداً بأن السلطات الفرنسية استمرت في التضييق على النشاط والعمل السياسي الكوردي والسياسيين الكورد، كما ذكرنا في المقال الذي نشرته سابقاً بعنوان "تأسيس أول جسم سياسي كُردي في كُردستان سوريا".
بحسب وثائق من الأرشيف الفرنسي، جدير بالذكر بأن 500 نسخة طُبعت من كل عددٍ من المجلة، وأن عدد المشتركين بلغ 289 مشتركاً، ومنهم 170 مشتركاً في سوريا، و73 مشتركا في العراق، و21 مشتركاً في فرنسا، و25 مشتركاً في دول أخرى. ومن المهم ذكر عدد من المؤسسات والمشتركين الأجانب ومنهم، مكتبة جامعة أوكسفورد، أكاديمية برلين، مكتبة ميونيخ، وزارة الخارجية الإيطالية، القنصلية التركية في حلب، مكتبة الجامعة اليهودية في فلسطين، وغيرهم من المشتركين.
ترجمة من الألمانية: آري حسو
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً