تحدثت في مقال سابق عنوانه (المالكي يعود) نُشر بتاريخ ٢٠١٦/٩/٢٥  http://rudaw.net/arabic/opinion/250920161
عن ممكنات عودة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي لتصدر المشهد السياسي في العراق، وعددت الأوراق التي يناور بها (طبعاً هو حالياً يتولى منصباً اقرب ما يكون الى الفخري هو نائب رئيس الجمهورية، لكن من الواضح انه يؤدي ادواراً اكبر بكثير من كونه واحداً من ثلاثة نواب فخريين لرئيس جمهورية فخري هو الاخر)، وشرحت المطبات التي تعترض الرجل لتحقيق حلمه في العودة مجدداً للمنصب الأثير على قلبه وهو رئاسة الوزراء (لا تعني شيئاً للمالكي أية مناصب اخرى فبالإضافة الى كونه نائب رئيس جمهورية، هو أيضاً امين عام حزب الدعوة الحاكم، ورئيس كتلة دولة القانون في مجلس النواب، والمشرف الفعلي على الحشد الشعبي، كلها لا تهمه قدر ان يعود رئيساً للوزراء).
الآن، وقد قطع المالكي شوطاً مهماً في رحلة العودة الى منصبه، اريد ان أسلط الضوء على المراحل التي أنجزها لحد الآن لتحقيق ما يصبو اليه، وأريد ان أضع اجابات افتراضية للسؤال الكبير: لماذا يصر المالكي على ان يعود رئيساً للوزراء؟
- خطى رئيس الوزراء السابق الطامح للعودة بقوة الى واجهة المشهد، خطوات تمهيدية:
•    فقد تمكن اولاً (بالاستفادة من نفوذه المتنامي على قضاء مطواع لرغباته) من كسر قرار رئيس الوزراء حيدر العبادي باقالة نواب رئيس الجمهورية، وهي خطوة رمزية واعتبارية اكبر من كونها عودة لتسنم منصب شرفي، أراد ان يقول انا موجود وبقوة ولن يستطيع لا العبادي ولا غيره إقصائي من المشهد.
•    ومن ثم إصدار قانون الحشد الشعبي، الذي يعد خطوة اخرى على طريق عودة المالكي لهرم السلطة، انظروا لنبرة حديثه المتصاعدة في الأيام الاخيرة عن انه الأب الشرعي للحشد وهو مؤسسه، بالتالي فقد اصبحت لديه ذراعاً عسكرية قانونية يلجم بها مناوئيه ويوظفها انتخابياً.
•    البدء باجراءات تشريع قانون للعشائر هو الاول في العراق الجمهوري بعد إلغاء قانون العشائر للعام ١٩١٨ في العام ١٩٥٩، وواضح للعيان مدى توظيف المالكي للعشائر في مسلسل طويل من بسط النفوذ على الدولة والمجتمع.
•    لم يوقف مساعي المالكي للحصول على ولاية ثالثة بعد انتخابات العام ٢٠١٤، سوى ما سُوق اليه من ان رئاسة العبادي للحكومة لا تعدو ان تكون سوى مرحلة انتقالية تمهد لعودته، تشبهاً بتجربة بوتين في تدوير المناصب في روسيا، وبالتالي فقد أودع منصب رئيس الوزراء وديعة لدى العبادي لحين الانتخابات المقبلة في العام ٢٠١٨.
•    تدعيمه لعلاقته القوية مع ايران صاحبة الكلمة الفصل في تسمية رئيس الوزراء في العراق منذ العام ٢٠٠٣، ولعل كلمة المالكي الشهيرة في مؤتمر (الصحوة الاسلامية) ببغداد في ٢٢ تشرين الاول/ أكتوبر ٢٠١٦ التي اطلق فيها مقولته المثيرة (قادمون يا رقة، قادمون ياحلب، قادمون يا يمن) في تماهٍ واضح مع المشروع الإيراني الاستراتيجي في المنطقة، ما يؤكد تقديمه مجدداً لاوراق اعتماده حاملاً للواء ايران في العراق والمنطقة، وهي أول وأهم مواصفات القبول ايرانياً بالمرشحين لشغل منصب رئيس وزراء العراق.
 
اما لماذا يصر المالكي على العودة لمنصب قضى فيه ثماني سنوات عجاف، فهو ما يمكن النظر اليه من خلال :
•    تعرض المالكي لهجمات شرسة ومهينة من مناوئيه داخل العملية السياسية وخارجها منذ الإطاحة بمشروع ولايته الثالثة، حتى تجاوز الامر الاهانات اللفظية والشتائم ومختلف انواع التنكيل، الى محاولات مستمرة لتقديمه الى محاكمات بتهم تتعلق بمصير مئات المغدورين في مجزرة سبايكر او التفريط بمحافظات عراقية كاملة لمصلحة تنظيم داعش الإرهابي او الفساد وتبديد أموال الدولة العراقية وإفلاسها.
ليس من درع يدرأ به المالكي كل هذا ويحصن به نفسه سوى المنصب الاول في الدولة العراقية.
•    روح الثأر والانتقام التي هي ميزة واضحة في سلوك الرجل والتي يعتقد ان لا شيء يشبعها سوى العودة مجدداً للتنكيل بخصومه ومعارضيه لا سيما وهو المعروف بقدرته الفريدة على تصنيع الملفات المختلفة للإطاحة بالآخرين، لاحظوا تهديداته لمتظاهري البصرة بما يسميها(صولة الفرسان) ثانية، بل والتلويح صراحة بالملاحقة العنفية لهؤلاء المتظاهرين.
•    لا تزال امام المالكي مهمات اخرى لم تكتمل بعد في اطار مشروع إقليمي لمواجهة اعادة ترسيم دول الإقليم بعد الانتهاء من حقبة داعش في العراق وتسلم الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترمب مهامه فعلياً، ليس هنالك من هو أفضل من المالكي ليقوم بمثل هذه الأدوار بالنيابة عن الخارج.
•    الرجل يعيش (حالة إنكار) Denial Case كما يسميها الصحفي الامريكي المعروف بوب وودوارد، وهي حالة مرضية يعاني صاحبها من إنكار الحقائق الماثلة أمامه، المالكي ينكر مسئوليته عن احتلال داعش لثلث أراضي العراق، ومقتل آلاف العراقيين وتهجير مئات الاف اخرى منهم، وينكر مسئوليته عن تبديد ثروات البلاد وإفلاسه، وينكر فساد ذمته وثرائه وعائلته على حساب المال العام، كما ينكر استخدام نفوذه للضغط على مؤسسات يفترض ان تكون مستقلة كالقضاء وهيئة النزاهة ومفوضية الانتخابات، المالكي ينكر أيضاً تلفيقه التهم لمعارضيه واستخدام المال العام لشراء ذمم مناصرين له.
(حالة الإنكار) هذه كما يقول أخصائي علم النفس تدفع المصاب بها الى رفض كل ما حوله باستثناء ما يراه هو صحيحاً، بغض النظر عن فداحة ما قد يرتكب.
عموماً، واضح تماماً ان كفة المالكي أقوى من مناهضيه سواء كانوا من التيار الصدري او التيار المدني، وهو يسير قدماً نحو ترسيخ سلطاته التي ينتظر ان يتوجها بالحصول مجدداً على رئاسة الوزراء، ما بناه في ثمان سنوات من الحكم المباشر وسنتين من الحكم غير المباشر يمنحه فرصة اكبر من غيره، اللهم الا اذا كان لدى ادارة الرئيس الامريكي المنتخب رأي آخر، وحدهم الأمريكان قادرون على تبديد احلام المالكي. 
العراقيون بأغلبيتهم الصامتة والمغلوبة على امرها، لا يمتلكون -للاسف الشديد- في المدى المنظور على الأقل، ادوات التغيير الشامل في ظل عملية سياسية مصممة على مقاسات المالكي وامثاله.
المالكي قطع اكثر من نصف الشوط نحو العودة مجدداً رئيساً للوزراء، فماذا أنتم فاعلون ؟!
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.
 
     
					 
                                                                                
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً