منذ نحو قرن تعد مسألة إدارة كركوك واحدة من مشاكل العراق المزمنة، فرغم التغيرات على مستوى السلطة في الدولة لم تشهد مسألة كركوك غير المزيد من تعميق مشكلتها.
لو أننا بحثنا في العوامل الظاهرة والخفية في قضية كركوك، سيتبين لنا أن كل طرف شارك بدرجة ما في دفع كركوك إلى حافة الهاوية.
ولو أنعمنا النظر في تركيبة كركوك، نجد أنها مدينة متعددة المكونات والقوميات، وكل مكون يرتبط بطريقة من الطرق مع واحدة من الدول الإقليمية التي تخوض صراعاً مستمراً، فأصبحت كركوك بذلك وفي أحيان كثيرة نقطة التصادم في تلك الصراعات.
رغم كل ذلك، من المهم أن نتساءل من أين اقتاد العراقيون، بمختلف مكوناتهم، كركوك وإلى أين يمضون بها؟ الإجابة على هذا التساؤل بحاجة إلى تمحيص الرؤى والمشاريع القومية لكل واحد من تلك المكونات المختلفة، لكي نصل إلى نقطة نرى منها مستقبل كركوك.
معلوم أنه كان ممكناً تحويل كركوك إلى أجمل مثال للتعايش القومي في المنطقة، لكن مائة عام من تاريخها أثبتت خلاف ذلك، فكل من حكم المدينة خلال المراحل المختلفة، وإلى جانب مصالحهم القومية، اهتموا بحشو جيوب فئة من طلاب المصالح.
في العراق الملكي ثم في فترة حكم البعثيين، وبدلاً من تحويل كركوك إلى نموذج للتعايش تم تحويلها إلى نموذج لحكم أقلية ظالمة. بنى السنة في الفترة الماضية بنية تحية غير صحية، قلصت فرص التعايش كثيراً لدرجة أن لا يتمكن أي تغيير من تعديل الوضع. فكانت ثقافة الكراهية القومية واحدة من ألد أعداء التعايش، وشهدت هذه الثقافة نمواً مستمراً في كافة المراحل.
في عراق مابعد البعث ومرحلة الفدرالية، كانت المادة 140 أكبر ظلم لحق بالتعايش في كركوك، حيث نقلت ثقافة الكراهية إلى مرحلة منظمة ودستورية. الإجراءات التي أشار إليها الدستور لتطبيع وضع كركوك بحاجة إلى وجود حكومة ديمقراطية مؤسساتية، بينما أسلوب الحكم هذا غريب عن العراق. فكل مكون اتخذ مجموعة ستراتيجيات خاطئة، في إطار مصالحه، عرضت مجمل عملية التعايش إلى خطر الزوال. مثلاً، عندما عادت القوى الكوردية إلى كركوك والمناطق الكوردستانية الواقعة خارج إدارة إقليم كوردستان في بداية عملية تحرير العراق، وعوضاً عن العمل على تصحيح الديموغرافيا المشوهة لكركوك، زادت من تشويه ديموغرافيا المنطقة بتطبيقها برامج حزبية ضيقة. في مقابل ذلك، اتخذ المكونان العربي والتركماني ثقافة الكراهية والانتقام سبيلاً للخلاص من النفوذ الكوردي. فكانت النتيجة أن جاءت المكونات الأخرى بقوى إقليمية لتتدخل في مشكلة كركوك، وبذريعة الدفاع عن المكونات المقربة إليها نفذت تلك القوى أجندات زادت من عدم وضوح مصير كركوك.
بغية تحقيق أطماعهم، زج العراقيون ومكونات كركوك المختلفة بكركوك في لعبة إقليمية معقدة لم يتمكن الاستفتاء على استقلال كوردستان ولا 16 أكتوبر الذي نفذه دعاة العراقية تصحيح وضع كركوك المعوج. أما الآن، فإن الحكم العسكرتاري والشوفيني العربي والضوء الأخضر التركماني وتشتت الأطراف الكوردية، زادوا مشكلة كركوك تعقيداً.
والآن، وبينما من المقرر أن تشهد محافظات العراق باستثناء إقليم كوردستان انتخابات مجالس المحافظات والحكومات المحلية، فإن مسألة كركوك ستكون أكثر موضوع تثار النقاشات حوله. فلو راقبنا تحركات وبرامج أي مكون، لتبين لنا أن المرحلة القادمة لكركوك ستكون صعبة وحافلة بالمشاكل، فقد أدرك كل مكون أخطاءه وسيدخل في العملية بتنظيم أكبر. أي أن المرحلة القادمة في كركوك ستكون مرحلة الصدام المنظم بين المكونات، لأن الكورد والتركمان والعرب، من خلال إعادة ترتيب بيوتهم وكسب الدعم الإقليمي والدولي يراهنون على الفوز بأكثر محافظات العراق أهمية من الناحية الستراتيجية.
عندما تم تعديل قانون مجالس المحافظات في مجلس النواب العراقي، عبر بعض الكتل النيابية عن الاعتراض على التعديل الجديد لأنه حسب رأيهم لا يخدم الكتل الصغيرة والأقليات، لكن بعد اتفاق مختلف الأطراف المنتمية إلى المكونات، قبل الجميع بالتعديل، وهذه إشارة خطيرة تمس صحة العملية الانتخابية.
الجولة التالية من المنافسة ستكون شديدة بين عدد من الكتل الكبيرة التي لديها حظوظ في الفوز، ولديها جميعاً قوات مسلحة وميليشيات، لذا لن يقبل أي من الكتل الكبيرة بالهزيمة ولا بعدد قليل من المقاعد، وبالنتيجة ستضع كركوك تحت رحمة اتفاق إقليمي، وعندها لن يكون للكركوكيين يد في رسم مستقبلهم.
ما تجدر الإشارة إليه هنا، هو أنه في حال ظهور سيناريو تقارب عدد الأصوات، فإن كركوك ستمضي صوب أسوأ أنواع اللامركزية، وهي اللامركزية الشوفينية التي تعرض مستقبل التعايش للخطر وفي نفس الوقت ستجعل المحافظة من الناحية الإدارية محافظة مفككة ومشتتة.
وفي حال المضي باتجاه اللامركزية الشوفينية للمكونات، سيكون أبناء المنطقة أول الخاسرين، وإضافة إلى أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم المشاكل الداخلية للعراق أضعافاً مضاعفة، فإنه سيؤدي في نفس الوقت بالمشاكل العالقة بين إقليم كوردستان والعراق إلى طريق مسدود.
وعلى هذا الأساس، نجد تصريحات جديدة لعدد من القياديين الذين يبشرون بتغييرات كبيرة في كركوك، بدون أن يعلموا بأن التغييرات الكبيرة في مسائل معقدة كمسألة كركوك تعني التخريب التام للوضع.
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً