في منظومة تنمية التخلف تختفي الحقيقة بالمبالغة، والمبالغة هي تعظيم او تصغير الامور والاحداث كذلك الفرص والفعل دون بناء على معطيات او ادلة حقيقية.
وعندما يبنى على المبالغة خطط وتوقعات تصبح بديهية وتطرح انها حاصلة لا محالة يكون الامل الحرج الذي يتحول الى احباط، والتصفيق والمديح الى معاول كسر الصنمية ووصف وتحقير مبالغ به ايضا، فالمبالغة سمه شعوب تطمح ولكن تصارع العجز امام تخطيط لآخرين وباتت تميل للاستسلام له.
المبالغة في مدح المسؤولين والثناء عليهم لا يعبر عن رضا وانما عن استجابة لداخل هؤلاء المادحين وما فيه من فكرة وتمجيد للمسؤول وليس الامر متعلقا بسين او صاد، انما هو يمتدح المسؤول كانطباع داخلي لقدسية في اللاشعور ربما هو نفسه كان يذم ذات المسؤول قبل حضوره.
امتداح العمران بالانبهار عند رؤية ناطحة سحاب او تصميم ترفي في مدينة ما دون النظر الى من يستفيد من برج عال او ناطحة السحاب، اهو الشعب ومدخلاته ان كانت تتيح له ان يستخدم ذلك العمران براحة وتمكين ام هو للسواح والزائرين وعملية تجارية اساسا وهذا ليس العيب او الخطأ انما الخطأ تفكير هذا المادح الذي ينطلق من حاجته هو وامنياته هو وهو لا يدرك ان هذه العمارة ليست للسكن او لا يمكن ان تكون في متناول يده، عندها سيعود للذم ووصف من القباحة ما يقلب رقته ووداعته وهو هائم بالأوهام.
يأتيك المبالغون ليبشروك ان الحروب ستنتهي ونكون في جنات عدن ورفاهية ولكن لا يملك لهذا دليل الا امنياته وخبر من بعيد لا يصل بنا الى موضع المتفائل هذا.
يذهب المبالغون ان العالم وان دولة من دول عظمى ستنتهي لان هنالك من احتج على سياستها على ضفاف نهر في ليلة بدر.
المبالغون يشحنون الشباب باستغلال طموحات ليس فيها توقع خسارة بعضها فما بالك وهم يرون تلك التوقعات تتهاوى وكأنها لم تقال بل يخرج توقع آخر كانه يريد ان يبقي ادمغة هذه الناس مستعمرة بالخزعبلات والاوهام، كثير من هذه التوقعات التي هي واقعا لا تتعدى الاماني، والاستجابة الذهنية في تطابق الارقام والاحداث وقرب هذه الامنية على التحقق وقرب نهضة الامة والامة ما انفكت تغوص وفي المقدمة انفسهم المتحدثين بالأوهام، فلا معطيات ولا تخطيط ولا بوادر فكيف ستنهض الامة لمجرد تطابق ارقام حللها استاذ في الرياضيات او منجم وصف احداثا تتعاقب، فبعضهم صدقها ليحققها اشراطها بفعله خصوصا تلك التي ترتبط بدين فنرى كوارثا تحدث في العالم والانتظار ابحار في بحر الاوهام.
المشكلة الاساس في هذا الامر:
ان الاحباط عندما يتولد بقدوم المواعيد ومغادرتها ولا شيء مما زعم من الغيب حصل سيجعل هذا الاحباط سدا منيعا امام المثقفين والمصلحين، فكلام فالمصلحون سلعتهم الكلام والامل ومنطقهم ايضا منطق يقبل الرفض والتصديق، وهنا تصعب المهمة جدا ويصبح الهدف ان لا تتقدم خطوة وانما ان تزيل الاحباط، ومع غياب الاليات وتداخل الرعاع والغوغاء تفقد الامم فرصها المتتابعة بالنجاة ومن ثم الفعل الإيجابي.
المبالغون ايضا يصغرون من معاناة غيرهم واثر الاحباط عليهم لا يكفي ان يكون لديك هوية وهي على رف مكتبتك وانت تُسال عنها على بعد مئات الاميال، لا يكفي ان يكون عندك مرسيدس موديل هذا العام وتدخل بها سباقا وانت لا تملك مفاتيح التشغيل، او تقودها بسرعة اربعون كيلو متر بالساعة وتريد ان تسبق سيارة صغير تسير بأقصى سرعتها.
ان المبالغة لا تأتي من الرغبات والامنيات فقط، وانما تأتي من سوء تقدير الامور كمثل من يفكر في مشروع تجاري ويبني مشروعا في فكره سيقيمه بعد عشرون عاما، ولكن تفكيره في المشروع الذي سيوفر له بناء المشروع الاخر بطريقة حساب الارباح ولا خسارة، وتعاظم راس المال دون التفكير هل سيحتمل السوق توسع تجارته هذه بتعاظم ارباحها ان لم تخسر اصلا.
اننا لن نتوقع اسرة او قوم يعيشون بلا مشاكل، لكن المبالغة شيء والتفاؤل او التشاؤم وهو بضده الحاصل ايضا شيء آخر.... فالمبالغة احباط، والتفاؤل أمل خام ممكن ان يتحول ما ذكرنا او يكون دافعا للتخطيط بنية التغيير واصلاح وضع الامم.
الخلاصة لا ينبغي اتخاذ طريق المبالغة بل علينا ان ننظر في آليات الفكرة قبل تصديقها، وتكون دافعا للعمل والبناء وليس الانتظار فالإحباط والانتحار.
ان المبالغة في معالجة ظاهرة بطريق احادية سيقلب إيجابيها مالم يرافقها تخطيط فقانون التقاعد المبكر مثلا يحتاج مراكز دراسات وتأهيل لإعداد الكوادر البديلة للقيادة والتشغيل.
التعليم العالي يحتاج توسع في اعداد الأساتذة وليس التقليص بحجة ضيق التوظيف فان لم يك تخطيطا وهذه نماذج فقط فان انهيارا للمنظومة يتسارع حتما بغلق منظومة العقل فتتغول منظومة تنمية التخلف.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً