القوانين الحسنية لميلاد مجتمع في فكر أحمد الخطيب

12-11-2020
علاء الدين آل رشي
A+ A-


تجمعني بالأستاذ أحمد معاذ الخطيب الحسني قرابة نسب (بلد وقضية) ورحمها رحم هم (خريطة وطن تخترق وتحترق)، ولعل من أبجديات ما تعلمته من الخطيب وأنا واحد من تلاميذه منذ ربع قرن تقريباً ما يمكن تسميته بالقوانين الحسنية إنها قوانين يمكن تعريفها بقوانين ميلاد مجتمع جديد يقوم على ربط القيم بالحياة والوعي بطرق النجاة .. ومنها:

- أن (أقسى المعارك وأعتاها هو تكوين فريق إسعاف وإنقاذ؛ وملحمة صمغ وتركيب لا خلايا فك وتمزيق) وهو القانون الأول، وفي سبيل ذلك فلا مكان للأنا المتفردة فهي لا تكبر مهما استكبرت ولا تستمر مهما استعرت.

- وأن (فضيلة نكران الذات من أكبر الواجبات الوطنية والفرائض الدينية) وهو القانون الحسني الثاني فالخلية الحية والكروموزوم والعضو ليس بوسع أي واحد منها أن يكون جسداً بمفرده وليس بمقدوره منفرداً نسج جهاز عصبي متناسق أو متكامل ولذلك فإن استعادة الهويات البدائية كالقبيلة والعشيرة والطائفة؛ كما أن تعويم أي عضو مهما تخيل البعض قيمته وقامته فإن الجسد سينبجس أشلاء متناثرة (بدل توحد شعوب المنطقة الأربعة عرباً وكورداً وأتراكاً وفرساً في كيان اقتصادي ومكون حضاري جديد، فإنها تتصارع وتدفع إلى التنازع وتتقبله وكل التوجهات التي ترمي إلى الانتقائية في التعامل معها فهي تأجيج لتلك الصراعات القاتلة)، وهو يقودنا إلى القانون الحسني الثالث.

- ضرورة التوافق المجتمعي على القضايا الكبرى والتسامح فيما سواها وفي مقدمة القضايا الكبرى (حقن الدم وإقامة العدل في بناء المجتمع).

(كل الشعوب تأمل بإدارة جديدة تحمل السلام والعدل إلى الجميع مع عدم توقع أي تغير جذري أو حلول عادلة قريبة، وعلى الشعوب الحذر الشديد ورفض الأفكار التقسيمية والزيادة من الإرباك السياسي والاقتصادي للمنطقة، فقرارها لها وهي قادرة عليه عند استيقاظ وعيها العميق).

في القوانين الحسنية لا مجال لشغل العقل بأسئلة جزئية جاهزة معلبة. أسئلة يفرضها الكبار ليتركوا الصغار في ملهاة ويظل الصغير صغيراً والكبير كبيراً وهو القانون الحسني الرابع.

منذ عرفته في مدينتي الأسيرة دمشق، لم يقبل اغتيال عقله وارتهانه فلم ينزل إلى معارك جانبية فلا صراع بين أبناء الوطن الواحد لا قومياً ولا طائفياً ولا مذهبياً، وبقي صامداً حتى يومنا هذا لا يقبل بالمسرح السياسي واختلاق الدمى التي تتلاعب بالمشاعر ويتلاعب بها أصابع المالك المهرج.

وعندما قاد المعارضة لم يقبل أن ترتهن ثورته للغير، مهما ادعى النبل، ولا أن تكون المعارضة غبية فجة مسترسلة ساذجة غارقة في أسئلة جزئية وأحجيات باردة لا تنتهي إلا بتكريس سطوة النظام المهيمن. كما لم يقبل بمنح الدول المتسيدة على المشهد السوري العام، ممن مزق روح ونسيج الشعب السوري ولم يترك له من خيار إلا الترجيح بين قتلة تعددت راياتهم وقتيلهم واحد، هو السوري. (الإدارةُ الأميركية عموماً تحمل فكراً متخلفاً أمام مسؤولياتها الكبيرة في العالم، وبالتالي تنتقل من إخفاق إلى آخر، وهي كيان يتدخل في كل شيء ولا يكاد يحل شيئاً وصار عامل إرباك سياسي عالمي).

كشف الخطيب عن القانون الخامس والذي يتلخص بأن معركتنا مع النظام ومن أجل الحرية، وعرّى خيوط الجريمة وملابساتها التي كانت حجرة الدومينو الأولى فيها وتمظهراتها في هامشية العقل المعارض ونمطيته والسماح لها من الممول أن تتقاتل فيما بينها والعيش في التلقي الفوتوغرافي، ولكن فوق هذا القصور تقف سكاكين النظام وترسانته المرعبة وهو الخصم الأول.

ومع اعتراف الخطيب المتكرر بقصور المعارضة ووجود مخططات (مهما كانت هناك مؤمرات دولية وإقليمية وهي موجودة، فغرور النظام الذي فشل في لمّ شعبنا هو الذي جعلها تنجح بشكل مذهل، وتكبّره على شعبنا جعل جيوش كثير من بلدان العالم ومخابراتها تجول في أراضينا وتتحرك قواتها الجوية لتقصف من تشاء وتدمر حتى أسلحة جيشنا الذي بني بأموال السوريين وعرقهم ولم ينفق عليه آل الأسد جميعاً دولاراً واحدة بل نهبوه ودمروه وجعلوه أداة لقتل السوري للسوري، ولم يطلق هذا الجيش رصاصة في وجه عدو بل استباح المدن وقتل المدنيين والأطفال بحجة الإرهاب الذي يعرف النظام كيف يرعاه .

لن يستطيع النظام تغطية عوراته مهما فعل ولن يستطيع حلفاؤه تسويقه سياسياً ولا اقتصادياً ومهما تذرع النظام بالعقوبات الدولية التي لا نقبل أن تكون عقوبة للشعب السوري بل لجماً للنظام عن توحشه وشهوته، فإنه هو الذي يدفع سورية إلى المزيد من الفقر والدمار).

 هذا الوعي هو السلطان الذي يعيد للسوري وزنه وهو القانون السادس. ليس أمامنا في مواجهة التعامي الدولي والوثنية السياسية البعثية إلا أن نعود إلى الحرية كما نادينا بها منذ أول شرارة الثورة إنه الإيمان بالله والفكر الحضاري لأبناء سوريا، على خلاف الإيديولوجيا والذهنية الدوغماتية، يتخذ مشقة السؤال، والوعي بالمخرج من النفق وسر التيه وطريق الخلاص، ويتخذه صاحباً ودليلاً في الطريق، (هناك شهر عسل وهمي انتهى معظمه بين النظام وحلفائه ويحفه الكثير من الخلافات والإذلال المتعمد منهم للنظام.

الحليف الأهم، روسيا، عاجز عن حمل النظام أكثر وهو مضطر إليه وساخط عليه معاً، ويقوم بتأديبه كل فترة ويشعره بحماقاته التي لا تنتهي، وترك الغابات السورية تحترق وحرمان المواطن من الكهرباء والوقود بل حتى الخبز وإفقار الناس ونهبهم الذي لا ينتهي. جزء يعود إلى العجز عن تغطيته وجزء للتأديب، ويستغل النظام الأمر للتضييق على الناس حتى يكون أي حل يطرح مهما كان أخرق مقبولاً، ومنه إعادة انتخاب رئيس النظام مرة أخرى في السنة القادمة والذي لا أشك أن كل الأحرار سيقاطعون تلك الانتخابات وسيفوّتون الفرصة لتعويم النظام ويعيدونه وكل حلفائه خاسرين إلى نقطة الصفر بلا جدال).

وكي ننجح في المواجهة وتحقيق الانتصار لا بد من وعي القانون السابع، التنوع الثقافي مهم بل وحيوي ضروري ولكن يجب مراعاة الآتي:

1- معظم الثقافات فيها جانب من الاستعلاء والتكبر على الثقافات الأخرى.

2- هناك أيضاً نمو حاد للهويات، ويبقى هذا الأمر مقبولاً في المجتمعات مادام ضمن توضيح الخصائص والتعريف بالذات وعدم الذوبان، ومالم يكن بالقوة والإكراه سواء على صعيد فردي أو جماعي.

3- الخطير هو أن يحاول شخص أو أشخاص فرضه على المجتمعات أو يتحول الأمر ليصبح سياسة دولة تضع نظارات لا تريها التنوع الثقافي والاجتماعي الحامل لها).

ومع أهمية نيل الحقوق إلا أن القانون الحسني الثامن: أن الحقوق واجبات متبادلة (الحقوق والمصالح هي طريق واسع (أوتوستراد) باتجاهين ولا يمكن الاستقرار ولا التفاهم باتجاه واحد) ولن يصل الجميع إلى حقوقهم دون مرجعيات، وهو القانون الحسني التاسع (هناك أفكار ترمي لتحطيم المرجعيات كافة، وهذا عامل سلبي وله ثمن باهظ تزداد خطورته). تحطيم المرجعيات هو ما تقوم بِه العديد من وسائل الاعلام مستبدلة بذلك أوثاناً زائفة في عقول الناس مثل عبادة الذات والبحث عن المصلحة الفردية، وتطبيع الإعلام السوقي.

وفي نظرته لما حصل في فرنسا، يظهر الخطيب القانون الحسني العاشر (لا يمكن تحطيم خصوصية أي مجتمع) (كما أن الاختلاف في الثقافات ليس مدعاة لأي استهزاء) ومع احترام الخصوصية إلا أن النقد العلمي الموضوعي للأفكار والمبادىء أمر لم يتوقف يوماً في المجالس العلمية والساحات المعرفية وهو شيء آخر تماماً غير السخرية والاستهزاء.

 ويسجل الخطيب الملاحظات الآتية:

1- نفور بعض المجتمعات الغربية مثلاً من الدين، سواء لسوء بعض رجاله أو لعدم القناعة بطرحه لا يقبل مبرراً لتوهية الإيمان الفطري مثلاً عند مجتمعات مسيحية الجذور، وتستمد من دينها كثيراً من الأمان النفسي والأخلاقيات الراقية.

2- في أي مجتمع هناك من لا يقبل امتهان خصوصيته ورموزه ولا يتحمله فيتصرف بطريقة ذاتية، نرفض مفرداتها وأدواتها، ولكنه مثل سارق الرغيف بالمقارنة مع نهب أكبر البنوك.

3- نرفض القتل لأي سبب، وقتل إنسان بريء يعادل قتل الناس جميعاً كما يقرر القرآن الكريم والبريء يبقى بريئاً ولا يمكن تحميله وزر أي تصرف لآخر.

أرفض إهانة نبي الله سليمان أو نبي الله عيسى كما أرفض أي تعرض لنبينا محمد عليهم جميعاً الصلاة والسلام.

لا يمكن لأحد أن يخدش تلك الشخصيات والذي يشعر بالإهانة والخدش هم الناس الذين يحسون أن هناك من يتناول خصوصياتهم بطريقة مؤلمة لهم.

والخطير حقاً أن تتحول الجرائم إلى بطولات. فقتل الناس جريمة وليس بطولة والاستعلاء المستفز على الأفكار والثقافات والتعمد لتحطيم السكينة والاستقرار النفسي للأفراد والمجتمعات جريمة ثقافية واجتماعية نتائجها أخطر بكثير.

كانت تلك القوانين ترد علي وأنا في منفاي في ألمانيا وتنساب كلمات الحوار دافئة بين جوانحي... الحوار الذي أراد منه الخطيب نسج صورة إدراكية للسوريين لا تقوم على الثنائيات المتقابلة ولا تعقد روابطها ولا تفتل حبائلها على أساس أنا ومن بعدي الطوفان أو وفق منطق القومية والطائفية والحزبية ولا الولاءات الضيقة. فكلها تشحذ سكاكينها لذبح بعضها بل على أساس الوعاء الحضاري والنسيج التاريخي السوري وإنسان الإنسان الذي هو غاية الأديان وأهم من الأوطان على أساس: سوريا الأم تجمعنا، وهو القانون الحادي عشر وهو من أهم ما سعى الخطيب إليه قبل وبعد الثورة...

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

كاوە أمين كولجين

"إدريس بارزاني كان سيصبح كيسنجر الكورد"

لفترة من الزمن، شغل صفحات المجلات والصحف، وذلك لأنه، كما كان يقول، شنّ حرباً على الفساد. ورغم أنه لم يكن المنتصر في تلك الحرب، إلا أنه دق ناقوس الخطر. وكما يقول، فقد أبلغ قادة هذا اقليم كوردستان قائلاً: "أسمع لحناً كريهاً، لحناً أكثر فتكاً من كل المخاطر الأخرى على بلدنا، وإذا لم تتم معالجته من جذوره، فسيتعين علينا جميعاً أن ندفع الثمن".