لن ينفعكم سلاحكم بعد الآن

12-08-2025
عادل باخَوان
A+ A-

قبل السابع من أكتوبر 2023، كان الشرق الأوسط يواجه تصميماً تاريخياً عظيماً، تصميماً لا يقوم على تغيير حدود الدول كما جرى في اتفاقيات سايكس-  بيكو البريطانية - الفرنسية في العام 1916، ولكنه يقسم الشرق الأوسط على المستوى الجيوسياسي وبشكل ممنهج وهيكلي، إلى مساحتين: إيرانية وسعودية. مساحة إيرانية تقوم على نظم ميليشياوية، ميليشيات الدول، ودول الميليشيات، والمساحة السعودية تقوم على الاستبداد، استبداد الدول، والدول المستبدة.

خلال الفترة الممتدة بين العامين 2003 و2023، تصارع هذان النموذجان بشدة وعنف على الساحات الأمنية والعسكرية والإعلامية والدبلوماسية والاقتصادية عبر الفصائل الوكيلة لهما، وأصبح العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين وكوردستان ساحة لتلك المواجهات. حتى أنه في بعض الحالات الخاصة، أصبحت أراضي إيران والسعودية نفسها مسرحاً مباشراً لتلك المواجهات.

بعد عشرين عاماً من المواجهة الدموية، اقتنعت المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية بأن أياً منهما لا يستطيع منفرداً أن يفرض هيمنته على كامل الشرق الأوسط ويطبق نموذج حكمه على جميع المناطق. من هنا وبعد عدة لقاءات في سلطنة عمان والعراق، وقعت طهران والرياض في العاشر من آذار 2023 اتفاقية تاريخية في العاصمة الصينية، بكين. وفقاً لهذه الاتفاقية، التي سميت (الاتفاق السعودي - الإيراني لإعادة ترتيب الشرق الأوسط)، تم تسليم العراق ولبنان وسوريا واليمن وفلسطين للنموذج الإيراني الميليشياوي، بينما تم تسليم دول الخليج ومصر والأردن للنموذج السعودي الاستبدادي. أما إسرائيل وتركيا، اللتان هما قوتان كبيرتان في الشرق الأوسط، فكل منهما كان أقرب للنموذج السعودي منه للنموذج الإيراني، في إطار خاص وبأدوات وآليات خاصة بهما. لم تشعر إسرائيل من خلال اتفاقيات إبراهام وتركيا بعد تطبيع علاقاتها مع السعودية والإمارات، بأن هذا الترتيب الجديد يشكل تهديداً لمصالحهما الوجودية أو الستراتيجية.

بعد ذلك بسبعة أشهر، انقلبت المعادلات كلها بمقدار 180 درجة. ففي السابع من أكتوبر، هاجم أكثر من 2000 مقاتل من حركة حماس إسرائيل، ونقلوا لأول مرة في التاريخ الحرب إلى داخل الأراضي الإسرائيلية وارتكبوا مجزرة بحق 1200 إسرائيلي وأسروا 250 آخرين أخذوهم رهائن. استغرق الأمر 72 ساعة ليعيد الجيش الإسرائيلي تنظيم نفسه ويستعيد السيطرة على مناطقه ويستعد لحرب شاملة.

يجري التعامل مع السابع من أكتوبر في الذاكرة الجمعية الإسرائيلية، تماماً كمحرقة هولوكوست ثانية. إذ اعتقدوا، وما زالوا يعتقدون أنه كان من الممكن أن تنتهي إسرائيل في السابع من أكتوبر ولا يبقى شيء باسم القصة الإسرائيلية. كما اعتقدوا منذ البداية، وما زالوا يعتقدون أن حماس لم تكن سوى أداة لتنفيذ تحرك السابع من أكتوبر، وإلا فإن المسؤول الأول والوحيد هو جمهورية إيران الإسلامية وحدها؛ في حين لا توجد أي أدلة على أن الجمهورية الإسلامية كانت على علم من بعيد أو قريب بمخطط السابع من أكتوبر، بل على العكس، كان السابع من أكتوبر مناقضاً 100% لجميع المصالح العليا للجمهورية الإسلامية في كامل المنطقة.

لكن ليس مهماً جداً من هو المسؤول الحقيقي في الواقع، المهم هو من تعتقد إسرائيل أنه المسؤول الحقيقي ومن يجب الانتقام منه ومن يجب إنهاؤه لحماية أمن إسرائيل وضمان بقائها. للإجابة على هذه الأسئلة، حددت تل أبيب مباشرة وصراحة هدفها لتضربه وتحطمه، والهدف هو جمهورية إيران الإسلامية وجميع وكلائها في لبنان وسوريا واليمن وفلسطين والعراق. منذ لحظة وقوع حادث السابع من أكتوبر، ينتهي عالم ويبدأ عالم آخر في المنطقة. في هذا العالم الجديد، لا ينتهي النظام الميليشياوي في الشرق الأوسط فقط، بل أيضاً جمهورية إيران الإسلامية نفسها، وإن لم تنته، فيجب أن إضعافها لتكون مثل عراق تسعينيات القرن الماضي فتكون دائماً على حافة الموت. هذا يعني أن الجمهورية الإسلامية لن تستطيع بعد الآن العمل للحصول على السلاح النووي، ولن يكون لها الحق في امتلاك بنية باليستية قوية، كما لن يكون لها الحق في التدخل في شؤون دول المنطقة المحددة لها في اتفاقية السعودية وإيران.

الآن، بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وبعد هزيمة جمهورية إيران الإسلامية في حرب الاثني عشر يوماً، يواجه العراق ولبنان اختباراً صعباً للغاية. هل أدرك حزب الله في لبنان والحشد الشعبي في العراق التغييرات الكبيرة التي طرأت على المنطقة بعد السابع من أكتوبر؟ هل أدركت هاتان المنصتان أنهما إذا لم تفتحا صفحة جديدة مع دولتيهما، فإنهما تسيران نحو موت محتم؟ هل يسمح لهما نظام جهوزيتهما بتحويل مرجعيتهما من إيران إلى لبنان والعراق؟

منذ البداية، لدينا قصة تخص أسلحة حزب الله في لبنان والحشد في العراق. في هذه القصة، يكون الهدف من سلاح الفصيلين هو حماية المصالح العليا للشيعة في لبنان والعراق. من المقرر أن يحمي هذا السلاح الشيعة في هذين البلدين. من المقرر أن يكون تعبيراً عن أحلام الشيعة في البلدين. من المقرر أن يكون آلية تؤمّن حياة أفضل للشيعة، إعادة إعمار مناطقهم، توفير المزيد من الخدمات، تعليم أفضل، دراسة أرقى، صحة أكثر فعالية إلخ... لكن على الأقل بعد أحداث السابع من أكتوبر، رأينا جميعاً أن أسلحة حزب الله والحشد لم تحقق أياً من هذه الأهداف، بل لم تستطع حماية قادتها أنفسهم من القتل الجماعي. من الآن فصاعداً، يواجه الحشد وحزب الله منعطف الحياة أو الموت: التخلي عن السلاح ليتمكنا من خدمة المكون الشيعي في في الساحة السياسية لهاتين الدولتين، أو الاستمرار في التمسك بسلاح لم يعد له أي معنى سوى المضي نحو انتحار مأساوي لن يدفعا في النهاية ثمنه الباهظ لوحدهما، بل سيدفعه مكونهما معهما.

في هذا المنعطف، يجب على الحشد وحزب الله اتخاذ قرار الاختيار بين إيران من جهة، والعراق للحشد ولبنان لحزب الله من جهة أخرى. هل يستطيعان حقاً مواجهة أتباعهما بصدق والقول لهم: "لقد شاركتم في حرب داعش في العراق وحرب تحرير الجنوب من إسرائيل في لبنان، ولم يعد هناك داعش في العراق وفي لبنان إذا ألقيتم السلاح، فإن المجتمع الدولي يضمن أن إسرائيل سترغم على الانسحاب من النقاط الخمس التي احتلتها". وأن يقولوا لهم: "لقد حان وقت تسليم السلاح للدولة!". هل يستطيعان، من الآن فصاعداً، بدلاً من إرسالهم إلى سوح الوغى، أن يقترحا عليهم حياة أفضل ومستقبلاً أكثر ازدهاراً، بدلاً من تربيتهم كمحاربين، تربيتهم ليصبحوا سفراء، وبرلمانيين، وساسة، وعناصر فاعلة في المجتمع المدني، وأساتذة جامعات أو جنوداً نظاميين في جيش دولة محترمة؟

لا شك أن هذا التحول ليس عملية سهلة أبداً ويحفل بتحديات كثيرة ومعقدة: بدءاً بوجوب أن تدرك الجمهورية الإسلامية أنه لم يعد مسموحاً لها أن تستخدم هذه الفصائل ضد دولها أو في الشرق الأوسط الجديد وضد مصالح الغرب في المنطقة، وصولاً إلى وجوب قيام هذه الفصائل نفسها بقطع علاقاتها العضوية والأيديولوجية والستراتيجية مع طهران، وأن تكون من الآن فصاعداً لبنانية وعراقية بدلاً من أن تكون إيرانية، لكن ما ليس معقداً بل واضح وجلي لجميع الأطراف، هو أنه بعد السابع من أكتوبر، تقرر أن لا يبقى في الشرق الأوسط مكان للنظام الميليشياوي، وميليشيات الدول والدولة الميليشياوية بنسختها الإيرانية.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

محمود بابان

التغير في مشهد الطاقة في إقليم كوردستان

من المقرر أن تجري شركة دانة غاز وشركاؤها في الأسبوع القادم أول اختبار أولي قبل إنتاج الغاز في مشروع توسيع إنتاج الغاز الطبيعي في كورمور المعروف باسم KM250، للانتقال إلى مرحلة الإنتاج بزيادة يومية قدرها 250 مليون قدم مكعب من الغاز إلى 540 مليون قدم مكعب من غاز الشركة في حقل كورمور، وبهذا سينجاوز مستوى إنتاج الغاز الطبيعي في إقليم كوردستان مليار قدم مكعب يومياً.