* حقوق المسيحيين الكلدان السريان الاشوريين في خريطة ما بعد داعش
قبل قرابة المائة عام و عندما كانت الحرب الكونية الاولى على وشك ان تضع اوزارها نشر الشخصية القومية المعروفة الطبيب فريدون بيت ابرام اتورايا مع رفاقه بيان ( مانفيستو ) أورميا سعيا منهم لضمان حقوق الشعب المسيحي الكلداني السرياني الاشوري بأقامة حكم ذاتي في ارضه و مناطق تواجده التاريخية التي يقطنها هذا الشعب منذ اكثر من سبعة الاف سنة خلت ! طبعا بسبب الثورة البلشفية و السيطرة البريطانية و الفرنسية و ضغط الدولة التركية الناشئة حديثا و انشاء الدولة العراقية الحديثة 1921 بحدودها المرسومة من قبل القوى الفائزة بالحرب اصبحت مطالب و حقوق ابناء شعبنا آخر ما يلتفت اليه الكبار في تقسيمهم لغنائم الحرب ، ما ادى في نهاية المطاف الى القاء القبض على الدكتور فريدون اتورايا و أيداعه السجن و بعد ذلك فجعت أمتنا بحادثة وفاته المثيرة للجدل سنة 1926 معتقلا في سجون تبليسي .
كما و تطرق لنفس الموضوع القائد التاريخي لشعبنا الجنرال اغا بطرس دي باز في رسالتين منفصلتين للمندوب السامي البريطاني و المستشار البريطاني في الموصل حيث حدد في كل رسالة و حسب الواقع التوزيع الجغرافي و الديموغرافي لابناء شعبنا و كيفية تأسيس حكم ذاتي للكلدان السريان الاشوريين المسيحيين في نيسان من سنة 1921 و اذار من سنة 1922 و طبعا لم تجد مطالبات اغا بطرس اذانا صاغية بل ادت الى نفيه الى منفاه في فرنسا و من هنالك ايضا في منفاه قدم اغا بطرس دراسة وافية في رسالته الى مؤتمر لوزان في 26 تشرين الثاني 1923 حيث حدد فيها اهمية وجود حكم ذاتي اشوري كلداني و كيفية ادارته بطريقة تفصيلية من خلال البعثة الاشورو-كلدانية للمؤتمر واضعا خريطة للحكم الذاتي بين نهري الدجلة و الزاب و سنجار لكل سكنة هذه المنطقة من كل القوميات و الاديان من شبك و كورد ايزيديين و كلدان سريان اشوريين و نشر الخبر في 11/كانون الثاني /1923 من قبل وكالة رويترز بأسم (مطالب لتأسيس وطن جديد بأسم كلدو-اشور) ، و بعدها ايضا حاول الجنرال اغا بطرس ان يوصل معاناة شعبه في العديد من المحافل الدولية بعد ان منع من الرجوع الى بلاد ما بين النهرين و عدم منحه الجواز للسفر الى ان وافاه الاجل في ظروف غامضة في تولوز 2 شباط 1932 ، تاركا وراءه فراغا يصعب ملأه.
بالتأكيد لم يصيب اليأس ناشطي و ممثلي ابناء شعبنا من العاملين في الشأن القومي ابدا، الذين شاركوا و حاولوا ايصال مطاليب ابناء شعبنا لمؤتمرات باريس 1919 و سيفر 1920 و لوزان 1923 و منهم على سبيل المثال لا الحصر القس جويل ي. وردا عضو البعثة الاشورية من اميركا الى مؤتمر الصلح في باريس 1919 حيث اكد الاب وردا من خلال مساهمته على التضحيات الكبيرة التي قدمها الاشوريين و مخاطرتهم الكبيرة كحلفاء لبريطانيا العظمى و روسيا و فرنسا في حربهم ضد الامبراطورية العثمانية و حول احقاق وعود الدول العظمى للاشوريين بحكم ذاتي في مناطق تواجدهم التاريخية، و لكن دون ان يتحقق من هذه الوعود سوى بعض المواد التي تذكر بشكل عابر حقوق و حماية الاقليات الاثنية و الدينية و تم التغاضي عن حقوق الاقليات من كورد و كلدان سريان اشوريين بسبب مصالح الدول العظمى في رسم خريطة للمنطقة تضمن مصالحها و سيطرتها على المنطقة و ثرواتها لاطول مدة ممكنة، و من رحم هذه المصالح العظمى للدول العظمى المنتصرة في الحرب العالمية الاولى ولدت خريطة الشرق الاوسط و دوله التي خلقت بطريقة غير طبيعية و صناعية و جعلت من شعوب عريقة كالشعب الكلداني السرياني الاشوري و الشعب الكوردي ضحايا و اضرارا جانبية لسياسات الدول العظمى لاكثر من مائة سنة خلت.
* مائة عام من نضال و تضحيات متواصلة
بالطبع لا يستوعب هذا المقال لذكر مسيرة ابناء شعبنا و تضحياتهم منذ رسم الخرائط الاقليمية التي خطت حسب ارادة القوى العظمى المنتصرة بعد الحرب الكونية الاولى و نضاله القومي و الوطني لنيل حقوقه مرورا بتضحياته الجسام في مذبحة سيفو 1915 التي استشهد فيها اكثر من مائتا و خمسون الف كلداني سرياني اشوري و مذبحة سيميل 1933 التي استشهد فيها الالاف من ابناء شعبنا و مذبحة صوريا 1969 و تدمير المئات من قرى شعبنا لمناصرتهم لثورة البارزاني الخالد 1961 و احراق العشرات من قراه ضمن حملة الانفال السيئة الصيت في ثمانينيات القرن الماضي و استشهاد عشرات الالاف من ابناء شعبنا في حملات الاستهداف الفردية و الجماعية و حرب ايران و الكويت و مشاركته في جميع الثورات الكوردستانية وصولا الى الانتفاضة المباركة في كوردستان 1991 و مشاركة ابناء شعبنا في بناء اقليم كوردستان الفتي و المشاركة في برلمانه سنة 1992 و مشاركة ممثلي شعبنا في كل كابينات الحكومة الكوردستانية و لحد اليوم.
* سقوط الصنم ، و اعادة بناء الهرم في العراق و معضلة شعبنا المتواصلة
بعد سقوط الصنم البعثي في بغداد سنة 2003 ، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ شعبنا في وسط و جنوب العراق ، حيث بدأت حملة منظمة للأعتداء على الكنائس و قتل رجال الدين و المواطنين و الخطف و الترهيب و الابتزاز ادت الى مقتل اكثر من 1139 مسيحي و خطف المئات و الاعتداء على قرابة 127 كنيسة حسب تقرير جمعية حقوق الانسان العراقية في اميركا مما ادى لهجرة قرابة المليون من ابناء شعبنا الى خارج الوطن و نزوح عشرات الالاف الى كوردستان و مدن و قرى سهل نينوى، حيث لم يدم مقام ابناء شعبنا النازحين طويلا حتى اجتاح تنظيم داعش الارهابي مدنه و قراه في سهل نينوى مهجرا قرابة المائتا الف كلداني سرياني اشوري الى كوردستان في مشهد لم يشهده ابناء شعبنا منذ ايام مذبحة سيفو السوداء.
الحلم بأقامة حكم و ادارة ذاتية لم يفارق برامج العمل القومي و بقي سقف مطالب ابناء شعبنا على حاله رغم كل الويلات و الحروب و المذابح التي لحقت به ، حيث تم طرح موضوع الادارة الذاتية 2005 من قبل الحركة الديمقراطية الاشورية و السيد يونادم يوسف كنا و ايضا تم طرح موضوع الحكم الذاتي من قبل السيد سركيس اغا جان و المجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري و مجموعة من الاحزاب الكلدانية السريانية الاشورية سنة 2007 و بعد ذلك تم تبني طرح محافظة لكل ابناء المكونات في سهل نينوى من قبل الاحزاب المنضوية تحت لواء تجمع الاحزاب الكلدانية السريانية الاشورية سنة 2011 ، كما و تم ذكر هذه الحقوق في المادة 125 من الدستور العراقي التي تنص على ((يضمن هذا الدستور الحقوق الادارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة كالتركمان، والكلدان والآشوريين، وسائر المكونات الاخرى، وينظم ذلك بقانون)) ، كما و ايضا تم تثبيت حقوق شعبنا في الحكم الذاتي بمادة واضحة في مسودة الدستور الكوردستاني في المادة 35 و التي تنص على ((يضمن هذا الدستور الحقوق القومية والثقافية والأدارية للتركمان، العرب، الكلدان والسريان والآشوريين، الأرمن بما فيها الحكم الذاتي حيثما تكون لأي مكون منهم أكثرية سكانية وينظم ذلك بقانون ))، كما و تلت بعد الهجمة الشرسة لداعش على قرى و بلدات شعبنا في سهل نينوى مطالبات من قبل الرئاسات و المراجع الكنسية و تجمع الاحزاب السياسية مطالب بمنطقة محمية دوليا لابناء شعبنا في سهل نينوى رغم عدم وضوح ملامح كيفية ادارة هذه المنطقة و صيغة الادارة المقترحة اكانت حكما ذاتيا او محافظة ام ادارة ذاتية.
* مانفيستو عنكاوا و خريطة مرحلة ما بعد داعش
قد يتسأل البعض لماذا عنونت هذا المقال ب ( مانفيستو عنكاوا ) .. مدينة عنكاوا الحبيبة تعتبر اليوم اكبر تجمع قومي و ديموغرافي لابناء شعبنا ( الكلداني السرياني الاشوري ) المسيحي في الشرق الاوسط حيث يقطنها اكثر من مائة و عشرون الف مسيحي ، من مختلف الانتمائات الكنسية ، و ايضا تتواجد فيها اكثرية المقرات الرئيسية لاحزاب ابناء شعبنا ، عوضا عن تواجد الكثير من منظمات المجتمع المدني و الشخصيات القومية العاملة و المؤثرة في الشأن القومي الكلداني السرياني الاشوري المسيحي .
بعد قرابة مائة عام من اعلان ( مانفيستو أورميا ) ، يتوجب على ابناء شعبنا ان ينظموا صفوفهم و ان يرتبوا لاجتماع و مؤتمر موسع يضم كل القوى السياسية و الكنسية و الشخصيات و المؤسسات القومية التي ترغب للمشاركة للأعلان عن ( مانفيستو عنكاوا ) لوضع خارطة طريق لاحقاق حقوق المسيحيين الكلدان السريان الاشوريين في خريطة ما بعد داعش و التي بالطبع سيشارك برسمها العديد من القوى الدولية و الاقليمية و المحلية و أهمية التوجه بخطاب موحد نحو هذه القوى و مخاطبتها بطرح هاديء و واقعي يضمن لشعبنا العريق موطيء قدم في مرحلة ما بعد داعش و يرسخ وجوده و حقوقه في ارض ابائه و اجداده بلاد اشور و بابل ، بلاد سنحاريب و نبوخذنصر و اشورناصربال و سركون.
يتوجب علينا كمهتمين بالشأن السياسي و القومي ان نمعن النظر بالحراك السياسي للقوى العظمى في العالم و خاصة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ المنطقة ، فعلى سبيل المثال لا الحصر ، قبل ايام معدودة من كتابة هذا المقال و تحديدا بتاريخ 7/7/2016 وافق مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع على قرار 340 حيث يدين هذا القرار الأعمال الارهابية التي ارتكبها تنظيم داعش الارهابي ضد أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري و الاقليات الاخرى المتضررة من هذا التنظيم الارهابي واصفا جرائمه بلابادة الجماعية و الجرائم ضد الانسانية و حيث يعتبر هذا القرار اعترافا واضحا بالابادة الجماعية التي تعرض لها ابناء شعبنا و يلزم الولايات المتحدة الاميركية بمساعدة ابناء شعبنا و ابناء المكونات و الاقليات المتضررة في مسعاهم لترسيخ وجودهم في مناطقهم التاريخيةو يتوجب على العاملين بالشأن القومي و السياسي لابناء شعبنا استثمار هذا النوع من القرارات الى اقصى حد خدمة لمطالب ابناء شعبنا و أمتنا .
من الضروري جدا ، ان يلتئم شمل المهتمين بالشأن القومي و السياسي لابناء شعبنا من شخصيات سياسية و حكومية و مدنية و اكاديمية و اعلامية في اجتماعات تحضيرية ، و لتكن الاجتماعات برعاية مختلف منظمات المجتمع المدني المعنية بشأن ابناء شعبنا ، كجمعية الثقافة الكلدانية او النادي الثقافي الاشوري ، او المركز الاكاديمي الاجتماعي في عنكاوا ، او منظمة حقوق الانسان العراقي في اميركا و غيرها ، و لتكن الاجتماع بمشاركة مختلف ممثلي كنائس شعبنا المقدسة و لتكن الدعوة عامة لكل ابناء شعبنا بجميع انتمائاتهم الكنسية و السياسية و الثقافية ، من المؤكد ستتمخض من رحم هذه الاجتماعات رؤية واضحة لعقد مؤتمر موسع لابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري المسيحي في الوطن و المهجر ، مؤتمر يجمع ناشطي و سياسي ابناء شعبنا رغم اختلافاتهم و يوحدهم نحو وضع رؤية واضحة و طرح واقعي لترسيخ حقوق ابناء شعبنا في مرحلة ما بعد داعش .
ان باب النقاش مفتوح و باب المقترحات مفتوح على مصراعيه ، اذن لنعمل معا لنضمن حقوقنا و حقوق الاجيال القادمة من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري المسيحي قبل ان يفوتنا قطار الاتفاقيات المحلية و الاقليمية و الدولية ، لنوحد صفوفنا و نجتمع و نرسم خريطة حاضرنا و مستقبلنا و لنعلنها في ( مانفيستو عنكاوا ) !
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الاعلامية
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً