تمثل المواجهة خلافا عميقا بين تيارين منقسمين فقهيا داخل الحشد الشعبي، فالأول بقيادة المهندس يرجع بالتقليد الى المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي، فيما يرجع التيار الثاني وهو مكون من مجمل الفصائل المرتبطة بـ"العتبات" في العراق، الى المرجع الأعلى في النجف السيد علي السيستاني.
الحشد من حيث الرايات والتسميات ونسبته الى المكون الشيعي في بدايات تأسيسه ولغاية عام 2018، يتكون من 67 فصيلا شيعيا، 43 فصيلا سنيا، و9 فصائل تتبع الأقليات في مناطق جنوب إقليم كوردستان.
الـ67 فصيلا شيعيا يمكن تقسيمها من حيث تقليدها الفقهي المذهبي، الى 44 فصيلا مقلدا للسيد خامنئي، 17 فصيلا مقلدا للسيد السيستاني، 6 فصائل مقلدة لمرجعيات شيعية أخرى من داخل وخارج العراق.
عديد الموارد البشرية لكل قوات هيئة الحشد الشعبي 164 ألف منتسبا وعنصرا قتالية ولوجستيا، يغطيهم قانون 40 لعام 2016، ويعتمدون هيكلا تنظيميا أسست له الأوامر الديوانية الصادرة في عام 2019، وهي 237، 328، و331.
حيث عديد الموارد البشرية التابعة للمكون الشيعي نحو 110 ألف عنصر، وللمكون السني نحو 40 ألف عنصر، ولمكونات الأقليات نحو 10 عناصر.
الموارد البشرية للحشد الولائي نحو 70 ألف عنصر، وحشد المرجعيات الأخرى بما فيها قوات سرايا السلام نحو 40 ألف عنصر.
هيكلية هيئة الحشد الشعبي بحسب الأوامر الديوانية الصادرة لعام 2019 نظمت الحشد على ألوية فأصبح عديد الالوية 64 لواءً موزعة على 8 محاور قيادات عمليات قوات الحشد الشعبي، حيث منعت تلك الالوية من استخدام راياتها واسمائها الفصائلية وفرض عليها ان تستخدم ارقام الالوية ورايات الحشد الشعبي الرسمية فقط.
الامر الديواني 237 لعام 2019 مهد لفك ارتباط فصائل الحشد الشعبي بالأحزاب والكيانات السياسية والدينية، والامر الديوانية 328 لعام 2019 جعل للحشد تمثيلا تنسيقيا مشاركا داخل القيادة المشتركة للقوات المسلحة العراقية، والامر الديوانية 331 لعام 2019 أسس لهيكلية تنظيمية وإدارية تتكون:
1- المناصب القيادية العليا وهي 4 مناصب، مقسمة وفق ما يلي؛ 3 مناصب سياسية للبيت السياسي الشيعي القريب من القيادة الولائية وهي "رئيس الهيئة ومكتب رئيس الهيئة وامين السر العام". و1 منصب رئيس الأركان للقيادة الولائية "حاليا أبو فدك عبد العزيز المحمداوي" ويعتبر هو القائد التنفيذي والعملياتي الأعلى، يرتبط به 5 مساعديات للأركان و8 محاور لقيادات عمليات قوات هيئة الحشد.
2- مناصب الكوادر الوسطية القيادية التنفيذية؛ وهي 5 مساعديات لرئيس الأركان، 3 مساعديات بقيادات ولائية، و2 مساعديات بقيادات من القيادات المتقاعدة او المنتدبة العسكرية والأمنية منتخبة من الأحزاب السياسية القريبة من القيادات الولائية.
3- مناصب الكوادر الإدارات الوسطية القيادية اللوجستية؛ وهي 10 مديريات، 7 منها للإدارة التابعة للحشد الولائي و3 إدارات منها من المدنيين الذين يتم انتخابهم من خلال تزكية الأحزاب السياسية القريبة من القيادات الولائية.
4- مناصب الكوادر الإدارات الميدانية؛ وهي 50 مديرية وقسم ترتبط بمساعديات رئيس اركان هيئة الحشد، منها ٣٢ من الإدارات التي تنتمي للحشد الولائي، و18 يتم انتخابها او انتدابها من قبل الأحزاب السياسية القريبة من قيادات الحشد الولائي.
وفق هذه الجردة السريعة ممكن اعتبار ان الهيكل التنظيمي القيادي والإداري لهيئة الحشد الشعبي يدار بنسبة 80% من خلال قيادات وادارات تنتمي لمرجعية الحشد الولائي، في حين الحشود المرجعية وحشود السنة والأقليات ليس لديهم مناصب قيادية عليا او وسطى داخل الهيكل التنظيمي لهيئة الحشد.
أطراف الخلاف
صراع يكبر حجمه يوما بعد يوم، بين "فرقة العباس القتالية" العائدة للعتبة العباسية، التي تتخذ من المرجع علي السيستاني مرجعاً عقائدياً، وبين الهيئة الرئيسية وتحديداً مع القيادة الولائية في الحشد. اتسعت دائرة الخلاف بين الطرفين في شباط 2018، لدرجة إصدار المهندس نائب رئيس هيئة الحشد آنذاك سلسلة من القرارات الصارمة للتضييق المالي والإداري على الفصائل المسلحة المرتبطة بالعتبات. اتسع الخلاف بينهما وظهر في الإعلام حيث نقل مصدر مطلع في اذار 2018 لصحيفة "العالم الجديد"، إن "اجتماعا عقد مطلع الأسبوع الماضي، ضم قيادات الحشد الشعبي لمناقشة القانون المقدم من قبل رئيس الوزراء حيدر العبادي والمتعلق بإعادة هيكلة الحشد، وأثناء المناقشة طلب أبو مهدي من قائد فرقة العباس القتالية ميثم الزيدي، وهو أحد أعضاء اللجنة المكلفة بإعادة تنظيم الحشد وفق القانون الحكومي الجديد، بفك ارتباط فرقته وبقية فصائل العتبات المقدسة التابعة للمرجعية الدينية من تلك العتبات، أسوة بالفصائل التي فكت ارتباطها من احزابها و تياراتها السياسية كعصائب أهل الحق ومنظمة بدر، وغيرها، الا أن هذه المقترح أثار امتعاض الزيدي، حيث رفضه بالمطلق باعتبار أن العتبات المقدسة ليست أحزابا أو حركات سياسية تسعى للسلطة والمشاركة بالانتخابات، وإنما هي مؤسسات تابعة للدولة، واصفا شرط المهندس بانه محاولة للاستمرار في عملية تهميش وإقصاء الفصائل الموالية للمرجعية العليا في النجف لدواعي اختلافها الكلي مع توجهات المهندس التي لا تنسجم مع تطلعات بغداد والنجف".
بدأت شرارة المشاكل بين فصائل "العتبات" والمهندس قد انطلقت عقب موافقة الدكتور حيدر العبادي على ضمّ فوج كامل من "فرقة العباس" إلى الجيش وربطه تنظيمياً بوزارة الدفاع بشكل رسمي. وهو ما وصفه مراقبون وعسكريون، بأنه "تحوّل إيجابي في مسيرة الحشد الشعبي، وضمّه إلى صفوف القوات النظامية"، ولكن القيادات الولائية في هيئة الحشد أصبحت في حال من الذهول من التطور اللافت بين الحكومة وفصيل عائد لمرجعية النجف، وهو ما تسبب ببدء انهيار العلاقة بين فصائل "العتبات" والأخرى الولائية.
نائب رئيس الهيئة أبو مهدي المهندس أصدر في كانون الأول 2018 قراراً رسمياً بفك ارتباط فرقة العباس رسمياً من العتبة العباسية، والانصهار ضمن قيادة قوات الحشد في الفرات الأوسط، بقيادة اللواء المتقاعد علي الحمداني، بتكليف مباشر من المهندس.
الأمر الذي أغضب قائد "فرقة العباس"، ميثم الزيدي، الذي شنّ حملة تصريحات ضد المهندس، منتقداً الولاء لطهران والمرجعية الدينية فيها، المتمثلة في المرشد الإيراني علي خامنئي.
وفي رد على ممارسات المهندس مع "فرقة العباس"، قال وكيل المرجعية في النجف السيد أحمد الصافي، في خطبة جمعة من داخل كربلاء: "الانتماء لفرقة العباس القتالية، لا بدّ له من ثمن، وجزء من ذلك الثمن هو الصبر وعدم التنازل عن مبادئنا وهويتنا وقيمنا، على الرغم من وجود خيارات مفتوحة". وهو ما أكد عمق الخلاف بين الطرفين.
وفي حديث صحافي سابق، لأحد قياديي "كتائب الإمام علي" التابعة لمرجعية النجف، صباح الإزيرجاوي، كشف عن خلافات بين "فصائل العتبات المقدسة"، قاصداً بها الفصائل المرتبطة بالنجف مع نظيراتها في "الحشد الشعبي"، وهي خلافات إدارية، ولوجستية، وحتى فكرية وعقائدية. ولفت إلى أن "هناك مقاتلين عراقيين مع النظام في سورية وقد عاد قسم كبير منهم أخيراً، أما آخرون، وهم بضعة آلاف، فموجودون ولا أعرف من أين يحصلون على أموالهم بصراحة". في إشارة إلى قوات النجباء وكتائب حزب الله وبدر الخراساني، التي تقاتل منذ سنوات في مناطق سورية بتمويل إيراني ودعم من النظام السوري، واستغلال أموال الحشد الشعبي في العراق لصالح تلك الفصائل.
هذه الفئات المتخاصمة ترتبط مركزياً بالحكومة، لكنها تختلف من ناحية التمويل والأفكار والأيديولوجيات، وفصائل المقاومة الإسلامية تضمّ فصائل تأسست قبل فتوى السيستاني في عام 2014 (تأسيس الحشد الشعبي)، وهي تجد نفسها أحق من الآخرين بالتمويل والامتيازات، كونها قاتلت الوجود الأميركي بعد عام 2003، مثل بدر والعصائب وكتائب حزب الله العراقي. وهي في الوقت ذاته تمثل نفوذ إيران العسكري داخل العراق.
أسباب الخلاف
1- لقـد عانت قيادات العتبات ألوية الحشد المرجعي مـن مشاكل مالية ولوجستية أثرت على مستوى أدائه وكفاءته، وكان السـبب الرئيسي في تلك المشاكل هـو اختلال التوازن في توزيع موارد هيئة الحشد بعدالة بين ألوية الحشد الولائي وألوية الحشود الأخرى وخاصة ألوية العتبات المرجعية، فالطريقة التي تتخـذ بها القرارات مـن قبـل القيادات العليا العملياتية التنفيذية في هيئة الحشد الشعبي أدت إلى الشعور بالإحباط والتهميش لدى ألوية الحشد المرجعي والحشود الأخرى.
2- اتخاذ القرارات مـن قبل القيادات العملياتية في هيئة الحشد بصـورة تفتقر إلى الشفافية يحـرم قيادات الالوية الأخرى غـير المشتركين بالقيادة العليا من المشـاركة في اتخـاذ القـرارات كما يحرمهم مـن إبداء آرائهم حول بعض المسائل واقتراح حلـول للخروج من الأزمات.
3- وإن المعلومـات المتعلقـة بقرارات هيئة الحشد لا تعطى إلا بعد صـدور القـرار بواسـطة تقاريـر تصـدر عـن مكتب نائب رئيس الهيئة سابقا، أو رئيس اركان هيئة الحشد حاليا، وهي غـير كافية ولا تمكن باقي قيادات الالوية مـن معرفة المسائل المعروضة للنقاش. وإن عـدم المسـاواة في مشـاركة قيادات ألوية حشد المرجعية في قـرارات المفصلية لهيئة الحشد لا سـيما في قرارات تنظيم الهيكلية وانتخاب أبو فدك عبد العزيز المحمداوي يثـير التسـاؤل حول احترام هـذه المشـاركة وإذا كانت هناك مشـاركة فعلية فهـل ستكون الأفكار المطروحة مؤثرة في القرار الذي يؤخذ في معظم الأحيان خلف أبواب مؤصدة من قبـل القيادات الولائية المسيطرة على مناصب هيكلية هيئة الحشد. في هـذه الحالة، كما في حالات أخرى فـان التهميش الصـارم لقيادات حشد المرجعية لا يسـمح باستمرار العمل تحت هذه الهيكلية ولذلك ذهبت الى تسوية قابلة للتطور نحو الانفصال التام عن هيئة الحشد، حيث التحق في نيسان عام 2020 الوية العتبات إداريا وعملياتيا تحت القيادة المباشرة لمكتب القائد العام للقوات المسلحة.
4- الالوية الأخرى من الحشود غير الولائية فتحت نوافذ تواصل مع قيادة ألوية العتبات للانضمام اليها ربما لتشكيل جديد وبنفس غطاء هيئة الحشد الشعبي الغطاء القانوني والمالي، لأنها وخاصة سرايا السلام والحشود السنية لا ترى أي تقـدم حقيقي في هذه المؤسسـة حيـث لا يمكن للحشود المتوسـطة والحشود الصغـيرة أن تسـمع صوتهـا عـلى نحو كاف مما يشـكل انتهـاكا لقواعد التوازن داخل هيئة الحشد.
5- وقـد طالبت شخصيات دينية مرجعية بـأن يكون لقيادات الحشود غير الولائية دور مركزي من خلال إعادة تصحيح مناصب الهيكل التنظيم وخاصة المناصب القيادية العليا، مـن حيث تكوينه وطريقـة عمله ليصبح عادلا وأكـثر شرعية، وذلك مـن أجل تصحيح اختلال التـوازن بـين سـلطات الالوية والمديريات الرئيسية، لاسيما بين كل ألوية هيئة الحشد ومنصب رئيس اركان هيئة الحشد. ومـن أجل تحقيق هـذا الهدف، طالبت الشخصيات المرجعية الدينية أمثال السيد احمد الصافي والشيخ عبد المهدي الكربلائي بإعطـاء فرصة حقيقة لقيادات حشد المرجعية للإصلاح الجذري في تكويـن طريقـة عمـل الهيكل التنظيمي لهيئة الحشد، بتحسـين التمثيـل وجعلـه أكـثر عدالة وأكثر شرعية.
6- قيادة ألوية العتبات وقيادة سرايا السلام انتقدت انتشار المكاتب الاقتصادية التابعة للحشود الولائية وطالبت في أكثر من مناسبة في ازاحتها ومعاقبة الجهات التي تقف خلفها، ولا يمكن تبريـر وجود هذه المكاتب في المناطق المحررة بالتضحيات التي قدمتها تلك القوات، وأن عدم وجود رقابـة لتلك المكاتب الاقتصادية بحجة أنه جهات سياسية لا تخضع لرقابة هيئة الحشد الشعبي. فالحشود الولائية هي من تحمي بعض من تلك المكاتب.
7- المشـكلة الرئيسـية في توطين الرواتب الخاصة بقوات هيئة الحشد وفي استخدام فصائل ولائية لا تنتمي لألوية هيئة الحشد لقدرات وموارد هيئة الحشد، وأيضا في الالوية الولائية الهجينة، التي لديها جناح سياسي واخر حكومي واخر داخل الحشد واخر خارج هيئة الحشد مرتبط بمشروع محور المقاومة العابر للحدود الوطنية.
في ضـوء ذلـك تظهـر الحاجـة إلى ضرورة تعديـل الامر الديواني 331 لتنظيم هيكلية هيئة الحشد، حتـى يتمكن القائد العام للقوات المسلحة مـن بسـط سـلطتها مـن خلال مراقبـة أعـمال المناصب القيادية العليا في هيئة الحشد.
عقبات إصلاح الهيكل التنظيمي لهيئة الحشد
الصورة واضحة مـن خلال عـدم الاتفاق على المستوى الداخلي حول مسألة إعادة الهيكلة وعدم الاتفاق يشـكل عقبة حقيقية أمـام تعديل الهيكلية المقترحة في الامر الديواني 331.
المناقشـات التـي دارت خلال أروقة الحشد منذ عام 2018 بـدأت بالفعـل مـن التصريحات المبكرة مـن قيادات العتبات وسرايا السلام بالرفـض، العدالة في تقسيم المناصب في هيكلية الحشد، والتشاركية الأكـثر شمولا، التوازن في تقسيم المناصب، لاتزال مسـألة في غاية الأهمية.
بنـاء عـلى المعطيات السابقة نستطيع أن نتفهـم المطالبـات بإعادة توزيع المناصب على قيادات الحشود وبعدالة علي أسـاس اسـتراتيجي لابد منه، حيث تكون حصة القيادات الولائية تناسب حجم مواردهم البشرية وهو ما يقارب ٣٥٪ ، وال ٦٥٪ تتقاسمها باقي الحشود فيما بينها بعدالة. ولعل أبرز العقبات ستكون:
1- إشكالية الاستقلالية للحشود التي لها ارتباطات سياسية وعسكرية داخلية وخارجية، قـد يؤدي إلى شلل هيئة الحشد بسبب زيادة احتـمالات المصالح المتضاربة مـع زيادة نسبة المناصب لقيادات الحشد الولائي، ما يؤدي إلى استعمال حـق النقض بطريقـة معيبة للمحافظـة عـلى مصالحهم ومصالـح حلفائهم وخاصة مـع وجود التناقضات بـين اقطـاب القيادات المرجعية واختلاف في وجهـات النظـر عـلى القضايا الدولية.
2- نزع سلاح الفصائل واحتكاره بيد الدولة، بالإضافة الى مشاكل الرتب العسكرية والعمر والتحصيل الدراسي والتصنيف العسكري القتالي واللوجستي.. هذه العقبة قـد تحول قوات هيئة الحشد الشعبي إلى مـسرح للنقاشـات الطويلـة والعقيمـة ولا يؤدي بالنتيجـة إلى اتخـاذ قـرارات حاسـمة وسريعة.
3- هنا لابد ان ننظر الى إمكانية انسجام هذه القيادات تحت قانون ٤٠ لعام ٢٠١٦، هـل قيادات الحشد الولائي مستعدون لإعـادة تقاسـم الامتيـازات التـي يتمتعـون بهـا مـع الأعضـاء الجـدد المقترحين خاصة حق القرار ونقض القرا، ومـع فصائل وحشود كانـت خصما ومنافسا في السـابق وأصبحوا أصدقاء في الوقت الحالي؟
4- يتعلـق النقـاش الحالي بالعلاقـة بـين أبو فدك عبد العزيز المحمداوي وميثم الزيدي، وهـل يستطيع أي منهـما تجـاوز الآخر. كما ذكرنا، تفضـل الالوية الولائية التسوية الأخيرة لكن بشرط ان تبقى ألوية العتبات خاضعة قانونيا ومالية لهيئة الحشد الشعبي، وأن تضع قواتهـا تحت إمـرة مكتب القائد العام للقوات المسلحة إداريا وماليا.
بمعنى آخر لا تسـتطيع قيادات العتبات وميثم الزيدي تجـاوز قيادات الحشد الولائي وأبو فدك. بالرغـم مـن ذلـك فـإن الحشد الولائي بحاجـة إلى حشد المرجعية كأداة ضروريـة لتبرير وجود هيئة الحشد الشعبي دينيا وعلاقة تأسيسه بفتوى 13 حزيران 2014 الصادرة من مرجعية النجف والتي اشتهرت بفتوى "الدفاع الكفائي".
فقـد كشـفت تصرفـات اعلام الحشد الولائي في السـنوات الستة الماضية أنها تستخدم الفتوى المرجعية لإضفـاء الشرعية الدينية على سياساتها القتالية، ولكـن السـؤال الآخـر المطـروح هـل تسـتطيع الحشود غير ولائية تجـاوز حاجتها للحشود الولائية قياديا وعملياتيا وامنيا واستخباراتيا ومهنية وعلاقات سياسية وقوات خاصة وتصنيع عسكري؟
التحالف الدولي والفصائل الولائية
المصادر الرسمية للفصائل الولائية مثل كتائب حزب الله العراق والنجباء وسيد الشهداء وجند الإمام، منذ آذار/مارس 2015 تنشر البيانات والإدانات وبعض الفيديوهات والصور عن استهداف الأمريكان لمقاتليهم بطرق مباشرة وغير مباشرة.
معظم تلك البيانات والوثائق التي طرحت في الاعلام العراقي، أخضعت للتحقيقات الفنية والعسكرية المختصة، وأعلن د. العبادي بصفته القائد العام للقوات المسلحة في غير ما مناسبة عدم صحة تلك الوثائق وأنها لا تخص الميدان العراقي وبعضها مقتطع من افلام سينمائية، وهي لا تصلح ان تكون دليلًا.
التقارير المنشورة في مراكز أبحاث ودراسات وصحف غربية؛ كانت تؤكد ان بعض الفصائل هي من أشعل فتيل الاستفزاز دون أهداف محددة في توجيه الاتهامات غير المبرهنة او المسندة بأدلة ذات مصداقية، وارتفعت تلك الاتهام بعد اعلان الولايات المتحدة في أيار/مايو 2018 عقوباتها الاقتصادية على ايران.
وكان من شأن اعادة الولايات المتحدة نظرها في انتشار قواتها في الجغرافيا السورية وخاصة في مناطق الشرق المحاذية للعراق، وان تقطع طريق طهران-بيروت، وتستهدف نفوذ الفصائل الولائية من الجنسيات غير السورية داخل سورية وخاصة العراقية واللبنانية منها، وغض النظر عن الغارات الاسرائيلية.
توسعت أهداف الغارات المجهولة احيانا والاسرائيلية المعلنة في احيان اخرى، داخل الأراضي العراقية في استهداف ممنهج لقوات الفصائل الولائية لمخازنها ومقراتها وكان اشدها استهداف معسكرات؛ آمرلي، وجنوب بغداد، وبلد، والقائم، في الفترة بين تموز/يوليو 2019 ولغاية أيلول/سبتمبر 2019.
تلك الغارات الاسرائيلية دفعت قيادات الفصائل الولائية والأحزاب السياسية الشيعية ان تحمل الولايات المتحدة والتحالف الدولي كامل المسؤولية لانها تملك النفوذ الأكبر على الأجواء العراقية، الولايات المتحدة تحدثت انها لا تعلم عن الجهة التي نفذت، ولو كانت اسرائيل فأن اعتدائها مبرر!
الفصائل الولائية عاملت الوجود العسكري للولايات المتحدة بالعراق بالمثل، من خلال استخدام خلايا الكاتيوشا مجهولة المصدر والجهة المنفذة، فكما تتحدث الولايات المتحدة عن جهلها بالجهة التي تستهدف مقرات الفصائل، فكذلك الفصائل تتحدث عن عدم مسؤوليتها وعن عدم علمها بالجهة المنفذة!
ومنذ تشرين الثاني/اكتوبر 2019 ولغاية 15 آذار/مارس 2020؛ ارتفعت عمليات خلايا كاتيوشا المجهولة حتى بلغت نحو 58 عملية استهدفت الوجود العسكري والمدني للأمريكان وقوات التحالف الدولي، ثم ظهرت ثلاثة تنظيمات لم تعرف بخلفيتها الفصائلية تتبنى عمليات قصف معسكر التاجي ومعسكر بسماية.
وتبنت عمليات استطلاع بطائرات درون لتصوير مقر السفارة الأمريكية في بغداد وقاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة علي السالم في الكويت، هذه التنظيمات هي عصبة الثائرين واصحاب الكهف، وقبضة الهدى، جميعها تزعم انها في حرب وليست في هدنة مع القوات الامريكية وقوات التحالف الدولي في العراق.
وبحسب بيانات نشرت على حسابات تتبع تلك التنظيمات تتضمن شعار يحمل اسم " المقاومة الإسلامية" ونصوص قرآنية، وشرح لمواقف تلك التنظيمات بعبارات مختلفة لكن بمعنى واحد؛ ان السلاح وحده من يحسم قرار انسحاب القوات الامريكية والتحالف الدولي، ولا يعدو ما تفعله السياسة سوى تمديد وجود القوات!
قيادة التحالف الدولي وبحوارات مباشرة مع القيادة المشتركة العراقية نسقت انسحاب قواتها من 9 معسكرات وقواعد مشتركة عراقية، وإعادة انتشار وتموضع قواتها في ثلاثة قواعد، ونشرت وفعلت منظومتين لصواريخ الباتريوت واحدة في الأنبار وأخرى في أربيل للتصدي لصواريخ الباليستية الإيرانية.
ونشرت منظومة الدفاع الجوي c-ram المضادة لصواريخ الكاتيوشا وقنابر الهاون، وأصبحت القوات في منطقة لها حرم 50-70 كم يمنع تقرب قوات الفصائل الولائية بحيث تكون عرضة الى ردعها باستخدام القوة المميتة اذا ما حاولت التقرب، خاصة في المنطقة المحيطة بقاعدة عين الأسد غرب الأنبار.
رجح المتحدث باسم التحالف الدولي مايلز كاغينز، استئناف مهام تدريب القوات العراقية بعد انتهاء شهر رمضان، والتحالف الدولي دعم العراق بأكثر من أربعة مليارات دولار والمئات من الآليات العسكرية والشاحنات، إضافة إلى مساعدة القوة الجوية العراقية.
خلايا الكاتيوشا بحسب تحليلات الاعلام الولائي تعلن انتصارها واجبار بعثات قوات التحالف الدولي على الانسحاب، وتسخر من تعليق قيادة التحالف الدولي انسحابها بإجراءات الحد من انتشار فيروس كورونا، لكن الواقع يقول ان إيران خسرت قدراتها على تهديد اسرائيل والسعودية عبر الأجواء العراقية!
وقد خسرت الفصائل الولائية حريتها في إنشاء المعسكرات واستخدام مخازن السلاح بعناوينهم المعروفة وضعفت قدراتها على التصنيع، وتقيدت حركاتها وتنقلاتها، ووضعت قياداتها على قوائم العقوبات الاقتصادية والارهابية وأصبحت القيادات تعاني من تقييد حريتها في التنقل خاصة بعد حادثة مطار بغداد.
وقبل عملية اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس مطلع العام الحالي كانت القيادات المهمة تركن إلى طمأنينتها أن الولايات المتحدة لن تجرؤ على استهداف قادة الصف الأول، وهذا يعني أنهم كانوا يتعاملون مع أمنهم الشخصي باللامبالاة.
الولايات المتحدة وضعت مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن محمد كوثراني المنسق السياسي بين حزب الله اللبناني والأحزاب السياسية العراقية وله صلات عميقة مع الفصائل الولائية، والمعروف عنه أنه لا يهتم كثيرا لأمنه الشخصي خلال تواجده في العراق، وقد يكون أسهل استهدافا من قبل الدرونز.
الشيخ الكوثراني ربما سيغير من وضعه على مستوى أمنه الشخصي وسيكون أكثر تخفيا في زياراته للعراق، ولا توجد أي نية لتسليم الحكومة العراقية كوثراني إلى الولايات المتحدة الأميركية، في حال دخل الأراضي العراقية، فبغداد غير مرتبطة باتفاقية ثنائية لتسليم المطلوبين إلى واشنطن!
مهمة كوثراني في العراق عبارة عن منسق سياسي بين حزب الله اللبناني والبيت السياسي الشيعي بكل أطرافه، وهو أيضا كان له دور في إجراء مصالحات بين شخصيات من السنة والقوى السياسية الشيعية من السياسيين، الذين تفاقمت الفجوة بينهم، وكوثراني ساهم بشكل كبير بإجراء هذه المصالحة.
وعرضت الولايات المتحدة الأميركية، عشرة ملايين دولار مقابل معلومات عن كوثراني، قد تكون واشنطن لديها معطيات بأنه قام بأعمال عدائية وأحد هذه المعطيات أنه قد يكون شارك مع جهات مسلحة في قمع تظاهرات 2019، او ربما لدوره الأخير بملء الفراغ الذي تركه الفريق قاسم سليماني في العراق.
ومن قبل فرضت الولايات المتّحدة على أحمد الحميداوي الأمين العام لكتائب حزب الله، المقرب من الحرس الثوري، وذلك بهدف "تشديد الضغوط" على طهران ومنعها من الالتفاف على العقوبات الاقتصادية بمساعدة حلفائها العراقيين، واضعاف قدرتها على تهديد المصالح الامريكية والغربية في العراق.
وكذلك فرضت عقوبات على عدنان يونس الحميداوي قائد العمليات الخاصة في كتائب حزب الله، ولكن من يراقب العقوبات الاقتصادية يجد أنها لم تضر بالموارد الاقتصادية للفصائل الولائية ولا تبدو أنها قد تأثرت بشكل عميق بحيث يحد من نشاطاته العسكرية، وحتى الضربات الجوية لم تنهي قدرتهم العسكرية.
ونفوذ الفصائل الولائية أخذ بالتنامي والتوسع في حكومة عادل عبد المهدي، فلديها اعلام غير مقيد وجناح سياسي مشترك في البرلمان ومناصب حكومية هامة وتمويل ذاتي كبير بالإضافة الى شبكة استثمارات داخلية وخارجية ولديها غطاء حكومي يوفر لها الحماية وعدم الملاحقة القضائية والأمنية.
كتائب حزب الله وكتائب سيد الشهداء بعد ان اختير ا.الكاظمي مرشحا لرئاسة الوزراء؛ خالفت الإجماع السياسي الشيعي وكذلك شبه اجماع الفصائل الولائية في قبول ترشيحه.
وهي من قبل خسرت انسجامها مع رئاسة هيئة الحشد الشعبي وقيادة قوات ألوية العتبات وقيادة قوات سرايا السلام.
هذا الانقسام داخل بيت الفصائل الولائي، يميز بين فئتين؛ فئة ولائية ترى الحل بالسلاح وليس هناك المزيد من الوقت للسياسة او للدبلوماسية لإخراج القوات الأجنبية، وفئة ولائية ترى هناك المزيد من الوسائل الدبلوماسية والقانونية قبل اتخاذ قرار الحرب واستخدام السلاح لإخراج القوات الأجنبية.
المقترحات
يتضـح مـما سـبق أن التشـكيل الحـالي لهيكلية هيئة الحشد الشعبي لم يعـد يتفق مع النظام السياسي الحالي وما اعـتراه من تغـيرات، فالمعترضين على هيكلية الحشد اليـوم أكـثر بكثـير مـما كانـوا عليه عند إنشـائها. وهـي تواجه في الوقـت الحالي العديـد من الأزمات عـلاوة على أن الـدول الكبرى الغربية والعربية تحث العراق على حل هيئة الحشد او تحجيم أدوارها وصلاحياتها او تقليص مواردها البشرية او مراجعة عمليات دمجها مع القوات النظامية او اعتبارها قوات احتياطية تستدعى عند الحاجة مع راتب تقاعدي منصف.. فالهيكلية الحالية للحشد الشعبي لا تعبر عـن التغـيرات الدراماتيكيـة السياسـية والاقتصاديـة الحاليـة ولا بـد مـن تعزيـز فاعليـة الحشود الأخرى الولائية في زمن يشـهد أزمـات متعددة ومتشـعبة منهـا الإرهـاب الـدولي والصراعات الداخليـة والدوليـة وزيادة الفقـر، وكل ذلـك يؤثر عـلى ضرورة إعادة هيكلـة هيئة الحشد.
وفي النهاية يجب وضـع معايير محددة وواضحة لمناصب هيئة الحشد الشعبي والجوء إلى استخدام القانون العسكري ضد المتمرد، وتنشيط دور أمن وقانونية ومفتشية الحشد لغلق المكاتب الاقتصادية ومعاقبة المخالفين ومنع العمل السياسي والحزبي.
حتى تسـتطيع هـذه الهيئة لعب دورها داخل جسد الدولة العراقية وبشكل منسجم مع قانون ودستور العراق. كما يجب إخضاع أعمال هيئة الحشد للرقابة المالية والإدارية مـن خلال تفعيل دور الرقابة الحكومية والبرلمانية في هذا الاتجاه للحيلولة دون إصدار قرارات غـير شرعية تخالف أحكام القانون العراقي.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً