تشهد الساحة السياسية العربية تطورات متسارعة مع التحضيرات لانعقاد قمتين عربيتين خلال الأشهر القادمة. الأولى هي قمة طارئة في القاهرة يوم 27 شباط الجاري والثانية هي القمة العربية الدورية في بغداد أواخر نيسان المقبل.
تأتي هاتان القمتان وسط تصاعد الأزمات في المنطقة، لاسيما مع استمرار الحرب في غزة، وارتفاع حدة التوترات الإقليمية، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها بعض الدول العربية، وعلى رأسها لبنان وغزة.
لكن السؤال الأهم: ما الذي يمكن أن تحققه هذه القمم؟ وما المكاسب التي يمكن للعراق أن يجنيها من استضافته للقمة العربية الدورية؟.
يبدو أن النوايا الظاهرة لعمل القمة الطارئة في القاهرة تهدف إلى وضع فلسطين في صدارة المشهد. فمن المقرر أن تعقد القمة العربية الطارئة في القاهرة برئاسة مملكة البحرين، التي ستتولى رئاسة القمة العربية لهذا العام، وذلك لبحث تطورات الأوضاع في فلسطين، ورفض أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، بالإضافة إلى التأكيد على ضرورة إعادة إعمار غزة.
كما تسعى القمة إلى تكثيف الجهود لتعزيز الموقف العربي الموحد تجاه القضية الفلسطينية، خاصة في ظل الضغوط الإسرائيلية والأميركية الساعية إلى إعادة رسم معادلة جديدة في القطاع، تقوم على فرض ترتيبات أمنية وسياسية قد تؤدي، على المدى البعيد، إلى تقليص الوجود الفلسطيني فيه.
لاشك أن هذه القمة ستكون اختباراً لقدرة الدول العربية على توحيد صفوفها في مواجهة التحديات التي تهدد القضية الفلسطينية، لكن يبقى السؤال: هل ستترجم البيانات إلى أفعال؟ وهل ستحدد آليات واضحة لإعادة الإعمار وتمويل المشاريع في غزة؟ تبقى الإجابات مرهونة بالمواقف العملية التي تتعامل مع الواقع المتدهور، لاسيما في غزة وبيروت.
على الجانب الآخر فإن القمة العربية الدورية التي كان من المقرر عقدها في آذار ببغداد تأجلت إلى أواخر نيسان بسبب توافق موعدها الأول مع شهر رمضان. هذه القمة ستكون محطة سياسية مهمة للعراق، حيث يسعى إلى تثبيت موقعه في الخارطة السياسية العربية، وتعزيز دوره كحلقة وصل بين الأطراف المتصارعة في المنطقة.
تاريخياً لم يكن العراق لاعباً نشطاً في السياسة العربية بعد 2003، حيث ظل يعاني من حالة من العزلة الإقليمية نتيجة الحروب والتدخلات الخارجية وعدم الاستقرار الداخلي. لكن خلال السنوات الأخيرة، حاولت بغداد العودة إلى المسرح العربي من بوابة استضافة القمم وتفعيل دبلوماسيتها الإقليمية، خصوصاً عبر دورها في الوساطة بين إيران ودول الخليج، ومحاولات تحقيق التوازن بين القوى المتصارعة في المنطقة.
القمة العربية في بغداد ليست مجرد حدث دبلوماسي عادي، بل هي فرصة للعراق لإعادة تقديم نفسه كدولة قادرة على لعب دور إقليمي أكبر. ومن المتوقع أن تتناول القمة قضايا مثل:
أولا: الأزمة في غزة ومستقبل العلاقات العربية-الإسرائيلية.
ثانيا: الوضع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد، وإمكانية دعوة أحمد الشرع للحضور.
ثالثا: مستقبل لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية، والدور العراقي في دعمه بالنفط لتشغيل محطات الكهرباء.
رابعا: تعزيز التعاون الاقتصادي العربي لمواجهة التحديات العالمية.
الموقف الدولي: كيف تنظر القوى الكبرى إلى القمتين؟
أ- الولايات المتحدة: حيث تسعى واشنطن إلى ضمان عدم اتخاذ القمم العربية قرارات تصعّد التوتر مع الكيان الاسرائيلي، وربما تحاول الضغط على بعض الدول العربية لعدم إصدار قرارات قوية ضد السياسات الإسرائيلية. لكنها في الوقت ذاته تدرك أن الوضع في غزة يحتاج إلى حلول، وقد تدعم بعض الجهود الإنسانية.
ب- الكيان الإسرائيلي:
من المتوقع أن تعارض إسرائيل أي قرارات قد تؤدي إلى تعزيز الموقف الفلسطيني، لا سيما تلك التي تتعلق بإعادة الإعمار والاعتراف بالدولة الفلسطينية. كما أنها ستراقب التحركات العربية خوفاً من أي تصعيد دبلوماسي ضدها في المحافل الدولية.
ت- الجمهورية الإسلامية الإيرانية: ترى طهران في القمم العربية فرصة لتعزيز خطابها الداعم للقضية الفلسطينية، لكنها قد تستغل الانقسامات العربية لتمرير رسائل سياسية لصالحها.
ث- تركيا: تسعى أنقرة إلى أن تكون جزءاً من أي جهود إقليمية لإعادة إعمار غزة، وقد تحاول التقرب أكثر من الدول العربية من خلال هذه القمم.
فيما يخص إعادة إعمار غزة ستكون واحدة من أكبر التحديات التي ستناقش في القمم المقبلة، حيث تشير التقديرات إلى أن إعادة بناء البنية التحتية والمنازل المدمرة قد تحتاج إلى عشرات المليارات من الدولارات، وتستغرق ما بين 5 إلى 10 سنوات. لكن العقبة الكبرى تكمن في:
أولا: تأمين التمويل اللازم وسط عزوف بعض الدول العربية عن تقديم الدعم.
ثانيا: التحديات الأمنية والسياسية التي قد تعرقل مشاريع إعادة الإعمار.
ثالثا: القيود الإسرائيلية التي قد تمنع إدخال المواد اللازمة إلى القطاع.
لذلك، فإن أي قرارات ستخرج من القمتين تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية لضمان تنفيذ المشاريع بدلاً من الاكتفاء بالبيانات الإعلامية.
بالنسبة للعراق فإن القمة الدورية ليست مجرد تجمع سياسي، بل فرصة لتحقيق مكاسب ستراتيجية:
- تعزيز صورته كدولة مستقرة: استضافة قمة عربية بهذا الحجم تؤكد أن العراق قادر على لعب دور إقليمي فاعل بعد سنوات من عدم الاستقرار.
- كسب دعم عربي اقتصادي: قد يتم التوصل إلى اتفاقات اقتصادية تساهم في دعم العراق في مجالات الطاقة والبنية التحتية.
- تقوية موقفه في ملفات إقليمية حساسة: كالقضية الفلسطينية، وسوريا، ولبنان، وإعادة ترتيب علاقاته مع دول الخليج.
- تأكيد استقلالية القرار العراقي: وسط التجاذبات بين النفوذ الإيراني والأميركي، فإن نجاح القمة في بغداد سيعزز من موقع العراق كوسيط متوازن.
السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه في خاتمة المقال: هل ستختلف هذه القمم عن سابقاتها، أم ستبقى في إطار البيانات والتصريحات دون ترجمة فعلية على الأرض؟
تبقى التساؤلات قائمة حول مدى قدرة القمم العربية على تحقيق نتائج ملموسة، وليس مجرد بيانات دبلوماسية لا يتم تنفيذها. القمة الطارئة في القاهرة قد تشكل خطوة أولى نحو موقف عربي موحد تجاه القضية الفلسطينية، فيما تمثل القمة الدورية في بغداد فرصة للعراق لإعادة تثبيت نفسه كلاعب إقليمي مؤثر.
لكن كما تعلّمنا من القمم العربية السابقة، فإن البيانات وحدها لا تكفي، وما سيحدد نجاح هذه القمم هو قدرة الدول العربية على اتخاذ قرارات قابلة للتنفيذ، تتجاوز الخلافات السياسية، وتترجم الأقوال إلى أفعال على الأرض.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً