موجز تاريخ الدم في العراق

08-02-2023
معد فياض
معد فياض
A+ A-

معد فياض

لو نتأمل تاريخ العراق الحديث سنجده عبارة عن روزنامة انقلابات عسكرية وحروب داخلية وخارجية ومؤامرات وخيانات حزبية وغزوات للاجهزة الامنية على بيوت المواطنين واعتقالات ومحاكم ثورية واعدامات. تاريخ بلون الدم ايقاعه اصوات الرصاص والقنابل والمظاهرات التي يصرخ المشاركون فيها مطالبين بـ"الاعدام".. في محكمة محاكم المهداوي تراقصت فيها الحبال مع صراخ مسعور"اعدم..عبد الكريم اعدم"، ثم، في عهد البعث، الهتافات كانت تطالب بـ"اعدام الجواسيس" واهزوجة"ماكو مؤامرة اتصير والحبال موجودة".

لنبدأ منذ العهد الملكي، 1921، حيث استهل الحرب ضد الكورد وشن اعنف الحملات العسكرية ضد قرى ومدن كوردستان، واستمرت هذه الحرب الا شرعية واللا انسانية حتى عام 2003. انتهى عهد الحكم الملكي على ايدي العسكر باول انقلاب عسكري  في فجر 14 تموز عام 1958 الدموي وبقيام العسكر المهووسين بالسلطة، بقيادة العقيدين عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، بقتل العائلة المالكة بكل وحشية من اجل السيطرة على مقاليد البلاد والعباد.

ومع تغيير نظام الحكم من ملكي الى جمهوري، شكل الحزب الشيوعي العراقي ميليشيا أطلقت على نفسها اسم "المقاومة الشعبية" وقد ظهرت هذه الميليشيا 1958، لم يكن قاسم شيوعياً بل لم يكن صاحب عقيدة سياسية، لكن الشيوعيين ساندوه فأطلق أيديهم وارتكبوا المجازر حيث امتد نهر الدم  من الموصل وكركوك وحتى بغداد وفي أماكن متفرقة من العراق، وتضاعفت أعداد أفرادها بحجة حماية النظام و"الثورة" ثم حلها قاسم بعد ابتعاده عن الشيوعيين.

ازاح قاسم قاسم رفيقه عارف عن السلطة ليتحالف الثاني مع البعثيين ويعدموا قاسم في احد استوديوهات اذاعة بغداد في مثل هذا اليوم، 8 شباط عام 1963، وليشكل حزب البعث ميليشيا اجرامية اطلق عليها تسمية"الحرس القومي" التي انضم اليها ابناء الشوارع ومجرمين وشباب طائشين اعاثوا القتل والاعتداءعلى كل من يعتقدون انه معادي للبعث او للفكر القومي العربي الشوفيني وكانوا يعدمون الشباب في الشوارع وامام اعين اهاليهم.

نعم تاريخ ملطخ بدماء العراقيين والقتل والاختطاف والانقلابات والحروب ضد الكورد، حتى 17 تموز عام 1968 عندما تآمر ضباط الحرس الجمهوري المكلفين بحماية الرئيس عبد الرحمن عارف ضد الرئيس بالتعاون مع البعثيين الذين اطاحوا بعد 13 يوم، في 30 تموز، بمن تعاونوا معهم في انقلاب 17 تموز ومن ثم اغتيالهم، ليبدأ تاريخ اكثر دموية مفرداته الاعدامات والتغييب والحروب الداخلية والخارجية وعلى مدى 35 عام.

في عهد صدام حسين كان كل العراق قد ارتدى البدلة الخاكية قبل الحرب العراقية الايرانية في ايلول 1980،العسكرة غزت كل شيء، ايامنا وكتبنا ولغتنا وموسيقانا قصصنا ،قصائدنا واغانينا واحلامنا ونسائنا واطفالنا، وقبل ذلك بكثير، اي منذ السنوات الاولى التي سيطر فيها حزب البعث على السلطة وعلى العراق والعراقيين، كان الخاكي قد عمم على قوات الجيش الشعبي، ميليشيا بعثية انظم اليها قسرا وقسرا وطوعا شباب وشابات وشيوخ ونساء من مختلف الاعمار، كانوا يتدربون في ابنية المدارس ، على الاسلحة بعد نهاية دوامهم الرسمي في دوائر الدولة على ايدي عرفاء في الجيش العراقي، ثم يخرجون في جوقات مهرولة بالشوارع وبين الناس وهم يصرخون مرددين انشودة للفدائيين الفلسطينيين شاعت بعد نكسة حزيران 1965،يقول مطلعها "طالعلك ياعدوي طالع..من كل بيت وحارة وشارع"، ولا ندري اي عدو كانوا يعنون.وعلى مدى عصر البعث كان هناك أعداء وليس عدوا واحدا، أعداء حقيقيون او متخيلون او مختلقون، حتى الكورد العراقيين كانوا بالنسبة للسلطة أعداء. العراقيون انفسهم كانوا موضع شك دائم للنظام وهم أعداء محتملون، بل حتى قادة حزب البعث الكبار من ضباط عسكريين ومدنيين اتهمهم صدام حسين عام 1979، بعد يومين من تسلمه او سلبه للسلطة من الرئيس احمد حسن البكر، بالخيانة واضطلاعهم بمؤامرة مصطنعة ضده وضد الحزب في حادثة عرفت بـ "محكمة قاعة الخلد" والتي راح ضحيتها ما يقرب من ستين من الحرس القديم في الحزب بلا محاكمة. هذا غير العدو الصهيوني والفارسي والكويتي والسعودي والشيوعي.

اليوم، 8 شباط، وبعد مرور 60 عام على حركة او انقلاب شباط 1963، ينظر الشيوعيون لهذا اليون بحزن بينما يعتبره البعثيون ثورة للتخلص من حكم قاسم . وبعيدا عن كل المسميات فان تاريخ الدم في العراق الحديث هو رزنامة البلد وملخص احداثه السوداء التي لم تنته بالقضاء على نظام صدام حسين..بل بدأت فصول تاريخ دكوي جديدة من الانفجارات والقتل والاختطافات على ايدي الميلشيات..وما يزال.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

عامر عبدالجبار اسماعيل

مشكلة الطلبة والطموح الطبي تعالج عندما نفكر خارج الصندوق

تداول الاعلام خلال الايام الماضية دعوات من قبل شخصيات علمية وذات مناصب مهمة في المجتمع الطبي والصيدلاني medical and pharmaceutical community تضمنت حث الطلبة على عدم الدخول في مجال الطب والصيدلة في العراق من خريجي الدراسة الاعدادية لأسباب منها: عدم وجود تعيينات حكومية مستقبلاً، وان نصائح الماضي لا تصلح للمستقبل.