مفهوم الأمة الديمقراطية بين الواقعِ والجدل

07-02-2023
حسين أحمد
الكلمات الدالة الأمة الديمقراطية
A+ A-
لعل من أعقد المواضيع والمصطلحات السياسية تشابكاً وتداخلاً هي مفاهيم العملية السياسية وتعقيداتها من جهة، وعلاقاتها المتشعبة مع علم الاجتماع ومفاهيمها من جهة أخرى، وقبل البحث والاستنتاج في أي مفهوم سياسي ينبغي الغوص في المفهوم والتعريف السليم للظاهرة الاجتماعية، حيث أن حقل المعرفة المجتمعية زهيد جداً لدرجة الافتقار إلى المعرفة السليمة لعلاقة تطور الإنسان بتطور المجتمع والسعي لتجديد المفاهيم المعرفية. 
 
وبقدر ما يلعب المجتمع دوراً في تطور الفرد فإن هذا الفرد هو نفسه من يشكل في حالات كثيرة حجر عثرة في طريق تطوره أيضاً، ومن هنا يمكننا أن نسلط الضوء على مفهوم بغاية الأهمية في المجتمع، وهو مفهوم الأمة الديمقراطية كحل لأزمة الصراع الدموي في العالم نتيجة الحروب والإبادات التي تواجه الإنسان في ظل نضال الأمة التي تسعى إلى الدولة والدولة الرامية إلى بسط السلطة سواء بالقوة أو الديمقراطية، وأن التعايش المشترك بين الشعوب ضرورة حياتية لحماية مستقبل البشرية من خطر دعوات الكراهية والعنف والإقصاء على أسس دينية ومذهبية أو عرقية، وهنا يستوجب على الجميع توحيد الجهود لتعزيز فكرة التعايش المشترك السلمي والمدني. 
 
الأمة الديمقراطية: 
 
مصطلح ومفهوم اجتماعي وسياسي وقانوني يتفق معظم الدارسين، والباحثين أن الأمة تعريفاً هي صفة تطلق على جماعة بشرية تقطن منطقة جغرافية تشترك في اللغة والثقافة والعرق والمصالح الاقتصادية والأهداف وغيرها.
 
المشاريعُ السياسيّةُ لحلِ القضيَةِ الكورديَةِ: 
 
في المشهدِ السياسي الكوردي عدة مشاريعَ لحل القضيةِ القوميةِ للشعبِ الكوردي، ومن خلالِ قراءةٍ سريعةٍ للقوى السياسيةِ ومشاريعِها سوفَ نجدُ أنَّ كتلةَ البارتي المتمثلةِ بالحزبِ الديمقراطيِّ الكوردستاني باشور وحلفائهِ من القوى والأحزابِ الكوردستانيةِ صاحبةُ المشروعِ القوميِّ في بناءِ الدولةِ الكوردية القوميةِ .
 
أما المشروع الآخر فهو مشروع حزبِ العمالِ الكوردستاني الذي يتجسد في مشروع "الأمة الديمقراطية" ونظامِ الإداراتِ الذاتيةِ والكانتوناتِ حيث يرى أن عصرَ الدولةِ القوميةِ قد بات غير مجديا في هذه المرحلة وأن أفضلَ الصيغِ السياسيةِ لحل أزمة شعوبِ المنطقةِ هو العملُ وفقَ نظامِ المجالسِ والكانتوناتِ الديمقراطية وذلكَ على غرارِ نظامِ الكانتوناتِ المعمولِ بها في أوربا الغربيةِ وسويسرا والاتحاد السوفيتي السابق .
 
العودةُ إلى إرادةِ الشعبِ: 
 
بالنسبة لمشروعِ الأمة الديمقراطية، وبكونه الحلُّ الأمثلُ لشعوب المنطقةِ بأسرها بحجّةِ وجود قوميات أخرى في ارض كوردستان وبالتالي رفضِ الشعوب الأخرى للمشروع القومي ومفهوم الدولة القومية، بأنه قد مضى آوانُ الدولة القومية بذريعة أنها ستزيد من الحروب والويلات. ونكتشف أن ما ذهب إليه أصحاب هذا المشروع يحتاج إلى دراسة وبحث مطول في هذا الشأن، فالتجاربُ الدوليةُ التاريخيةُ مثل الاتّحادُ السوفيتي السابق ومشروعها ألأممي ويوغسلافيا وتشيكوسلوفاكيا وسويسرا نماذج أثبتتْ أن هذه النظرية بحاجة إلى بحث عميق وشرح أسباب تفككها، ولماذا انهارت تلكَ الدول ولم تستطيع الاستمرار ولذلك أنشئتْ على أنقاضِها دولٌ قوميةٌ، فميول السلطة المركزية إلى بسط هيمنتها على حساب السيادات الديمقراطية المحلية أدت إلى التفكير والتحليل للوصول إلى حلول أكثر جدية، فكان مشروع الحل في الأمة الديمقراطية، وهذه الرؤية النظرية كانت وما تزال منذ التاريخ تشكل جزءاً من ثقافتنا السياسية والشعبية. إن تحقيق مثلِ هذا المشروع الذي يعد نظرية في مرحلة من مراحل التطور يتطلب الكثير من الجهد والعناء للارتقاء بمستوى الوعي لدى الفرد ضمن المجتمعات التي تكرست في ذهنيتها مفاهيم العنصرية والتعالي والديكتاتورية لذا يتطلب من الإدارة الذاتية الكثير من العمل لإزالة الصورة النمطية السائدة للتفكير المجتمعي، وعليها أن تسعى دوماً إلى تعزيز مفهوم التشاركية لإدارة المجتمع عبر الوسائل الديمقراطية والتعددية من خلال الكومونات والبلديات والرئاسات المشتركة التي قادت المجتمع بالتساوي، ونستطيع القول بأن هذه التجربة كانت الأولى على مستوى الشرق الأوسط سعياً منها لطمس معالم التفرد والهيمنة في السلطة، وأثبتت عبر تجربتها القصيرة إيجابية المشروع، من خلال الاستفادة القصوى من الطاقات البشرية الكامنة داخل كل فرد من أفراد المجتمع. أعتقد أن مصطلح الأمة الديمقراطية ولد خلال تجارب نمت في القيادة السياسية، إذ لا يوجد هناك من يناضل لأجل المشروع القومي وبالتالي ماهي إلا مجرد شعارات وتصريحات لا أساس لها على أرض الواقع، ويبقى الشعب صاحب الكلمة الأخيرة، ولا يجوز لأحد تقديم مشروع يتعلق بمصير الشعب دون العودة إليه. أرى أنه يجب تضافر وتكاتف كل القوى الكوردية معاً من أجل كوردستان كل كوردستان، وأن تعتمد المصلحة الكوردية العليا فوق كل مصلحة، وتنبذ الأفكار والمصطلحات المختلفة طالما لن تخدم القضية الكردية كون قضية الشعب الكوردي قضية وطنية بامتياز، قضية أمة كاملة مضطهدة من قبل محتلين، وأنه مجرد الوصول إلى دوائر الاهتمام في الجغرافية المحيطة من طورانيين وغبرهم سيكون أثباتاً للوجود في المنظور القريب. 
 
المشاريع: 
 
المشاريع تعني أن يكون صاحب المشروع قادر ان يحقق الاتفاق بين أهل المشروع "الكورد" بأضعف الإيمان، للانطلاق والعمل لتحقيقه. في الواقع أنّ الكُورد أمام استحقاق بلّورة الرؤية أولاً ثم حشد المناصرة كورديّاً إلى أن تخرج القضية من كونها قضية تخص الأحزاب إلى قضيّة المجتمع ونخبته عند ذاك نقول: إن مفهوم "الأمة الديمقراطيّة" يؤثر في بقاء "الأمة الكُورديّة "في ذهنيّة الكُردستانيين. أن مفهوم الأمة الديمقراطية مصطلح هلامي فضفاض وغريب عن شعبنا هذا المشروع هو للإيهام بأنه تنظيم خارج القومية متحرر من الارتباطات القومية لجذب الشعوب الأخرى إلى أطروحاته، على الرغم أنه لم ينف أحد أنّ هذه البلاد تضم مكونات ذات خلفيّات مجتمعيّة مختلفة، والحال أنّ مفهوم "الامة الديمقراطية هو مفهوم يخص صاحب المفهوم ولا يتصل بكل ما هو مقنع لذلك الخط الحزبي او الايديولوجي وليس شرطا ان يكون كورداً . قد يكون هناك أتراك يؤمنون بهذه الفكرة. 
 
واقعية المشروع ونقده: 
 
في الواقع ان مفهوم الأمة الديمقراطية مفهوم جديد على الساحة السياسية الكوردية، حيث لا يتوقع احد ان هناك أمما ديمقراطية وأمما غير ديمقراطية ، ولا أتصور انه ثمة أمما سيئة وأخرى حسنة، أو هناك امة ديمقراطية وأخرى استبدادية ،فهذا المفهوم مصدره إيديولوجي مصنوع بمزاج خاص يؤمل من ترويجه أعطاء صيغة ديمقراطية على ان حامل المفهوم بإمكانه أن يعيش مع الأمم الأخرى وان الأمة التي ينتمي إليها هي الأمة حاضنة للأمم المتعايشة معها ،يعني أن لدى أصحاب المشروع غاية غير مبينة من وراء هذا المشروع ، والحق ان مجرد طرح هذا المشروع يأخذنا إلى جهة أخرى من التفكير مفادها: لماذا تم استبدال مفهوم الأمة الكردية بمفهوم الأمة الديمقراطية؟ وسؤال أخر: هل "الأمة الديمقراطية" بديل لميزوبوتاميا للأمة الديمقراطية؟ مع العلم ان مفهوم الأمة بالأصل يرتبط بالأرض وليس بالمعرفة. 
 
الخاتمة: 
 
يقول الفيلسوف الماركسي الايطالي (انطونيوا غرامشي) اذا فقدت الطبقة الحاكمة القبول الذي تستند عليه. أي أنها لم تعد تقود بل تسيطر فقط مستخدمة القوة الجبرية وحدها فهذا يعني بالتحديد ان غالبية الجماهير الساحقة قد تحررت من ايديولوجياتها التقليدية وإنها لم تعد تؤمن بما كانت تؤمن بها من قبل وما وصلت اليه منطقة الشرق الأوسط عموما ودول ما تسمى بدول الربيع العربي خصوصاً ما هي ألا استنتاج صارخ لما توصل إليه غرامشي منذ 100 سنة مضت، وان التغييرات آت لا محالة والمستقبل في قيد المجهول ألا أن ما يمكننا أن نؤكده هو ان الفوضى التي عمت الشرق الأوسط وضعت كل الإطراف على المحك والاهم انه لا احد يستطيع إنكار هويات وثقافات الآخرين على أسس العنصرية والهيمنة وان شعوب منطقة الشرق الأوسط أصبحت اقرب بكثير إلى نيل حريتها ورسم مستقبل حياة أفضل لها عبر التحليل السليم للمشكلات المجتمعية السابقة وتبديلها يتحليلات واقعية ذات جدوى، وان الحلول في الشرق الأوسط تكمن في إيجاد حلول جذرية طويلة الأمد معتمدة على قبول فكرة ومفهوم كون شعوب الشرق الأوسط شعوبا متاخمة على الرغم من الحدود المرسومة والمفروضة. تلك الحدود التي يمكن تثبيتها عبر تعزيز مفهوم حقوق الإنسان والديمقراطية والثقافات من اجل الحرية والرفاه والسلام. 

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

كاميران حاج عبدو

بين البعث والإسلام السياسي.. ضياع الهوية السورية

بقدر ما أساء نظام البعث إلى سوريا خلال أكثر من ستة عقود من الحكم، وفشله بل وتعمُّده في طمس الهوية الوطنية الجامعة لمصلحة أيديولوجيا قومية ضيّقة، فإن مسؤولية الإسلام السياسي، وعلى رأسه تنظيم الإخوان المسلمين، لا تقل خطراً، بل ربما كانت أشد وطأة من حيث النتائج التي نعيشها اليوم.