لماذا تخشى أوروبا الشعبوية الجديدة؟

04-12-2016
آزاد احمد علي
الكلمات الدالة آزاد أحمد علي الشعبوية أوروبا
A+ A-

شبح الشعبوية كان يخيم على أوروبا منذ أن تراجعت الأيديولوجيات الكبرى كالليبرالية والإشتراكية، لكن هذا التخوف بات يتصاعد ويقلق الأوساط الخبيرة في أوروبا، إذ باتت العديد من الجهات والأطراف ذات العلاقة تتلمس خطرها، هذا الخطر الذي قد يداهم القارة الرائدة في العالم، خاصة بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وتنامي الموجة (اليمينية المعادية للأجانب)، كما أن هذه المخاوف توجت أخيراً بنجاح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

 فما هي الشعبوية ((Populism؟ الشعبوية مصطلح يعبر عن ظاهرة سياسية وأيديولوجية قديمة، لكنها تجددت في العصور المتعاقبة، تتلخص الشعبوية بمخاطبة عواطف الجماهير، وتدغدغ أحلامهم في سياق حملة تعبئة جماهيرية واسعة للنيل من الخصوم السياسيين الواقعيين، فضلا عن التهجم على النخبة، بهدف تحشيد الجموع العريضة حول شعارات براقة وخطاب وردي سهل التداول، بالتالي يمكن أن تؤدي الظاهرة الشعبوية في المحصلة إلى إخفاقات كبيرة وسياسات كارثية. من جانب آخر لعل كثرة إستخدام مفردة (الشعب) ومخاطبة الجماهير بصيغ مبسطة، إضافة إلى كسب المزيد من الشعبية رسخت هذا المصطلح – التيار السياسي – الذي يخص تعريفا وإصطلاحا القادة قبل الحركات والمنظمات.

  يبدو أن أغلب المؤشرات وبيانات مراكز الأبحاث والتقارير الصحفية الرصينة تركز هذه الفترة على مخاطر تصاعد الشعبوية أوربياً، حيث كانت العقلانية الأوروبية تفترض بأنها من القوة بحيث ستظل بمنأى عن تأثير هذه الشخصيات والتيارات الشعبوية العاطفية السطحية، لكنها تتلمس مؤخراً الخطر تماماً. فالشعبوية ظاهرة معقدة تعيد إنتاج نفسها متكيفة مع الظروف والمناخات الراهنة، تستفيد من إخفاقات التيارات العقلانية الرئيسية كالليبرالية والإشتراكية الديمقراطية والديمقراطية المسيحية الراسخة والمهيمنة على العقل السياسي الأوروبي وبالتالي على مراكز القرار والسلطات المنتخبة في أوروبا.

 يبدو أن أكثر من تخشى تصاعد الشعبوية هي ألمانيا التي اكتوت في القرن الماضي بطريقة ما بنار الشعبوية التي أشعلت حربين عالميتين،  حيث كانت ألمانيا مركزاً ومسرحاً لهما، حالياً كل الجهات ذات الصلة تتجه لتوصيف الظاهرة، تحليلها ودراستها، فهي مستنفرة لتسليط الضوء على مخاطرها، لدرجة أن جهات يفترض أن تكون غير مهتمة بهذه الظاهرة تشارك أيضاً في البحث، لدرجة أن تقريراً خاصاً قد صدر عن جامعة تقنية هندسية بحتة هي (RWTH AACHEN UNIVERSITY)  بعنوان: الديمقراطية والشعبوية (RELATIF NO30.  DEMOKRATIE UND POPULISMUS) اتخذت الشعبوية موضوعاً لها، كما جعلت من صورة ترامب الكاريكاتيرية رمزاً للغلاف. 

   في هذه الأجواء تجري معارك إنتخابية في عدد من الدول الأوربية، كما تتعمق وتتسع السجالات للبحث عن السبل الكفيلة للحد من تنامي وانتشار الشعبوية، فالخوف من أن تجتاح هذه الظاهرة الشارع الأوروبي عموماً، وايطاليا على وجه الخصوص، فهو البلد الأقل استقراراً في سياساتها الداخلية، والذي ضرب أرقاماً قياسية في عدد حكوماتها، بمعدل كل سنتين حكومة جديدة.

 لكن مكمن الخطر حالياً أن الخارطة السياسية للقوى الإيطالية تعاني من تبدل لصالح حركات شعبوية جديدة، خاصة حركة (خمس نجوم) الاشكالية، ففي الفترة الأخيرة قبل الاستفتاء، أصبحت الحملة ساخنة بين زعيم حركة خمسة نجوم الممثل المسرحي الهزلي (بيبي غريللو) من جهة ورئيس الوزراء ماتيو رينزي من جهة أخرى. الطريف أن هذا الممثل الشهير (بيبي) أعلن رسمياً دخوله عالم السياسية بتأسيسه لحركة (5 نجوم) عام 2009، فتزايدت شعبيته بسرعة فائقة حتى بات يهدد عرش السياسيين التقليديين في ايطاليا، مستفيدا من مجمل رصيده وشهرته، فهو ممثل كوميدي ظهر على شاشات السينما والتلفزيون (مواليد 1948)، مدون، أسس أيضاً موقعاً يعد من أشهر المواقع الايطالية وربما العالمية زيارة وشهرة. جدير ذكره أنه قد حصد عدة جوائز وله عدة كتب عناوينها ملفته: (لنمسك بالمستقبل، نحن في حرب، لنطفئ النووي)، وفي المحصلة دخل عالم السياسة بأدوات ثقافية وفنية ناعمة.

 في المشهد الايطالي يبدو أن صعود نجم شخصية شعبوية ذات جذور فنية ثقافية مؤشر على تنامي صيغة جديدة من الشعبوية، بموازاة تراجع رصيد المنظومات السياسية المستقرة في أوروبا منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، تضيف لمعادلة التنافس عنصراً جديداً مختلفاً عن حركات اليمين الشعبوي التقليدية، فإيطاليا الجمهورية الأقدم في أوروبا، اليساروية والمافيوية في بعض أوجهها الأخرى، هي الدولة الاوربية الأولى التي تعاني من عدم الاستقرار السياسي، بالتالي قد يدفع السأم واليأس بالمواطنين لإنتخاب (بيبي) ليكون الشخصية السياسية الأولى في ايطاليا وقد تكون شعبويته موازية لشعبوية ترامب القادم من عالم المال والبزنس، خاصة تجمعهما تصريحات غير اعتيادية، فقد صرح بيبي مؤخرا (اننا اقرب الى مجال طب النفس منا الى مجال السياسة... منتقدا بشدة قادة الاحزاب التقليدية متسائلا : لمن سنمنح الثقة؟ لهؤلاء الناس الذين قسموا البلاد طوال 20 عاما؟ فنحن اناس جدد يسعون الى تغيير البلاد، والمعاني التي نسعى لتكريسها هي معاني الجماعة وان لا يترك احد لمصيره ودخل ادنى للمواطنة ومساعدة الشركات الصغرى والمتوسطة. نحن مثل الثورة الفرنسية لكن من دون مقصلة... عن نهار نتwww.naharnet.com).

 من الملاحظ أن الجيل الجديد من القادة والحكام الشعبويين يختلفون عن الجيل السابق المنتمين للطبقات الاجتماعية الرثة والذين أشعلوا الحروب وغذوا الصراعات، حيث أن أفراد الجيل المصطحب للظاهرة الترامبية قد لا يكونوا بالضرورة من الأوساط البروليتارية والريفية، كما حدث في العالم الثالث، فالشعبوية الأوروأمريكية الجديدة تحمل مميزات وخصائص عصر العولمة، فقادتها إضافة إلى أنهم ينافسون الجيل الساكن والمستهلك من طبقة الساسة في البلدان الأوروأمريكية، يتصفون أيضاً بالقوة الفكرية والمشاريع الوطنية الديناميكية التي قد تؤدي بالضرورة إلى تصادم المصالح للقوى العظمى، وقد يهيؤون المناخات شعبوياً لحروب كبرى، وهذا بالضبط ما يثير مخاوف النخب في مجتمعات الرفاه الأوروأمريكية.

فهل أوروبا تتجه لأن تحكمها الشخصيات والأحزاب ذات الصبغة الشعبوية الجديدة؟ ربما الإجابة تتلخص بنعم، فأين يكمن الخطر؟! صحيح أن العالم غير متجه نحو فوضى عارمة، وليس هنالك ما يبرر ذلك، لكنه في الوقت نفسه ليس تحت السيطرة ومتحكم بكل مفاصله، كما تروج له المناهج التي تستند إلى نظريات المؤامرة! إذ من الواضح أن مرحلة سياسية تتدشن، بمسار موازٍ ومتفاعل مع عصر العولمة، مسار منتمي لزمن الاتصالات والتواصل الفائق السرعة، فضلا عن تحكم وتأثير الرأسمال العابر للقارات. فليس مستبعداً أن يتم طي صفحة العديد من القوى والشخصيات المؤثرة على الساحة العالمية، لصالح جيل شعبوي جديد من القادة، يحملون في حقائبهم مشاريع وديناميات مختلفة، فإن لم تكن مرعبة، فهي بالتأكيد تحمل معها العديد من المخاوف، تلك مخاوف المرافقة للتغيير واضطراب النظام العالمي الشائخ.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.



تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب