أنتخب.. أو لا أنتخب

04-09-2021
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة الانتخابات العراقية
A+ A-

هذا السؤال، وفي الظروف الطبيعية يجب ان يكون باهمية السؤال الذي طرحه الشاعر الانكليزي وليم شكسبير على لسان هاملت "أكون.. أو لا أكون.. تلك هي المسألة"، واذا كان مضمون سؤال شكسبير فلسفيا بحتا، فان مسألة المشاركة في الانتخابات او عدمها هي قضية واقعية حياتية تهم بلد وشعب.
 
عندما تشعر ان صوتك مهم، وسوف يغير من خريطة الحياة السياسية عندما تمنحه لمن يستحق حسب اعتقادك فهذا يعني ان "تكون" وان تشعر باهمية صوتك وقرارك وأختيارك، وان هناك مسؤولية كبيرة تقع على هذا القرار والاختيار الحر والنزيه والمجرد من المصالح الشخصية لاجل المصلحة العامة، وان صوتك لا يباع ولا يشترى كونه سيساهم باحداث تغييرات جذرية لمحاربة الفساد وازاحة الوجوه التي خربت وسرقت وقتلت العراقيين.
 
لكن عندما تشعر، بل تتأكد بان صوتك قد تمت مصادرته مسبقا، ودخل في سوق النخاسة، ومنح ثمنا زهيدا، واستخدم كأي بضاعة رخيصة لصالح هذا المرشح وذاك الحزب وتلك الكتلة، فمن المؤكد ستشعر بانك لا (تكون)، وان كينونتك قد تم تحجيمها وأهانتها الى درجة بانهم يدفعوك قسرا لان تؤمن بان لا اهمية لقرارك واختيارك.
 
في نظرة سريعة لنتائج الدورات الانتخابية الماضية، منذ 2005، وحتى 2018، سنجد ان العراقيين اكتشفوا عمليات تزوير النتائج في انتخابات 2005 مسبقا، بعد فضيحة وصول صناديق الاقتراع المزيفة منخارج الحدود، وبعد ان ادعت كتلة بعينها انها مدعومة من قبل المرجعية، وقد نفت المرجعية ذلك علنا، وقد استخدمت هذه الكتلة، وغيرها، الدين والمذهب للترويج لقائمتهم التي مهدت لكل عمليات الخراب والفساد اللاحقة حتى اليوم. 
 
وفي الانتخابات التي تلتها، 2010، فازت القائمة العراقية برئاسة الدكتور اياد علاوي، لكن ما تسمى بكتلة (دولة القانون) صادرت وباصرار وبدعم خارجي معروف هذا الفوز تحقيقا لشعار زعيمها نوري المالكي الذي هتف متباهيا (ما ننطيها) ضاربا عرض الحائط حقوق واصوات واختيارات الناخبين الذين لم يصمد ويدافع عنها بقوة علاوي، ليتربع (المالكي) على عرش رئاسة الوزراء لولايتين متتاليتين مستخدما مال الدولة واجهزتها وامكانياتها واسلحة الميلشيات التابعة له ومصادرا اصوات أفراد الاجهزة الامنية والقوات المسلحة التي كان هو قائدها.
 
هذه الممارسات، ونعني عمليات التزوير وشراء الاصوات بالمال السياسي وترهيب الناخبين، ادت الى نتائج كارثية اودت بما تبقى من الممارسات الديمقراطية وشرعية الانتخابات، اولها عزوف العراقيين عن الادلاء باصواتهم لانهم تاكدوا بأن اصواتهم تباع وتشترى وتزيف ولا فائدة من المشاركة في التصويت، والنتيجة الثانية هي إبعاد ووأد التيار الوطني المديني المستقل، والثالث، وهو الاكثر خطورة هو ان احزاب الفساد بتشبثها بالسلطة بغير وجه حق اعادت الى الواجهة مفهوم (الحزب الواحد) او (الحزب الحاكم)، وأنتجت مفهوم هجين وغريب لاسلوب الحكم وهو (ديمقراطية الدكتاتورية) مؤكدة اسلوب الدكتاتورية الفوضوية وغياب دولة المؤسسات وابعاد الكفاءات الوطنية عن دفة ادارة الدولة وشيوع الخراب والفساد وفي ظل هذه الاجواء ترعرت الميلشيات ونشط تنظيم داعش الارهابي الذي كان قد احتل ثلث مساحة العراق بعهد المالكي.
 
هل نُذكر بفضائح انتخابات 2018 التي شارك فيها ما نسبته 18% من العراقيين، وكانت النتائج معروفة مسبقا، بل ان السلطات العراقية قد اكتشفت صناديق معبأة باصوات الناخبين ومسروقة ومخبأة في مخازن تعرضت للغرق والحريق بعد اعلان النتائج وبقي الحال على ما هو عليه دون تغيير.
 
اليوم يؤكد غالبية من المراقبين والناشطين، وبضمنهم ثوار تشرين، بان اجواء الانتخابات القادمة التي من المفترض اجرائها في 10 تشرين الاول، اسوأ من سابقاتها لاسباب عديدة، اهمها سيطرة السلاح المنفلت، ومشاركة الميلشيات المسلحة في الترشيح عبر اجنحة سياسية لهذه الميلشيات المسلحة التي ولائها المعلن لايران وليس للعراق، سيطرة المال السياسي الفاسد، التهديدات الامنية، التصفيات الجسدية التي غيبت الكثير من الناشطين، صراع الاحزاب الشيعية والسنية فيما بعضها، دعم دول اقليمية لهذه الكتلة او تلك، سيناريوهات التيار الصدري بالانسحاب ومن ثم العودة مساوما على منصب رئاسة الحكومة القادمة، التغييب الاجباري للقوى الوطنية، عدم تحديد قانون الانتخابات للسقف المالي للدعايات االانتخابية، فهناك احزاب بامكانها ان تنفق ملايين الدولارات من مال الفساد كدعاية لها وشراء الاصوات، مقابل البعض من المرشحين الذين لا يستطيعون انفاق بضعة مئات من الدولارات لذات الغرض، قانون الانتخابات الذي حول ولاء المرشح من خدمة الوطن الى خدمة المحلة والمحافظة.
 
بين كل هذه الاجواء المشحونة وكانها قنابل موقوتة معدة للانفجار في اية لحظة، والصراعات على السلطة تطبيقا لشعار (ما ننطيها) الذي صار يتمسك الجميع بتطبيقه اليوم، والتحالفات الهشة فيما بين الكتل والاحزاب، نجد التعامل الهادئ والواضح مع مسالة الانتخابات في اقليم كوردستان، حيث تجري الامور بشفافية دون رفع السلاح والتلويح بالتهديدات وبعيدا عن ضجيج التصريحات غي اللائقة، بالرغم من انفصال تكتل الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود بارزاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني الذي اسسه الراحل جلال طالباني.
 
لقد أعلن الحزب الديمقراطي الكوردستاني ومنذ وقت مبكر بانه سيخوض الانتخابات منفردا وبلا اي تحالف مع حزب او كتلة اخرى، بالرغم من ان اربيل تحولت مؤخرا الى قبلة بعض السياسيين، حتى من اساء منهم للكورد وقضيتهم، لكسب ودهم او للتحالف معهم، لكن الديمقراطي الكوردستاني معروفا بالثبات على مواقفه المبدأية، حيث استقبل زعيمه الجميع واحسن ضيافتهم واستمع اليهم وودعهم بهدوء، مؤكدا موقفه بخوض المعركة الانتخابية لوحده وبدعم جمهوره الذي يؤمن به وبسياساته.
 
خلف ابواب غرف اللجنة العليا للانتخابات في الحزب الديمقراطي الكوردستاني التي يترأسها السياسي الناجح، عضو المكتب السياسي للحزب، ووزير الخارجية العراقي الاسبق هوشيارؤ زيباري، والتي تضم خيرة العقول السياسية والاعلامية المجربة والشابة، تدور نقاشات وحوارات هادئة لا احد يسمع قراراتها، تفكر بحكمة وذكاء وهي تخطط للحملة الانتخابية التي ستكون هي الانجح حسب اعتقادنا، لا سيما وان للديمقراطي الكوردستاني مرشحون ليس من الكورد فحسب، بل من باقي القوميات، العربية في مقدمتها، والاديان والطوائف وفي محافظات عراقية متعددة، تأكيدا من قيادة الديمقراطي الكوردستاني على انه ضد المحاصصات القومية والدينية والطائفية، وانه يطرح نفسه كحزب عراقي يدافع عن قضايا العراقيين جميعا.
 
إجابة على سؤالنا اعلاه"أنتخب.. أو لا أنتخب"، نقول ان صوتك ثمين، وهو يمثلك ويعلن عن وجودك، وانت فقط لك الحق ان تقرر دون اية ضغوط او ترهيب او تهديد لاختيار من تنتخبه، ومن تعتقد بانه سيخدم قضايا العراق وشعبه، وان لا تقع العملية السياسية في مطب اعادة تدوير ذات الوجوه والاحزاب الفاسدة.
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

عمر أحمد

ماذا سيحدث لسعر الذهب؟ هل سيستمر في الارتفاع أم سينخفض؟

سيتم الإعلان عن إحصاءات مهمة حول التغيرات في أسعار الجملة وأسعار المستهلك في الولايات المتحدة يومي الأربعاء والخميس من هذا الأسبوع، ومن المتوقع أن يكون لها تأثير كبير على السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، وقيمة الدولار، وسعر الذهب.