يخطئ جدا في حساباته السياسية، مَن يتصور أن تهديدات دول الجوار العسكرية واستنفاراتها الإعلامية ضد استفتاء إقليم كوردستان سوف تعرقل أو تأخر أو تمنع هذا الحق العالمي في تقرير مصيرهم .
فقوّة دول الحلفاء بعد الحرب العالمية الأولى وتقسيمها لغنائم الدولة العثمانية بعد خروجها منتصرة منها لم تتلقى سوى ردود أفعال تاريخية تمخضت عنها أكبر الثورات في تاريخ الكرد ابتداءً ومن دون تسلسل زمني بثورتي محمود البرزنجي الأولى والثانية في تركيا ( مابين عامي 1922- 1924 ) وثورتي سمكو شكاك الأولى والثانية في ايران ( مابين عامي 1922 – 1926 ) ومروراً بثورة شيخ سعيد بيران في تركيا عام ( 1925 ) ثم تمرد آرارات الأول والثاني في تركيا ( مابين عامي (1927 – 1930 ) ثم ثورة شيخ أحمد البارزاني ( عام 1931 - 1932 ) ضد المملكة العراقية ، ثم ثورات ديرسم وحماة راشد في تركيا وإيران ، وفيما بعد وفي مطلع الألفية الثانية انظمّ ثوار الكرد في سوريا لمسيرة الكفاح عام ( 2004 ) عقب أحداث قامشلي وخروج مظاهرات واسعة للمطالبة بحقوقهم الوطنية التي سبق وان نادى بها أول حزب كردي في سوريا منذ نشوئه عام ( 1958 ) وهي المطالبة بالجنسية السورية والمواطنة وحقوقهم رسمياً.
هذا ما عدا الحركات والمنظمات والأحزاب التي كانت نشاطاتها وتحركاتها ثقافية وطنية أكثر منها سياسية ، توزعت على أطراف كردستان جميعها وبمختلف المسميات وبالعشرات من أعدادها لا مجال لذكرها هنا وجميعها كانت تسعى لنيل الحق الكردي في عيش كريم وحرية غير منقوصة وعلى سبيل المثال لا الحصر جهود العائلة البدر خانية في عهد الدولة العثمانية ، كما وسبق ذلك وعلى سبيل المثال أيضا حركة تمرد الشيخ عبد الله النهري عام (1880 - 1881) .
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كان رد الفعل الكردي أقوى بكثير، حين استشعر الكرد بأن خطأ الدول المنتصرة قد تكرر مرة أخرى دون أن يحصلوا على حقهم في العيش على أرضهم بحرية ودون قمع أو تهميش أو قتل أو تهجير قسري . فكانت نشأة ( جمهورية مهاباد ) في ايران أمام مرأى تلك الدول ودون معية منها سوى من ( تأيد سوفيتي تراجع عنه بعد 11 شهراً ) حين أعلنها قاضي محمد ( في يناير عام 1946 ) وأعقب قمعها مباشرة ظهور الحزب الديمقراطي الكردستاني أبو الأحزاب الكردستانية الحالية في (شهر آب 1946 ) بزعامة الملا مصطفى البارزاني . هذا الحزب الذي ولدت من رحم مبادئه الوطنية والقومية والاشتراكية جميع الأحزاب الكردستانية الأخرى فيما بعد ، هو مَن قاد ثورات أيلول وكولان ضد طغيان الحكومات والأحزاب العراقية القومية المتشددة والتي حكمت الشعب بالحديد والمشانق والاعدامات والتطهير العرقي والإبادات الجماعية وأخرست كل الانتفاضات في العراق ( سنية وشيعية ، علمانية وإسلامية ) الاّ انتفاضات الشعب الكردي ظلت تقاوم في سبيل حقها الشرعي حتى سقوط حكم طاغية القرن العشرين صدام عام ( 2003 ) وحصول شعبنا الكردي على استقلالية جزئية في إقليم مستقل ضمن دولة العراق الاتحادية .
هذا الكم النضالي كله كان دون رعاية دولية ( بالمعنى الشامل ) أو إقليمية . ودون ان يكون للنفط دوراً هاماً فيها كما هو الحال الآن ، ودون ان يعرف ثلاث أرباع شعوب العالم من هم الكرد ، ودون أن يكون لنا ظهير ذا مصالح اقتصادية ، ودون أن يكون للشعب الكردستاني وعي كامل بحجم الغبن الواقع عليه ،ودون أن يكون للحراك العسكري رقعة أرض غير الجبال وأسلحة غير الكلاشنكوف وجيشاً رسمياً غير قوات البيشمركة البطلة ، ودون أن تتحرك منظمات المجتمع الدولي لمناصرته .
فكيف بنا واليوم إقليمنا يتمتع بظروف محيطة مغايرة كلياً لما كانت عليه قبل قرن أو حتى نصف قرن من الزمان وقد بات العالم كله على اطلاع بقضية هذا الشعب الذي بلغ عدد نفوسه الأربعين مليوناً ولايزال يناضل دونة هوادة ودون دولة تلم شمله؟
لذلك ، يجب على الذين يتصورون بأنهم قادرون على كسر الذراع الكردي بسهولة تارة بخلق المشاكل داخل كردستان وتارة بتهويل الأمور اعلامياً واعطائها أسماءً وألقاباً لا تمت للواقع الكردي بأية صلة أن يتمعنوا جيداً بتاريخ نضاله السلمي حتى وصل الى ما وصل اليه في الوقت الحاضر ، وأن الخلافات الداخلية لبعض الأحزاب الكردية لم ولن تؤثر على تماسك الشعب الذي يرى بأم عينه الفارق الكبير بين الوضع العام في كردستان والذي عليه في باقي أجزاء العراق غير الموحد . وأن يباركوا للإقليم خطواته الثابتة لديمومة أمن ورفاهية شعبه ، وأن يقتنعوا بأن تجربته في الإعمار والتعايش السلمي بين جميع مكوناته صورة لا غبار على حقيقتها ، ويحذون حذوها في المستقبل ( هذا إن تركتهم ايران يحددون مستقبلٍ طيب لشعبهم ) ، وان يحاولوا أن يصبحوا لمرة واحدة دولة جوار تحترم حقوق غيرها القومية وتحترم سبيل اختيارهم لتحديد مصير رقعتهم الجغرافية التي يعيشون عليها كما يفعل الكرد منذ أول طلقة صدحت في المقاومة الكردية ، فلم يذكر التاريخ حادثاً واحداً لعب فيه الكردي دور المخرب أو المناهض لحق الشعب العربي أينما كان في تقرير مصيره أبداً ، ولن يذكره مستقبلاً أيضاً ، فلماذا يُقابل السلم الكردي بجحود عربي يواصله بإعلام يبتغي منه تحريك الدفة الإقليمية خاصة بالضد من مشروع الاستفتاء الشعبي في الإقليم ومن ثم الاستقلال ؟
نتمنى كشعب عريق لا تقل عراقته وأصالة جذوره عن غيره بشيئ أن يقتنع من حولنا بأنهم كعرب وترك وفرس كانوا يحيطون بنا منذ خُلقنا ولم يتمكنوا من إطفاء شعلة واحدة رفعها شهيد على أرض كردستان ، وأن يُقنعوا أنفسهم بأن الخرائط التي نشأت في ظروف حروب قديمة لن تبقى على حالها أبداً ، وانه حان الوقت لإنصاف شعب كردستان والتنحي عن لعب أدوار التخريب على جميع أشكاله مكشوفة وخفية .
ونصيحتنا للاعلام المناهض لأحقية الاستفتاء ،هذه هي نهاية المطاف : رفعت اقلامكم النتنة وجفت صحفكم الميتة .
هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً