عندما أغمي على جلال طالباني حين التقى ملا مصطفى بارزاني

03-10-2021
معد فياض
معد فياض
A+ A-

في الذكرى الرابعة لرحيل الرئيس العراقي الاسبق جلال طالباني، استل هنا جزء من كتابي "سنوات النار والثلج"، مذكرات جلال طالباني، وبالتحديد الجزء الذي يتحدث فيه، طالباني، عن لقائه مع الزعيم الخالد ملا مصطفى بارزاني في موسكو عام 1957، واصفاً بدقة وبعمق مدى أهمية وتأثير مؤسس الحزب الديمقراطي الكوردستاني في حياته وفي القضية الكوردية:

"بقي حلم جلال طالباني بلقاء زعيمه ملا مصطفى بارزاني في موسكو شغله الشاغل، فهو لا يحلم ويسكت، ولا يحول أمنياته إلى رغبات مؤجلة، بل يعمل بكل جد من أجل تحقيقها، لكنه ينتظر الفرصة المناسبة".

سألته: فيما إذا قابل زعيم حزبه ملا مصطفى بارزاني أم حالت الظروف دون ذلك؟ انتبه متحفزاً للحديث عن أمر غاية الاهمية في حياته، ثم قال: "بقيت أمنيتي بلقاء زعيم حزبي، ملا مصطفى بارزاني، نابضة في داخلي، ذلك أن بارزاني، لم يكن زعيم حزب كوردي وحسب، بل هو رمز للتحرر الثوري الوطني، والمدافع عن حقوق الشعب الكردي، وأحد أعمدة دولة مهاباد الكوردية، إذ تبقى هذه الدولة، أو جمهورية مهاباد، على الرغم من عدم استمرارها، فإنها تشكل رمزاً لأماني الكورد في أن تكون لهم دولتهم المستقلة".

يقول طالباني: "قبل أن أصل إلى موسكو للمشاركة في مهرجان الشباب العالمي عام 1957، كنت قد كتبت إلى ملا مصطفى بارزاني عن زيارتي إلى عاصمة الاتحاد السوفياتي ورغبتي في مقابلته، وراسلته عن طريق عنوان شخص ايراني في ألمانيا الغربية، كما أني كنت لا أزال أحتفظ بكلمة السر التي نقلت لي من بارزاني عام 1955".

ويروي مام جلال حادثة طريفة عن لقائهم بالكورد العراقيين في موسكو، فيقول: "في اليوم الأول من وصولنا إلى موسكو استقبلنا في محطة القطار كورد سوفيات، إذ تعرفوا علينا من أزيائنا الكوردية المميزة، وكنا طبعا ضمن الوفد العراقي، ثم حضر كل من الدكتور عبد العزيز شمزيني، والدكتور مراد، عضوي المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، باعتبارهما أيضا من الكود السوفيات، وذلك لأسباب أمنية، وجاء الاثنان بعد أن عرفا بوجود كورد عراقيين ضمن الوفد العراقي، كان معنا الشيخ علي النقشبندي، الذي جاء ضمن وفد الحزب الشيوعي العراقي، وكان يعرف شمزيني جيداً، فانتحى بي جانباً، وقال لي مام جلال هذا عبد العزيز شمزيني، وأنا أعرفه جيداً، حيث كان ضابطاً في الجيش العراقي وكان صديقاً مقرباً لوالدي، وأنا أعرفه شخصياً، بعد أن تأكدت من هذه المعلومات، توجهت مباشرة إلى شمزيني وحييته باعتباره عبد العزيز، وقلت له: مرحباً دكتور عزيز، فأنكر في البداية أنه عبد العزيز، وقال: أنا لست عبد العزيز، فقلت: لماذا تخفي نفسك عنا ونحن كورد ومن حزب واحد ونريد اللقاء بكم وبالزعيم بارزاني؟ ثم ناديت النقشبندي الذي سلم عليه بحرارة وقال له : "كنا نلتقي في المقهى الفلاني ببغداد"، فابتسم وقال: "أي والله أنا عبد العزيز وأهلا وسهلا بكما، لكنه استطرد قائلاً: إن ملا مصطفى بارزاني لا يستطيع أن يقابلكما حاليا".

إلا أن مام جلال لم يفقد الأمل، وكان يعمل جاداً باتجاه لقاء زعيم حزبه، يقول: "تكررت لقاءاتنا مع شمزيني، وفي إحدى اللقاءات قال لي إن ملا مصطفى بارزاني يريد اللقاء بك، لكنني لا أعرف متى، لهذا عليك أن تجلس هنا، وحدد لي مكاناً أمام البناية التي كنت أسكن فيها، وخلال وقت محدد كل يوم، وسوف يأتي من يأخذك إليه، وهكذا كنت أجلس بصبر وثبات على كرسي أمام البناية منتظراً من يأتي ليأخذني للقاء بارزاني، وفي أحد الأيام جاء شخصان تعرفت على سيمائهما الكوردية، اقتربا مني وألقيا علي التحية بهدوء وسألني أحدهما إن كنت من الوفد العراقي، فقلت نعم، فقال: نحن نبحث عن صديق لنا، فإذا أمكن مساعدتنا للقاء به، قلت: تفضلا، عمن تبحثان؟ فقالا: نبحث عن جلال طالباني، قلت: أنا جلال، لكنهما لم يكونا متأكدين من ذلك، فقلت: أنتما بارزانيين، أليس كذلك؟ وكنت أعرف أحدهما، وهو أسعد خوشوي، وكان أحد القادة البارزانيين المعروفين، ثم سألني عن كلمة السر التي بلغت بها سابقاً، فقلت له الكلمة، فقال: نعم أنت جلال طالباني، وقال خوشوي إن ملا مصطفى يريد أن يراك لوحدك فتعال معنا، قلت حسنا، وفرحت فرحا شديدا".

يصف مام جلال تفاصيل هذا اللقاء بكثير من الفرح، يستعيده ويستحضره وكأنه يحدث الآن، ارتسمت ابتسامة على وجهه، وشع ألق في عينيه، وبدأ يتحدث مهيئاً إياي لحدث مهم، بل بالغ الأهمية، وقال: "كان عمري وقت ذاك 24 عاماً، توجهنا إلى العمارة التي كان يسكن فيها بارزاني وصعدنا بواسطة المصعد من غير أن أنتبه في أي طابق كان، وضرب أحد المرافقين الجرس، ففوجئت أن ملا مصطفى بارزاني فتح الباب بنفسه، حييته، ثم عانقني، فأغمى علي من شدة الفرحة". وهنا فلتت دمعتان من عيني الرئيس طالباني مسحهما مزيحاً قليلا نظارته، هدأ قليلاً واستعاد وضعه، ثم قال: "ذلك إن بارزاني يمثل، بالنسبة لي، رمزاً كبيراً وأسطورة في نضالنا الكوردي، كان على علم بالرسالة التي بعثت له بها بأني عضو المكتب السياسي في الحزب، وجلسنا نتحدث، ثم أعقب هذا اللقاء لقاءات أخرى معه، إذ لم يكن يصله إلا القليل، القليل من أخبارنا، ودارت بيننا أحاديث عن الحزب ووضع الكورد والقضية الكوردية والعراق، وكيف ينظر السوفيات إلى القضية الكوردية، وماذا يجب أن نفعل، وهكذا أحاديث تهم البلد وشعبنا وقضيتنا". 

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

محمد حسن الساعدي

العراق بين البراغماتية والتوازن الإقليمي.. قراءة في تعقيدات الموقف

منذ سقوط النظام السابق عام 2003، وجد العراق نفسه محاطاً بتحديات إقليمية متشابكة، وأزمات داخلية مركبة، وواقع دولي مضطرب. في هذا السياق، سعت الحكومات العراقية المتعاقبة إلى اعتماد سياسة تقوم على التوازن في العلاقات الخارجية، مع محاولة إضفاء صبغة براغماتية على قراراتها، بما يضمن مصالح البلاد ويحفظ استقرارها. إلا أن هذا النهج ظل محل اختبار دائم، في ظل الضغوط الإقليمية والتجاذبات الدولية المتواصلة، إذ أن البراغماتية العراقية تعتمد في السياسة على مراعاة الواقع والتعامل مع الوقائع وفقاً للمصالح، وليس وفقًا للأيديولوجيا أو الاصطفاف المطلق.