عن نقابة الصحفيين العراقيين.. أتحدث

03-05-2025
معد فياض
معد فياض
A+ A-
يحتفل العالم اليوم، في الثالث من آيار من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وحسب الموسوعة العربية" هو يوم حددته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو، لتحيي عبره ذكرى اعتماد إعلان ويندهوك التاريخي الذي تم في اجتماع للصحافيين الأفارقة في 3 أيار 1991".

بهذه المناسبة أكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، في بيان له اليوم السبت، 3 ايار، 2025، أن مؤشر منظمة "مراسلون بلا حدود" لعام 2025 وضع العراق في المرتبة 155 عالمياً، مسجلاً تقدماً مقارنة بالمرتبة 169 التي احتلها في عام 2024، و172 في عام 2023، مشيراً إلى أن العالم يشهد تدهوراً غير مسبوق في واقع حرية الصحافة".

لي هنا ان اتحدث عن حرية الصحافة حسب معايشتي، ولي ان اقول باني ابن هذه المهنة وهذا الوسط الاعلامي في العراق، فانا عملت في الصحافة العراقية رسميا عام 1975، كنت طالبا في اكاديمية الفنون الجميلة بجامعة بغداد، وحصلت على بطاقتي الصحفية من نقابة الصحفيين العراقيين، صفة عضو عامل، او ممارس حسب توصيف النقابة اليوم، بتاريخ 27 حزيران 1978، ورقم هويتي هو 2558، وواكبت مرور عدة نقباء للصحافة العراقية، بالتاكيد كانوا مهنيين متميزين ويتمتعون باخلاق عالية، على سبيل الذكر الراحل طه البصري، والزميل صباح ياسين، والرحل شهاب التميمي، الذي لم اعاصر وصوله الى منصب النقيب ووفاته بعد محاولة اغتياله في 27 آذار 2007، إذ كنت خارج العراق، لكنني عرفته شخصا مهنيا متميزا. مع ملاحظة ان نقيب الصحفيين العراقيين وقتذاك، بل اي صحفي عراقي، مهما كان متميزا مهنيا، لم يستطع تجاوز الخطوط الحمراء التي وضعها النظام ولم يجروء حتى الاقتراب من هذه الخطوط للدفاع عن اي صحفي يتعرض للظلم والاضطهاد والاعتقال والاعدام.

اليوم لا نستطيع المقارنة في موضوع حرية الصحافة في عهد النظام السابق وما بعد رحيل النظام عام 2003 ولاسباب معروفة، وببساطة لم تكن هناك ادنى حرية للراي في عهد صدام حسين واجهزته الامنية العديدة والتي اشتهرت بقسوتها، المخابرات والامن العامة والامن الخاص والاشخاص المتنفذين في عائلة الرئيس وما حولهم. كان الاعلام وحرية الرأي مكمم ومهدد وغائب، وكان الصحفي اسهل هدف لتغييبه واعدامه تحت تهم عديدة ابرزها"الخيانة" و"العمالة" وابرز مثال اعدام زميلنا الصحفي ضرغام هاشم بلا توجيه اية تهمة له او محاكمته وبلا اية ردة فعل من نقابة الصحفيين لانها كانت ببساطة تابعة ضعيفة وهزيلة للنظام واجهزته.

اتذكر في احدى المؤتمرات الانتخابية لنقابة الصحفيين العراقيين في عهد النظام السابق، كانت هناك خلافات حول انتخاب النقيب، حدث ذلك بحضور وزير الثقافة والاعلام الاسبق لطيف نصيف جاسم الذي حسم، بفعل درجته في حزب البعث، عضو قيادة قطرية، وقربه من رئيس النظام، الموضوع واختار النقيب، وقال ساخرا من النقابة علنا:" شنو هي نقابة الصحفيين؟ هي مكتب احنا (نحن) نموله ونمشي امورها، يا انتخابات تحكون عنها؟ النقيب فلان (...) وخلص الموضوع"، ثم خرج".

كان العصر المظلم الذي عاشته الصحافة العراقية هو يوم سيطر عدي صدام حسين على الصحافة واغتصب نقابتها وسرق عضوية الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، اول نقيب للصحفيين العراقيين والذي كان يحمل هوية النقابة رقم 1، حيث حملها عدي بلا اي مؤهلات مهنية، وساعده بذلك مستشاريه ونوابه وسكرتاريته في النقابة بلا الشعور بالمسؤولية والحياء.

وكانت حادثة جمع الصحفيين العراقيين، عام 1993، ومعهم بعض الصحفيين العرب في قاعة سينما المنصور بساحة الاحتفالات ببغداد، كنت حاظرا هناك، هي الاكثر قسوة عندما قام بعض جلاوزة عدي وبامر مباشر منه، برشق قيادات في النقابة، وفي مقدمتهم الراحل لطفي الخياط، كان افضل قيادي مهني في النقابة والزميل احمد صبري، عضو مجلس النقابة، بالطماطة وسط ذهول الجميع، قد شكلت صدمة لنا، دفعتني لترك العراق بعد 3 ايام من هذه الحادثة.

بعد هذه الحادثة اصدر عدي قائمة (المرتدين) ونشرها بصحيفة الزوراء حيث اعتبر اكثر من 20 كاتب وصحفي عراقي ممن تركوا البلد (مرتدين) و(خونة)، وقد احتل اسمي التسلسل الرابع في هذه القائمة.

باختصار لا يمكن الحديث عن مفهوم"حرية الصحافة" او" حرية الرأي في عهد نظام صدام حسين، وما جرى بعد 2003 من اطلاق الحريات خاصة في الحافة العراقية وصدور عشرات الصحف واطلاق عشرات الفضائيات يعتبر قفزة نوعية في تاريخ الصحافة العراقية رغم السلبيات التي حدثت نتيجة هذه القفزة، فاي شخص يخرج من ظلام الاقبية الى نور الحرية لا يستطيع الرؤية بوضوح.

ما ذكره رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان في العراق، فاضل الغراوي، في بيانه اليوم، بان "العراق لا يزال يسجل أعلى عدد من الصحفيين الشهداء عالمياً خلال الثلاثين عاماً الماضية، حيث تم قتل أكثر من 340 صحفياً من أصل 2660 صحفياً قتلوا عالمياً في نفس الفترة". لم يكن دقيقا في تحديد الفترات التي تم فيها قتل هذه الاعداد من الصحفيين، ولم يسمي المسؤول عن تلك الجرائم، حيث حدثت كلها في ظل سيطرة تنظيم القاعدة ومن ثم تنظيم داعش الارهابي والميلشيات المسلحة على الاوضاع الامنية اضافة الى الحرب الطائفية والتصفيات الشخصية.

وبصراحته المعهودة يكشف نقيب الصحفيين العراقيين ورئيس اتحاد الصحفيين العرب، الزميل مؤيد اللامي، في حديث لشبكة رووداو الاعلامية عن:"استشهاد 518 صحفي، وليس 340، بينهم 36 صحفية منذ عام 2003 وهذا الرقم الاكبر في العالم، وفي حرب داعش استشهد اكثر من 60 صحفي بينهم 3 صحفيات، واختفاء زميلين لم يظهرا حتى الان وقد بذلنا وما زلنا نبذل الجهود مع المؤسسات الامنية والحكومية لمعرفة مصيرهم لكن دون جدوى للاسف". مؤكدا " اليوم تعد القوانين والتشريعات العراقية هي الافضل عربيا لصالح حرية الرأي، لهذا لا يوجد لدينا اي صحفي معتقل او سجين على خلفية قضايا تخص النشر او حرية الراي".

وليس من باب المديح ان نذكر ان نقابة الصحفيين العراقيين اليوم، وفي عهد نقيبها اللامي، هي الافضل، ففي زيارتي لمكتبه ببغداد قبل اسبوع، وجدت ابوابه مفتوحة للجميع، ويسعى لمساعدة هذا الزميل او ذاك وحل مشاكلهم، واكتسب الصحفي مكانة متميزة وصار للنقابة موقعا بارزا بين النقابات المهنية الاخرى، واليوم من الصعب التجاوز على زملاء المهنة.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

سيروان أنور مجيد

معاناة الكورد الإيزديين.. دموع لا تجف ودستور بلا حماية

الكورد الإيزديون هم قلب ينبض ضمن جسد الشعب الكوردي، وهويتهم تتماهى مع لغته وثقافته، إذ يتحدثون الكوردية بلهجة الكرمانجية، حاملين في أعماقهم انتماءً عميقاً إلى الأرض والعرق الكوردي إلا ما ندر.