الكورد من أهل السنة والجماعة بنسبة 80%، وهم يكنون حباً عميقاً لأهل بيت رسول الله "صلى الله عليه وآله وسلم"، وهذا يبدو واضحاً في كثرة تسمية أبنائهم بأسماء أهل البيت، أمثال: علي وفاطمة والحسن والحسين وجعفر "رضوان الله عليهم"، فضلاً عن انتشار الطرق الصوفية في كوردستان، كالقادرية والرفاعية والكسنزانية التي تنتهي بمرجعيتها إلى شخصيات تنتهي بنسبها إلى البيت النبوي.
ولكن رغم ذلك جاءت العديد من الروايات والآثار المنسوبة إلى أئمة الشيعة الإثني عشرية، وتحديداً الإمام علي بن أبي طالب، والإمام السادس جعفر الصادق، والإمام الثاني عشر "المهدي المنتظر"، وهي تحض على مقاطعة الكورد وعدم إقامة علاقات المصاهرة والتجارة معهم باعتبارهم "قوماً من الجن كشف الله عنهم الغطاء".
ويرجح العديد من الباحثين سبب صدور هذه الروايات المفبركة على لسان الأئمة إلى العداء التأريخي الذي نشأ بين الكورد والشيعة على خلفية أن أعظم قائد كوردي في التاريخ الإسلامي، وهو صلاح الدين يوسف بن أيوب، مؤسس الدولة الأيوبية، قد قضى على أكبر دولة شيعية في التاريخ الإسلامي، الدولة الفاطمية عام 567هـ/1171-1172م، وأرجع مصر حاضرة هذه الدولة إلى حظيرة الخلافة العباسية السنية.
وهذه الروايات والأحاديث جاءت في أمهات الكتب الشيعية: ككتاب "الكافي" لثقة الإسلام "محمد بن يعقوب الكليني المتوفى سنة 329هـ/939م"، الذي يعد أصح كتاب للأحاديث عند الشيعة الإثني عشرية.
روى "الكليني" في كتاب "الكافي" الجزء (5) الصفحة 158 عن "أبي الربيع الشامي" قال: "سألت أبا عبد الله (جعفر الصادق) عليه السلام فقلت: إن عندنا قوماً من الأكراد، وأنهم لا يزالون يجيئون بالبيع، فنخالطهم ونبايعهم؟، قال: يا أبا الربيع لا تخالطوهم، فان الأكراد حي من أحياء الجن، كشف الله تعالى عنهم الغطاء فلا تخالطوهم".
وفي رواية ثانية للكليني في كتابه "الكافي" أيضاً: "إنه كتب إليه يسأله عن الأكراد، فكتب إليه لا تنبهوهم إلا بحد السيف".
ويقول شيخ الطائفة الشيعية "محمد بن الحسن الطوسي المتوفى سنة 460هـ/1069م" في كتابه "تهذيب الأحكام"، وهو من كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الشيعة الإثني عشرية في الجزء (7) ص (11) ما نصه: "حدثني أحمد بن إسحاق أنه كتب إلى (أبي محمد) يسأله عن الأكراد فكتب إليه: "لا تنبهوهم إلا بحر السيف (أي القتل)"، جاءت كلمة "حر" في لسان العرب لابن منظور، بمعنى أي القتل اشتدَّ"، وفي رواية للحر العاملي المتوفى سنة 965هـ/1586م في كتابه "الفصول المُهمّة" جاءت: "سُئل الصادق عليه السلام عن سبي الأكراد إذا حاربوا، ومن حارب من المشركين، هل يحل نكاحهم وشراؤهم؟، قال: نعم".
وقد نقل هذه الروايات العشرات من علماء وفقهاء ومراجع الشيعة في مختلف العصور، في كتبهم المعتمدة لدى الطائفة، ولا زالت تدرس في حوزاتهم العلمية إلى وقت كتابة هذا المقال، ومن أبرز هؤلاء العلماء والفقهاء، حسب التسلسل التاريخي لوفياتهم :
1- علل الشرائع، للصدوق القمي المتوفى سنة 381هـ/991م.
2- من لا يحضره الفقيه، للصدوق القمي.
3- تهذيب الاحكام، لشيخ الطائفة الطوسي المتوفى سنة 460هـ/1069م.
4- النهاية في مجرد الفتاوى والأحكام، للشيخ الطوسي.
5- السرائرالحاوي لتحرير الفتاوى، لمحمد بن إدريس العجلي الحلي المتوفى سنة598هـ/1201م.
6- تذكرة الفقهاء، للحسن بن يوسف بن علي بن المطهر الحلي المتوفى سنة 726هـ/1336م ، تلميذ نصيرالدين الطوسي، وهو صاحب كتاب "منهاج الكرامة" الذي رد عليه شيخ الإسلام ابن تيمية المتوفى سنة 728هـ/1338م بكتاب "منهاج السنة في الرد على الشيعة والقدرية".
7- الجامع للشرائع، ليحيى بن سعيد الحلي المتوفى سنة 689هـ/1290م.
8- منتهى الطلب في تحقيق المذهب، لجمال الدين أبو منصور الحسن بن سديد الدين يوسف زين الدين علي بن محمَّد ابن مطهر الحلّي، المعروف بالعلاّمة الحلي المتوفى 771هـ/ 1370م.
9- المهذب البارع في شرح المختصر النافع، لأحمد بن محمّد بن فهد الحلّي الأسدي المتوفى سنة841هـ/1438م. وهو تلميذ الشيخ محمّد بن مكّي العاملي المعروف بـ"الشهيد الأوّل" المقتول.
10- عوالي اللآلي العزيزية في الأحاديث الدينية لابن أبي جمهور الأحسائي المتوفى سنة 880هـ/1475م.
11- مجمع الفائدة والبرهان شرح إرشاد الأذهان للحلي، لأحمد بن محمد المعروف بـ"المقدس الأردبيلي" المتوفى سنة 993هـ/1585م.
12- مسالك الإفهام في شرح شرائع الإسلام، لزين الدين بن علي الجباعي الملقب بـ"الشهيدالثاني" المقتول سنة965هـ/1586م.
13- كفاية الأحكام، لمحمد باقر السبزواري المتوفى سنة 1090هـ/1679م.
14- جامع الرواة ورافع الاشتباهات، لمحمد علي الأردبيلي المتوفى سنة 1101هـ/1690م.
15- وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، لمحمد بن الحسن الحر العاملي المتوفى سنة 1104هـ/1693م.
16- الفصول المهمة، لمحمد بن الحسن الحر العاملي.
17- بحار الأنوار، لمحمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1110هـ/1699م.
18- تفسير نور الثقلين، لعبد علي بن جمعة الحويزي المتوفى سنة 1112هـ/1700م.
19- الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، ليوسف بن أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن صالح بن عصفورالدرازي البحراني المتوفى سنة 1186 هـ/1772م. وهو رجل دين وفقيه ومرجع شيعي بحراني يُعرف باسم صاحب الحدائق نسبة إلى كتابه المشهور "الحدائق الناضرة"، ويعد من أهم رموز المدرسة الأخبارية التي تختلف عن المدرسة الأصولية، بأنها ترفض الدليل العقلي والإجماع كمصدر من مصادر التشريع عند الشيعة.
20- رياض المسائل في تحقيق الأحكام بالدلائل، للسيد علي بن السيد محمد بن أبي المعالي الطباطبائي المتوفى سنة 1231هـ/1815م.
21- جواهر الكلام في شرح شرايع الإسلام، لمحمد بن الحسن النجفي المعروف بالجواهري المتوفى سنة 1266هـ/1849م.
22- مستدرك سفينة البحار لعلي النمازي الشهرودي المتوفى سنة 1405هـ/1985م
23- جامع المدارك في شرح الجوهر النافع، لأحمد بن السيد يوسف بن السيد حسن الموسوي الخوانساري المتوفى سنة 1405هـ/1985م.
24- منهاج الصالحين، وكتاب "مستمسك العروة الوثقى" لمرجع الشيعة في العراق والعالم "محسن الحكيم الطباطبائى البروجردي" المتوفى سنة 1390هـ/ 1970م.
كما يجب أن لا ننسى طروحات المرجع الشيعي الإيراني الأصل "أبو الحسن الموسوي الأصفهاني" المتوفى سنة 1367هـ/1946م حول عدم مصاهرة الأكراد، فقد نشر رواية أخرى في كتابه "وسيلة النجاة"، ص (341) في "باب النكاح": " لا ينبغي للمرأة أن تختار زوجاً سيء الخلق والمخنث والفاسق وشارب الخمر ومن كان من الزنا أو الأكراد أو الخوزي (أهالي خوزستان – عربستان) أو الخزر(=منطقة القوقاز)".
مما تقدم وحسب المنظور الشيعي القائم على تشييع غالبية الجماعات المسلمة من المذاهب المخالفة "أهل السنة بالتحديد"، أصبح الكورد شوكة في خاصرة الدول الشيعية التي تعاقبت على الحكم في العراق مثل: البويهيين الديالمة، والدول التركمانية الشيعية "الاق قوينلو، والقره قوينلو"، وفي إيران مثل: الصفويين، والأفشارين، والزنديين، والقاجاريين التركمان... وغيرهم.
ورغم ذلك حاول دعاة الشيعة بكل ما أوتوا من قوة وجلد تشييع الكورد نظراً لصفاتهم الجبلية المتميزة، وموقع بلادهم كوردستان الجيوبولوتيكي الواقع على طرق ومسارات الحضارات "طريق الحرير"، وكون كوردستان تقع في مركز الشرق الأدنى.
ولكنهم رغم القسوة والشدة واستعمال حرب الإبادة التي استعملها الشاهات الصفويين أمثال: إسماعيل وحفيده عباس في القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين/ السادس عشر والسابع عشرالميلاديين على التوالي، لم يستطيعوا إلا تشييع قسم قليل من هذا الشعب بدعم مباشر من بعض الطرق الصوفية الباطنية الممزوجة بالتشيع: كالقلندرية، والحروفية، والبابائية، واليسوية، والبكتاشية التي انتشرت آنذاك في الهضبة الإيرانية وكوردستان، وكانت لها بنية راسخة إلى حدٍ ما عند العديد من الشخصيات الدينية من شيوخ التصوف وكبار مريديهم.
وكانت أفكار هذه الجماعات وأدبياتها تحتوي على قدر كبير من الأبجديات والطروحات الشيعية، ويطلق على هؤلاء الكورد الذين تشيعوا بـ :الكاكائية في جنوب كوردستان العراق، والفيلية وسط العراق وشرقه، والصارلية والشبك شرقي مدينة الموصل، والعلي إلاهية "أهل الحق- يارسان" جنوب غرب كوردستان إيران، والعلويين "القزلباش" في تركيا.
وحول تحديد أصل خرافة أصل الكرد من الجن وكيفية تسربها إلى المصادر التاريخية والدينية، يبدو أن المصادر لا تسعفنا، ولكن المسعودي المؤرخ الشيعي الشهير المتوفي سنة 346هـ/ 957م هو أول من أدرجها في كتابه الشهير "مروج الذهب ومعادن الجوهر"، الجزء الثاني الصفحة 123 بقوله: " ومن الناس من ألحقهم بإماء سليمان بن داؤد عليهما السلام حين سلب ملكه ووقع على إمائه الشيطان المعروف بالجسد، وعصم الله المؤمنات أن يقع عليهن، فعلق منه المنافقات فلما رد الله على سليمان ملكه ووضعت تلك الإماء الحوامل من الشيطان، قال: أكردوهن إلى الجبال والأودية، فربتهم أمهاتهم وتناسلوا، فذلك بدء نسب الأكراد".
أما الصدوق القمي معاصره المتوفي سنة 381هـ/991م، فقد أدرج روايتين في كتابه: "علل الشرائع" وربط سندهما بجعفر الصادق.
مما تقدم يثبت أن هذه الروايات الشيعية المبثوثة في كتب القوم من عهد الكليني في بداية القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي، إلى القرن الرابع عشر الهجري/العشرون الميلادي، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأنها روايات أصلية وغير مدسوسة ونابعة من التراث الشيعي، لأنها لو كانت مدسوسة وفق روايات بعض الكتاب الشيعة المعاصرين، لما تطرق إلى نشرها في رسائلهم العلمية من مراجع الشيعة المعاصرين كل من: أبو الحسن الأصفهاني المتوفى سنة 1366-1367هـ/ 1946م، وأحمد بن السيد يوسف بن السيد حسن الموسوي الخوانساري المتوفى سنة 1405هـ/1985م، و" محسن الحكيم" المتوفى سنة 1390هـ/1970م، وهو والد كل من "محمد باقر الحكيم" و "عبد العزيز الحكيم" وغيره، فضلاً عمن ذكرنا من روايات العلماء والمراجع الكبار آنفاً.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً