"ملوية سامراء" بمحافظة صلاح الدين قاومت أعتى الهجمات.. فهل يدمرها الإهمال؟

30-04-2019
رووداو
الكلمات الدالة ملوية سامراء صلاح الدين العراق
A+ A-

رووداو – أربيل

مثل كثير من آثار العراق، تقاوم المئذنة الملوية في مدينة سامراء بمحافظة صلاح الدين، مخاطر الانهيار، بعد أن تجاوز عمرها ألف عام، وحل بها ما حل من الإهمال.

يجمع باحثون في التاريخ على أن تلك المئذنة، من بعد مدينة بغداد، هي أفضل ما بناه العباسيون بين عامي 848-852م.

والمئذنة الملوية هي أحد معالم العراق المميزة بفضل طرازها المعماري الفريد بين مآذن العالم الإسلامي.

بُنيت في الأصل منارة مئذنة للمسجد الجامع، الذي أسسه المتوكل على الله، في الجهة الغربية لسامراء، وكان يعد حينها من أكبر مساجد العالم الإسلامي.

حصلت المئذنة الملوية على اسمها من شكلها الأسطواني الحلزوني، وهي عبارة عن مبنى من الطوب الفخاري يبلغ ارتفاعه 52 متراً، ويقع على بعد 27.25 متراً من الحائط الشمالي للمسجد.

ترتكز المئذنة على قاعدة مربعة ضلعها 33 متراً وارتفاعها ثلاثة أمتار، يعلوها جزء أسطواني من خمس طبقات، وتتناقص سعتها مع الارتفاع.

يحيط بالمئذنة من الخارج سلم حلزوني من 399 درجة، بعرض مترين، يلتف حول بدن المئذنة بعكس اتجاه عقارب الساعة.

في أعلى القمة توجد طبقة يسميها أهل سامراء "الجاون"، وكان يرتقيها المؤذن، ليرفع الآذان.

ترميم وصيانة مستمرة

يعد المسجد الجامع مع المئذنة الملوية من أبرز معالم عهد الدولة العباسية في سامراء، وقد قاومت عوامل التخريب الطبيعية على مر القرون.

لكن عمر محمد، وهو مؤرخ منحدر من مدينة الموصل، حذر من أن "وضع المئذنة الملوية يستدعي صيانة مستمرة، خاصة بعد التفجيرات المتكررة (في المدينة)، ونتيجة التغييرات المناخية".

وأضاف محمد، في تصريح صحفي، أنه "من دون ترميم وصيانة مستمرة، فإن مصير المئذنة هو الانهيار عاجلاً أم آجلاً".

وعن كيفية ظهور تلك المئذنة، قال محمد: "حين قرر العباسيون بناء عاصمة جديدة للخلافة العباسية، كان التحدي الأكبر لهم هو: هل يمكن بناء مدينة أجمل من بغداد؟.. فلم يكن أحد في ذلك الزمن يملك القدرة على بناء مدينة أجمل من بغداد، أو حتى تضاهيها في الجمال".

واستطرد قائلاً: "تم بناء ملوية سامراء وقصورها، وأصبحت المدينة تسحر الناظرين، فصار اسمها (سُرَّ من رأى)".

وتابع محمد: "ثم بني قصر الجوسق الخاقاني على أعقاب دير اشتراه العباسيون وأبقوا على منحوتاته وصوره، فزادت من رونق المكان وحولته إلى أحد أبرز معالم التراث العراقي".

وأردف أن "الملوية تضررت على يد هولاكو (قائد مغولي غزا بغداد ومدناً عراقية أخرى)، ثم تم ترميمها لاحقاً".

في القائمة الحمراء

حاجة مئذنة الملوية للترميم ليست وليدة اليوم، بل منذ عام 2003، بحسب ما أفادت به منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، على لسان المتحدث باسم مكتبها في بغداد، ضياء صبحي.

وقال صبحي، في تصريح صحفي: "وضعت المئذنة في تسعينيات القرن الماضي على قائمة المعالم المعرضة للخطر، أي القائمة الحمراء".

وزاد بالقول: "كان يُفترض أن تخضع لترميم وصيانة، لكن ظروف الحصار (الدولي الذي فُرض على العراق) حالت دون ذلك".

ومضى قائلاً: "وبعد 2003 كان هناك قرار بإعادة إعمارها مع مرقد الإمامين العسكريين (الذين تعرضا لتفجير عام 2006) كسلة واحدة، لكن هذا لم يكتمل أيضاً لأسباب كثيرة، بينها أعمال الإرهاب وعدم الاستقرار".

وكان تفجير المرقدين الشيعيين على أيدي مجهولين هو السبب المباشر لاندلاع أعمال عنف طائفية واسعة النطاق استمرت نحو عامين في أرجاء العراق بين السنة والشيعة.

وأوضح صبحي أن "اليونسكو تقدم حالياً  تقارير إلى الحكومة العراقية حول أهمية ترميم وصيانة المعالم الأثرية، والحكومة تقرر ما يحظى بالأولوية حسب الميزانيات المتاحة".

اتفاقيات ملزمة

شدد المتحدث باسم مكتب "اليونسكو" على أن "العراق، ومنذ عام 1949، مستمر في الانضمام والتوقيع على اتفاقيات عالمية تمنع الإضرار بالمعالم الأثرية والتاريخية".

وبَيَّنَ أن "الحكومة تعي تماماً أنها ملزمة بإعداد خطط وحماية كل معلم تاريخي تجاوز عمره المئة سنة، وفق اتفاقية التراث العالمي".

البند السابع

بحكم تمتع "اليونسكو" بسلطة تقديرية على المعالم الأثرية في الدول الأعضاء، فإن المنظمة، بحسب صبحي، "تراقب أسلوب تعامل الدول وجديتها في الحفاظ على آثارها".

وأشار صبحي إلى أنه "لا يمكن المساس عمداً بأي أثر أو الإضرار به، سواء عبر تشريعات أو بشكل تنفيذي، وتحت أي دافع من الدوافع".

وأضاف أنه: "بخلاف ذلك، وفي حال كان البلد موقعاً على اتفاقيات حفظ التراث العالمي، فإن الأمر قد يصل إلى تدخل مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة أو وضع البلد تحت البند السابع، وصولاً إلى دخول قوات أجنبية عسكرية لحماية المعلم".

ونوه إلى "وجود استثناءات تكون خارج إرادة الدول، مثل الحوادث الطارئة والكوارث الطبيعية والحروب والإرهاب".

تفعيل السياحة الأثرية

تحتل السياحة الدينية في العراق المساحة الأكبر من الاهتمام، لكن ثمة توجه لزيادة التوعية بأهمية السياحة الأثرية أيضاً.

من جهته قال عمر أحمد، وهو مدرس مساعد في كلية الآثار بجامعة سامراء، في تصريح صحفي: "نحتاج إلى توجيه الجهود للتعريف بأهمية السياحة الأثرية في سامراء، بجانب السياحة الدينية. نسعى لأن تصبح السياحة في سامراء دينية وأثرية وترفيهية وأكثر تطوراً".

لم يمر وقت طويل منذ أن استعادت سامراء ومئذنتها الملوية جانباً من عافيتها واستقبالها أعداداً خجولة من السائحين، لا سيما بعد زوال خطر تنظيم داعش، وإعلان بغداد تحرير كافة المدن العراقية، أواخر عام 2017.

وما تزال المدينة تحت سيطرة قوات "سرايا السلام" التابعة لمقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، كما توجد قوات عسكرية تابعة للحشد الشعبي في بعض مفاصل محافظة صلاح الدين.

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب