سعد سلوم يحصد "جائزة أديان" اللبنانية يقول لرووداو: التضامن في العراق يواجه تهديدات لصعود خطابات الكراهية

26-10-2025
رووداو
A+ A-

رووداو ديجيتال

منحت مؤسسة "أديان" اللبنانية جائزة التضامن لعام 2025 للأكاديمي العراقي البروفيسور سعد سلوم، تقديرًا لجهوده في تعزيز التضامن بين المجتمعات المهمشة ومواجهة خطابات الكراهية في منطقةٍ ما تزال تعاني آثار العنف والانقسام في بلدان الشرق الأوسط.

الجائزة، التي تُعرف أيضًا باسم "جائزة أديان للتضامن"، تهدف إلى تكريم الشخصيات والمبادرات التي تسهم في بناء جسور الوحدة بين الأديان والشعوب، لا سيما في سياقات الصراع. وقد سبق أن مُنحت لعدد من الشخصيات البارزة مثل البابا فرنسيس والمطران جورج خضر، ولثنائي الحوار النيجيري القس جيمس ووي والإمام محمد أشافة.
 
يُعد الدكتور سعد سلوم أحد أبرز المدافعين عن التنوع الديني والعرقي في العراق والمنطقة. وهو أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة المستنصرية ورئيس مؤسسة مسارات، وله أكثر من 22 مؤلفًا حول قضايا التعددية وحماية الأقليات، تُرجمت إلى عدة لغات منها الفرنسية والإيطالية والإنكليزية.
 
ويأتي تكريم سلوم اليوم ليؤكد أهمية الجهود الفكرية والإنسانية في إعادة بناء الثقة بين مكونات المنطقة، وترسيخ ثقافة العيش المشترك في مجتمعات أنهكتها الحروب وتعزيز التضامن مع مجتمعات الضحايا.
 
سلوم أوضح قائلًا: "لقد اخترتُ أن يكون عملي وجهدي منصبًّا على المجتمعات المهمشة في العراق والشرق الأوسط، لأنني مؤمن أن التضامن معها ليس عملًا خيريًا عابرًا، بل واجب أخلاقي، وشرط أساسي لتحقيق العدالة والاستقرار في منطقتنا. فما معنى أن نعيش في وطن، بينما يشعر جزءٌ منه بأنه غير مرئي؟ ما معنى التنمية إن لم تصل للجميع؟ وما قيمة السلام إن كان مبنيًا على صمت المتضررين والمهمّشين؟"، مؤكدًا بأن "التضامن مع هذه المجتمعات ليس مجرد موقف عاطفي، بل هو اعتراف بواقع غير عادل يجب تغييره. هو أن نقرّ بوجود فجوات حقيقية في الحقوق، في الفرص، وفي الحماية. وهو أن نرفض أن تكون الهويات الدينية أو العرقية أو الجغرافية مبررًا للإقصاء، أو تبريرًا للتهميش".
 
وحذّر الأكاديمي سعد سلوم في أول حديث له بعد نيله جائزة "أديان للتضامن"، لشبكة رووداو الإعلامية اليوم الأحد 26 تشرين الأول، من أن "التضامن في العراق والمنطقة يواجه اليوم تهديدات متشابكة ناجمة عن تزايد النزاعات والهويات المنغلقة، وتراجع الثقة بالمؤسسات العامة، وصعود خطابات الكراهية التي تُعيد إنتاج الخوف والانقسام". مستدركًا بقوله: "لكن في المقابل، هناك بذور مقاومة صامتة لهذه التهديدات، تتمثل في الحركات المدنية والمبادرات الشبابية العابرة للطوائف، وفي الجهود الأكاديمية والثقافية التي تعيد تعريف التضامن بوصفه مشروعًا وطنيًا وأخلاقيًا لا عملًا رمزيًا أو إنسانيًا عابرًا".
 
ونبّه الأكاديمي سعد سلوم إلى أنه "في العراق تحديدًا، يمكن القول إن فكرة التضامن لم تمت، لكنها أُنهكت بفعل الحروب والفساد والإقصاء، وتحتاج إلى تجديد في المفهوم والممارسة. فالتضامن الحقيقي لا يقوم على الشفقة، بل على الاعتراف المتبادل والعدالة والكرامة المتساوية، وهي الأسس التي يعمل عليها مثقفون وناشطون ومؤسسات مدنية تحاول إعادة بناء الثقة بين المكوّنات". مضيفًا: "على مستوى المنطقة، إن التحدي الأكبر يكمن في تسييس الهوية وتديين الصراع، وهو ما يجعل التضامن الإنساني يبدو تهديدًا للولاءات الضيقة بدل أن يكون امتدادًا لها. ومع ذلك، كلما ازداد الانقسام، ازدادت الحاجة إلى من يذكّر بأن التضامن ليس ترفًا أخلاقيًا، بل شرط لبقاء المجتمعات ذاتها".
 
وخلص الأكاديمي سلوم إلى أننا "لا نعيش نهاية التضامن، بل امتحانه الأصعب، امتحان القدرة على ترميم المعنى في زمن الانقسام، وتحويل الألم المشترك إلى فرصة لإعادة اكتشاف الإنسان في الآخر".
 

ولخّص ما الذي يمكن عمله، بقوله: "باختصار، يمكن إنقاذ التضامن في العراق والمنطقة عبر ثلاث خطوات أساسية وهي: بناء وعي جدي عن طريق تحويل التضامن من شعار عاطفي إلى وعي مدني يقوم على العدالة والمواطنة المتساوية، وتمكين المهمشين بفتح المساحات أمامهم للتعبير والمشاركة، لا الحديث باسمهم، والتحالف بين الفكر والميدان وذلك بربط الجهود الأكاديمية والثقافية بالمبادرات المجتمعية الواقعية، بحيث يصبح التضامن سلوكًا مؤسسيًا وثقافة يومية لا مجرد ردّ فعل على الأزمات. بكلمة واحدة، المطلوب تجديد معنى التضامن ليصبح ممارسة مستدامة تُعيد الثقة وتبني السلام من القاعدة إلى القمّة".
 
سلوم كان قد استحق نيل جوائز دولية عديدة، بينها جائزة ابن رشد للفكر الحر (برلين 2022)، وجائزة ستيفانوس الدولية (أوسلو 2018)، وجائزة ZÊD الألمانية (فرانكفورت 2023)، وتُعد "جائزة أديان للتضامن" أول جائزة عربية يحصدها والسادسة في سلسلة الجوائز التي حصل عليها خلال الأعوام الماضية.
 
في كلمته خلال الاحتفال بمنحه جائزة "أديان للتضامن"، قال سلوم: "أقف أمامكم اليوم، وأنا أشعر بامتنان عميق لتسلّمي جائزة التضامن من مؤسسة أديان. هذه الجائزة التي تمثّل بالنسبة لي دعوة للاستمرار، ومسؤولية لمضاعفة الجهد، أكثر من كونها تكريمًا شخصيًا. أشكر مؤسسة أديان على ثقتها، وعلى ما تمثّله من نموذج حيّ في بناء الجسور بين الأفراد والمجتمعات، رغم كل ما يحيط بنا من جدران الخوف والفرقة".
 
وكشف عن أنه "في العديد من دول منطقتنا، هناك مجتمعات حُرمت من التعليم، من المشاركة السياسية، من فرص العمل، وحتى من الاعتراف القانوني. هذه الفجوات لا تهدّد فقط من يُعاني منها، بل تهدّد السلم الاجتماعي برمّته، وتضعف النسيج الوطني". مؤكدًا على أن "قيمة التضامن اليوم هي ما يحدد بقاءنا واستقرارنا. التضامن مع هذه الفئات، إذًا، هو في جوهره عمل لبناء السلام الحقيقي، السلام الذي لا يُقاس فقط بغياب العنف، بل بحضور العدالة، والكرامة، والمساواة. وهو أيضًا استثمار في مستقبلٍ أكثر شمولًا. فكم من الطاقات دُفنت فقط لأن أصحابها وُلدوا في أماكن منسية؟ وكم من القصص لم تُروَ، والأفكار لم تُسمَع، فقط لأن أصحابها لم يُعطوا فرصة؟".
 
وبيّن أن "التضامن لا يعني الحديث نيابة عن المهمّشين، بل أن نخلق المساحات التي تُسمَع فيها أصواتهم، أن نضع خبراتنا، ومواقعنا، ومواردنا، في خدمة تمكينهم من التعبير عن أنفسهم، والمطالبة بحقوقهم، ورسم مصيرهم. وأكثر من ذلك، التضامن مع المجتمعات المهمشة هو في النهاية تضامن مع أنفسنا، لأن كرامة الإنسان لا تتجزأ، وأمننا الجماعي يبدأ حين يشعر كل فرد أنه مشمول بالانتماء، ومحاط بالعدالة، ومصون بالحقوق".
 
يُذكر أن الأكاديمي سعد سلوم يرأس مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والإعلامية، التي تركز على حماية التنوع والحوار بين الأديان. وشارك في تأسيس المجلس العراقي لحوار الأديان عام 2013، والمركز الوطني لمواجهة خطابات الكراهية عام 2018، ومعهد دراسات التنوع الديني عام 2019، ومعهد صحافة التنوع في العراق عام 2020.
 
وهو مؤلف للعديد من الكتب التي تبحث في شؤون التنوع المختلفة، من أبرزها: الأقليات في العراق (2013)، المسيحيون في العراق (2014)، الوحدة في التنوع (2015)، الإيزيديون في العراق (2016)، حماية الأقليات الدينية والإثنية واللغوية في العراق (2017)، وسائل الإعلام العراقية وقضايا التنوع الديني (2018)، نهاية التنوع في العراق (2019)، والعودة إلى سنجار (2020).

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب