رووداو ديجيتال
المطران نجيب ميخائيل، رئيس أساقفة الكلدان في الموصل وعقرة والزيبار، هو أحد المرشحين لنيل جائزة سخاروف لحرية الفكر الممنوحة البرلمان الأوروبي، هذا العام، تكريماً له على نجاحه في إنقاذ مئات الكتب والمخطوطات الأثرية التي تعد من الأرشيف الكنسي من قبضة تنظيم داعش في سهل نينوى، بعدما نقلها إلى إقليم كوردستان.
وقال المطران نجيب ميخائيل لشبكة رووداو الإعلامية: "وصلني خبر هذا الإعلان من خلال المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري في كوردستان، اتصلوا بي وهنأوني وأنا لا علم لي به، فتفاجأت بهذا الخبر المفرح، وهو خبر ليس لي، ولكن لكل العراق وأيضاً لكوردستان والشعب العراقي. فأن نكون مرشحين لهذه الجائزة التقديرية علامة اعتراف بهذا الشعب المتألم والمتمزق بسبب العنف، وهذا الاعتراف وهذا التقدير هو للجميع".
وأضاف: "فرحنا كثيراً بتمكننا من أن نقدم شهادة باسم العراق وباسم كل شعب العراق بكافة طوائفه، بأننا شعب يبحث عن السلام ولنا جذور عريقة في التاريخ بوادي الرافدين (ميزوبوتاميا)".
وعن الأعمال التي رشحته لنيل الجائزة، أوضح أن "الأسباب قبل كل شيء هي أننا نهتم بالبشر ونهتم أيضاً بالتراث، لأن التراث هو جزء من جذور كل إنسان، وشعب بدون تراث وبدون تاريخ هو شعب ميت، ونعرف أن شعب ميزوبوتاميا عريق جداً، وعندما هاجم داعش سهل نينوى والموصل ووصل إلى أبواب كوردستان. في الحقيقة عندما يهرب الأب بسبب الكوارث الطبيعية، يأخذ معه أغلى شيء، وهذا الشيء الغالي هو أبناؤه وأولاده وعائلته، كذلك الأمور والمقتنيات الثمينة. فأنا كرجل دين، الشعب هم أولادي، وأيضاً التراث بمثابة أولادي".
واستطاع المطران إنقاذ نحو 800 مخطوطة أثرية خلال اجتياح داعش لسهل نينوى، وقال في معرض حديثه لرووداو: "هذه الكتب التي أنقذناها في العام 2014، في ليلة السادس على السابع من شهر آب، عندما داهم داعش سهل نينوى بكل أطيافه من مسيحيين وإزيديين وكاكائيين وشبك، تأثر كل هؤلاء بهذا الهجوم الإرهابي، وعندما وصلنا إلى أبواب كوردستان وجدنا (الكلك) كانت تستقبلنا، وعندما داهم داعش هذه المنطقة ووصل إلى الكلك قاومته قوات البيشمركة وزيرفاني الشجعان، قاوموه بشكل قوي جداً وأوقفوه في حدوده، وفتحوا الأبواب لكل هذا الشعب، مئات الآلاف من البشر وأنا من ضمنهم، استطعنا أن نعبر الحدود، ولكن لم نعبر وأيدينا فارغة، كان معنا أولادنا والأطفال والشعب الذين لم نكن نعرفهم أساساً، حملتهم في سياراتنا التي كانت مليئة بالكتب المهمة والثمينة، ووضعنا الناس، وأغلبهم معاقون وكبار وصغار وأطفال، وضعناهم فوق هذا الأرشيف، وقلنا إما أن نموت كلنا مع بعض أو نعيش معاً، وحقيقة كنت قد طلبت في ذلك اليوم من الله أن يمنحني عشر أيد وعشر أرجل بدلاً عن يدين ورجلين، وفعلاً بعث لنا أناساً لا أعرفهم ساعدونا لنقل هذا التراث ووضعناه في كوردستان بأمان".
وحول ما هية هذه الكتب، بيَّن أن "العديد من هذه الكتب هو أرشيف كنسي، وهي كتب صلوات وكتب فلسفة ولاهوت وكتاب مقدس، العهد القديم والعهد الجديد، وأيضاً كتب قواميس. هذا يعتبر تراثاً لكل العراق. الكتب ليست كتباً مسيحية فقط، بل تخص أيضاً شمولية الشعب العراقي وتاريخ هذا الشعب الموجود هنا. لأنه كان سابقاً وطناً واحداً ولازال إن شاء الله وطناً واحداً".
وذكر أن "هذه الكتب الثمينة تعبر عن تاريخ وجذور الكنيسة الموجودة هنا، واليوم للكنيسة حقاً مكانتها وأهميتها في كافة العراق. من شمال العراق إلى جنوبه، نشعر أننا مواطنون، والمواطنة هي أول علامة وأولى الجذور التي يمكن أن تنقذ مستقبل البشرية، فهذا التاريخ ليس له حدود، ومهما كانت هذه المخطوطات وهذه الكتب الثمينة، فهي تمثل حقبة زمنية من التاريخ، وأراد داعش أن يحرق، وحرق للأسف العديد من المخطوطات والكتب وحطم ثيراناً مجنحة وحطم المتاحف".
وعمد داعش خلال سيطرته على ثلث مساحة العراق لثلاث سنوات ونصف من صيف 2014 حتى أواخر 2017 إلى هدم وإتلاف الآثار إضافة إلى دور العبادة.
وشدد المطران على وجوب "محاربة هذا الفكر الداعشي، فكر الظلام، من خلال التربية ومن خلال المدارس بفكر إيجابي، من خلال الخطاب الديني المنفتح. واليوم يجب أن نهتم بالمواطنة لحماية هذا التراث، وقبل أن نحمي أنفسنا علينا أن نحمي تراثنا وجذورنا".
ومضى بالقول: "لسنا نحن أبطالاً حتى نحرر كل المسيحيين. جميع الأساقفة والرهبان والراهبات والشعب، الكل عمل. فهذه كانت كارثة ضد البشرية بشكل عام، وليست فقط ضد المسيحيين أو الإزيدية، الإزيدية دفعوا ثمناً غالياً جداً للأسف. هذه الديانة العريقة والمهمة في العراق والتي تمتد جذورها إلى ما قبل الزرادشتية حتى، ولهذا نرى بأن هذا التراث وهذا الشعب كانا في خطر".
وتابع: "منذ شهر أيار، إلى أن هاجمَنا داعش في السادس من آب، نرى أن الكل عمل مع بعض من أجل أن ننقذ الشعب وننقذ التراث أيضاً وفي آن واحد. فكان هناك أكثر من 120 ألف نسمة من المسيحيين فقط، وهو عدد هائل تركوا سهل نينوى وتركوا الموصل خلال ليلة وضحاها، وتوجهوا إلى شمال العراق إلى كوردستان الذي فتح قبله قبل يديه، وفتح هذه الأراضي لاستقبالهم بكل حفاوة وبكل احترام ولا نزال حتى يومنا هذا نشعر بامتنان لهذا الشعب الذي برهن أنه شعب واحد مع العراق ومع كافة أطياف العراق من أجل حماية هذا الشعب ووحماية هذا التراث".
وأسس البرلمان الأوروبي جائزة سخاروف لحرية الفكر في كانون الأول 1988 لتكريم المؤسسات أو الأشخاص الذين كرسوا حياتهم للدفاع عن حقوق الإنسان وحرية الفكر، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى العالم والناشط السوفييتي أندريا سخاروف.
وتقوم لجنة الشؤون الخارجية والتنمية في البرلمان الأوروبي بترشيح قائمة قصيرة من مستحقي الجائزة، ثم يعلن اسم الفائز في تشرين الأول.
ومنحت أول جائزة مناصفة للزعيم الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا والروسي أناتولي مارتشينكو، كما تقاسم الجائزة خمسة ممثلين عن الربيع العربي هم أسماء محفوظ وأحمد الزبير السنوسي ورزان زيتونة وعلي فرزات ومحمد البوعزيزي لمساهماتهم في إحداث "تغييرات تاريخية في العالم العربي". كما منحت الجائزة لعدة منظمات، كانت أولاها جمعية أمهات ميدان مايو في الأرجنتين سنة 1992.
وتُسلم جائزة سخاروف في حدود يوم 10 كانون الأول من كل عام، وهو اليوم الذي يُحتفل فيه بإقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً