رووداو ديجيتال
يعاني قضاء الكحلاء من أعلى نسبة فقر في العراق تبلغ 79% بحسب إحصائيات وزارة التخطيط، وفي وقت يطفو على بحر من النفط، لم يحصل أبناؤه على فرص عمل في الشركات النفطية الأجنبية.
حسين علي طفل ترك مقعده الدراسي ليعين عائلته، لا يفكر بمستقبله ولا بأيام عمره، سوى توفير الطعام والشراب لعائلته بعد إصابة والده بامراض قلبية. حسين حالة مشابهة لعشرات الأطفال في قضاء الكحلاء بمحافظة ميسان.
يقول حسين علي لشبكة رووداو الإعلامية: "تركت مدرستي لاساعد والدي في عمله بالحدادة. أخرج صباحاً إلى العمل وأعود ظهراً لتناول الغداء، وأعود مجدداً الى العمل حتى الليل، هذه معيشتي".
كل تفاصيل المشهد في الكحلاء تحكي قصة مأساوية مع الفقر والحرمان لسكان هذه الناحية، حيث تنعدم الخدمات البيئية والصحية، ومنازلها لا تصلح للعيش، وأكوام النفايات والمياه الاسنة والكلاب السائبة تحيط لكل مكان.
كامل حطاب، منتسب في الشرطة، يتحدث لشبكة رووداو الإعلامية عن حالة المواطنين المعيشية في القضاء، قائلاً: "المواطنون هنا لا يملكون المال، يعمل أحدهم في البناء (عامل) ليجلب الخبز لاهله، وإذا لم يذهب للعمل يبقون دون طعام"، مضيفاً أن المواطنين في الكحلاء لا يملكون شيئاً، وبالنسبة لحي الرحمة "شوارعه خربه، واطفالنا يذهبون للمدرسة وهم يرتدون أكياساً بلاستيكية في اقدامهم كي يتمكنوا من الوصول إلى الشارع الرئيسي."
الشيب غزا رؤوسهم وتعب السنين بان على وجوههم. اياد تسطر قصص التعب ومشاق الحياة، حتى افكارهم مرهقة كحالهم، كيف لا ومصير مجهول بانتظار اطفالهم وعائلاتهم.
يقول العامل صباح عودة لشبكة رووداو الإعلامية: "لدي عائلة مكونة من 9 افراد، أحدهم يعاني من مرض نفسي، أعمل في البناء واحياناً لا يرضون أن يشغلوني، وانا باقٍ في مكاني، وكرامتي عزيزة لاتسمح لي أن أمد يدي لاحد".
ويضيف: "الجميع يعلم هنا بأن وضعي متعب جداً، فأنا لا استطيع العمل مثل السابق، فقد تعبت وفقرات ظهري تتألم، وأبقى طريح الفراش لمدة تبلغ شهراً أحياناً، وليس لدي معين"، متسائلاً: "ماذا أفعل وأين اذهب؟".
اطفال صغار يعملون باجور بسيطة لشراء ملابس ومستلزمات المدرسة التي تقع خارج المدينة بمسافات بعيدة، يذهبون سيراً على الاقدام في طرقات وعرة، يتحدثون عن ظروف صعبة ومعاناة كبيرة تفوق اعمارهم.
في هذا السياق، يقول مقتدى عباس لشبكة رووداو الإعلامية: "حينما يحين وقت العطلة الصيفية اتصل بالبنّاء للعمل معه، لكي أجمع اموالاً لاشتري ملابس واحتياجات الدراسة، واذا لم أحصل على عمل أتأخر عن الدوام في المدرسة"، مشيراً إلى أنه ذات مرة تأخر أكثر من شهر عن الدراسة وعندما سأله مدير المدرسة عن سبب عدم مباشرته لم يعرف بماذا يجيبه.
وتابع أنه يعين "عائلة مكونة من 11 فرداً. نسكن في منزل مساحته 125 متر مربع، ووالدي عامل في البناء، وأنا أعمل ايضاً حيث اخرج في الساعة 5 فجراً وأعود الساعة 1:00 ظهراً بعدها أذهب إلى المدرسة".
من جهته، يقول الطالب عباس محمد لشبكة رووداو الإعلامية: "والدي لم يجد عملاً هنا فذهب الى محافظة البصرة للعمل هناك"، مبيّنا أن والده يحصل على "15 الف دينار يومياً، متحملاً مشاق العمل".
وأشار إلى أن والدهم يعود ليعطيهم المصروف ويعود إلى البصرة مرة أخرى، موضحاً أنه لا يستيطع شراء الأقلام والدفاتر أحياناً ويحصل عليها من أصدقائه.
قضاء الكحلاء تقطنه أكثر من 100 الف نسمة، يبعد عن مركز المحافظة 20 كيلومتراً باتجاه الغرب، وعن بغداد 428 كليومتراً جنوباً.
يضم القضاء الكحلاء هما ناحية بني هاشم وناحية المشرح، وتقدر مساحته بـ 2217 كيلومتراً مربعاً. أغلب سكانه يعملون بأجر يومي، في الوقت الذي تطفو المدينة على بحر من الذهب الأسود، وتحيطها شركات نفطية، لا يعمل فيها أحد من اهالي المنطقة الا جنسيات أجنبية أو من محافظات اخرى، بحسب سكان القضاء.
عباس التميمي، متقاعد، يتساءل في حديثه لشبكة رووداو الإعلامية: "ماذا استفدنا من نفطنا؟ (...) هل من المعقول أن نستجدي من الاخرين؟"، مشيراً إلى أن سعر كيلو الباذنجان كان يبلغ 1000 دينار سابقاً، أما الآن فأصبح سعره 2000 دينار.
سوق المدينة هو الآخر، شبه خال من المتبضعين، فارتفاع اسعار المواد الغذائية والخضار زاد من معاناة الاهالي هنا على معاناة الفقر والبطالة.
حسين المحمداوي، بقال، يشير إلى أن "الأسعار ارتفعت كثيراً، لأن جميع الخضار مستورد، فسعر كيلو الباذنجان 2,000 دينار والخيار 1,500 دينار"، مبيّناً أنه "لا يوجد شيء محلي وكل شيء مستورد لذا تكون السعار عالية، وبهذه الاسعار لا يمكن للعائلات في الكحلاء شراء شيء".
في الكحلاء عشرات الاطفال باعمار صغيرة، يعملون لكسب قوت يومهم بعد الانتهاء من دراستهم كما يفعل حسين عباس.
يقول الطالب حسين عباس الذي يعمل في أقات فراغه لشبكة رووداو الإعلامية: "أذهب الى المدرسة في الـ 7:30 صباحاً. أكمل دراستي في الساعة 12:00 ظهراً، بعدها أكون في السوق الساعة 3:00 ظهراً"، موضحاً: "أعمل لاعين عائلتي المكونة من 7 أفراد. أجمع من عملي في نقل المواد بالعربة ما يقارب 5,000 دينار وأعود الى عائلتي".
79%، هي نسبة الفقر في قضاء الكحلاء، الذي يعد الأشد فقراً في العراق، بحسب احصائية رسمية لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، التي تقول إن سكانه سيدرجون في الرعاية الاجتماعية ضمن قانون الموازنة الجديدـ بعد أن انتهت عمليات المسح الميداني في القضاء.
رئيس هيئة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، أحمد خلف لعيبي، يؤكد لشبكة رووداو الإعلامية، أن "قضاء الكحلاء أشد الاقضية فقراً في العراق، وفق البيانات الرسمية المزودة من وزارة التخطيط"، مشيراً إلى أن "نسبة الفقر في القضاء هي 79٪، وهو أول قضاء تم استهدافه من قبل وزارة العمل والشؤون الاجتماعية/ هيئة الحماية الاجتماعية، بأكثر من ١٥٠ باحثاً اجتماعياً بدأ عملهم في منتصف شهر كانون الثاني الجاري".
وأضاف أنه "تم مسح القضاء بالكامل لجميع المتقدمين في القضاء، وبعد أن أكملنا المسح الكامل للقضاء ديمغرافياً من الناحية الخدماتية والاقتصادية، اتجهنا الآن إلى تحليل هذه البيانات وبعد تحليل هذه البيانات سيتم مفاتحة الجهات المختصة في وزارة التخطيط ووزارة الصحة ونرفع لهم بيانات المسح المنفذ في قضاء الكحلاء ليتم اتخاذ الاجراءات اللازمة من الناحية الصحية والنفسية والاجتماعية والخدماتية في داخل هذه الأسر".
عشرات القصص المأساوية تروى هنا، منازل متهالكة وأمراض شتى داخل كل منزل في هذا الحي، وضع يفتك بالصغير والكبير، على أمل من يسمع صوتهم ويرأف بحالهم.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً