رووداو - أربيل
عند بداية الشارع التاسع في مقبرة النجف، توقّفت حافلة صغيرة بيضاء بالقرب من آلية عسكرية وترجلت منها خمس فتيات توجهن بسرعة نحو قبر القائد العسكري أبو مهدي المهندس وهنّ يلتقطن الصور دون توقف.
انضمت الفتيات إلى رجال يلطمون صدورهم ونساء يبكين، تجمعوا حول القبر الذي أصبح مقصداً لآلاف الشيعة المطالبين بالثأر من الولايات المتحدة، بعد أكثر من شهر ونصف الشهر على مقتل المهندس بغارة أميريكة في بغداد أودت كذلك بحياة قائد فيلق القدس الإيرانية قاسم سليماني.
ويتدفق آلاف الشيعة يومياً على مدينة النجف لزيارة مرقد الإمام علي لكن قبر المهندس بات محطة إضافية في رحلتهم الدينية.
وقال عباس عبد الحسين المسؤول عن أمن الموقع إن القبر "تحول إلى مزار وليس فقط مقبرة خاصة".
وأضاف بينما كان رجل إيراني يتلو انشودة على وقع أصوات بكاء الحاضرين "نساء وأطفال ورجال يأتون من إيران ولبنان والبحرين ليزوروا أبو مهدي، والأعداد يومياً أكثر من ألف شخص".
وتقدم شاب ببطء نحو القبر، وجلس إلى جانبه تحت صورة ضخمة للمهندس، يلطم صدره ووجهه ويصيح "الله ينتقم من أمريكا".
وتعهدت الفصائل الشيعية بالانتقام، مهددة القواعد والمقرات الدبلوماسية والجنود الأميريكين الموجودين في العراق وعددهم أكثر من خمسة آلاف جندي.
لكن بعد سبعة أسابيع، لا يزال الرد مؤجلاً فيما يجسد إرث المهندس قبره في "وادي السلام" وغرفة زجاجية في مكان مقتله قرب مطار بغداد.
وتقول أم حسين الآتية من البصرة انها اجتازت مسافة 450 كلم في إحدى الحافلات الصغيرة لتزور القبر.
وأوضحت المرأة التي ارتدت العباءة الجنوبية التقليدية السوداء "كلما نأتي لزيارة الإمام علي، سنزور الشهيد البطل (المهندس). هذا واجب".
ومن ساعات الصباح الأولى وحتى المساء، تتوقف حافلات الزوار الآتين من مناطق مختلفة ودول أخرى تباعاً قرب مدخل المقبرة، بينهم من كان يقاتل مع المهندس، ومن تعرف عليه فقط بعد مصرعه.
و"وادي السلام" واحدة من أكبر مقابر العالم من حيث المساحة الجغرافية، وتدور حولها أسطورة تقول إنها تتسع لكل المسلمين، علماً أن الغالبية العظمى من ملايين مدفونين فيها ينتمون للمذهب الشيعي.
من البصرة أيضا، جاءت سعاد لتشكر المهندس على قتاله ضد "داعش" وقالت بهدوء وهي تذرف الدموع "هو الذي رد داعش، هو البطل رحمة الله عليه"، معتبرة أنّ "مقتله أثّر علينا وعلى الحشد كلّه".
وبعدما تجمّع نحو عشرين شخصاً حول القبر الذي يتوسط مجموعة قبور لقادة عسكريين شيعة آخرين، فتح الإيراني رضا أبادي هاتفه وبدأ بتلاوة انشودة دينية بصوت حزين.
وقال أبادي الآتي من كرمان مسقط رأس سليماني "كان علينا أن نأتي الى هنا لنظهر احترامنا لهذا العزيز على الايرانيين والعراقيين".
وأضاف "باذن الله ذكرى الشهيدين الحاج قاسم وأبو مهدي ستبقى ولن تُنسى".
وشكلت الغارة الأمريكية في الثالث من كانون الثاني/يناير ضربة كبرى لطهران، لأنها أطاحت بأهم شخصيتين عسكريتين مكلفتين ترسيخ نفوذ إيران العسكري خارج حدودها.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً