رووداو ديجيتال
يستعد العراق للدورة السادسة من الانتخابات البرلمانية بعد عام 2003، المقرر إجراؤها (11 تشرين الأول 2025)، وتختلف هذه الانتخابات بالنسبة للأطراف العراقية، حيث ستجرى هذه المرة دون مشاركة التيار الوطني الشيعي. ودعا زعيم التيار، مقتدى الصدر، أنصاره إلى مقاطعة الانتخابات، في خطوة غير مسبوقة من المحتمل أن تؤثر على الخريطة السياسية في العراق.
واتسعت دعوة الصدر، فمع انطلاق الحملات الانتخابية في 3 تشرين الأول، مُنع تعليق الملصقات واللافتات في مدينة الصدر ببغداد. وفي شرق العاصمة، التي تعد المعقل الرئيسي للتيار، لم يحدث هذا المشهد في الدورات الانتخابية السابقة، حتى في أكثر الظروف حساسية.
وبعيداً عن مقاطعة الصدر للانتخابات، تسعى القوى السياسية الشيعية المنافسة للتيار، والتي اجتمع جزء منها ضمن الإطار التنسيقي، إلى جذب انتباه الناخبين وملء الفراغ الذي سينشأ عن غياب الصدريين. ويأتي هذا في وقت شهدت فيه الانتخابات السابقة نسبة مشاركة منخفضة جداً بسبب عزوف قسم كبير من الناس المعروفين بـ "الأغلبية الصامتة"، مما أثار جدلاً واسعاً حول شرعية النتائج.
أهمية الانتخابات المقبلة
لهذه الانتخابات، أهمية خاصة، ليس فقط على المستوى المحلي، بل أيضاً في إطار منطقة مليئة بالتعقيدات والتوترات الجيوسياسية، التي أصبح العراق جزءاً منها رغماً عنه. ويعود السبب في ذلك إلى أن مصالح دول المنطقة والعالم تلتقي في العراق. فالعملية الانتخابية تتجاوز كونها حقاً دستورياً لتصبح أداة لحسم المواقف السياسية في العراق، كما أن طريقة تعامل العراق مع الملفات الحساسة في المنطقة تعد محط اهتمام، خاصة قضية الجماعات المسلحة التي غالباً ما ترتبط بنفوذ وارتباطات دول أخرى.
في حال لم تتمكن الانتخابات من إنتاج سلطة سياسية قوية أو تمثيل متوازن، تخشى الأطراف السياسية من أن تستغل الفصائل المسلحة هذا الفراغ لتوسيع نفوذها، مما يعيد العراق مرة أخرى إلى مرحلة ضعف السيادة وهيمنة الجماعات المسلحة.
وحذرت الأطراف السياسية، قبل الحملات الانتخابية وأثناءها، من أن "تأجيل أو إلغاء" الانتخابات قد يفتح الباب أمام فراغ دستوري ويزيد من احتمالية الفوضى السياسية والأمنية. لكن هذا السيناريو قد ابتعد إلى حد كبير، حيث تستمر الحملات الانتخابية منذ أسبوعين ولم يتبق سوى 20 يوماً على تصويت الناخبين. وعلى الرغم من وقوع بعض الحوادث ومقتل مرشح، يبدو أن العراق سيمضي قدماً في الانتخابات ليحدد الشعب ممثليه القادمين والحكومة المقبلة.
في هذا السياق، أعلن رئيس ائتلاف دولة القانون ورئيس الوزراء العراقي الأسبق، نوري المالكي، أن "إجراء الانتخابات في موعدها المحدد ضرورة وطنية للحفاظ على الاستقرار والمسار الديمقراطي في البلاد"، وحذر من التداعيات "الخطيرة" لتأجيل أو عدم إجراء الانتخابات. وقال المالكي، إن "صناديق الاقتراع هي الضمانة الوحيدة لمنع عودة الدكتاتورية والطائفية والتهميش".
في 16 من الشهر الجاري، تحدث رئيس ائتلاف الإعمار والتنمية، محمد شياع السوداني، في إطار حملته الانتخابية بمحافظة بابل، عن وضع مشابه، حيث أعلن أن مقاطعة الانتخابات تفتح الطريق أمام "الفاسدين والفاشلين" ولم يخفِ وجود محاولات لتخريب وتشويه الرأي العام حول عمل الحكومة، لكنها استمرت.
وأضاف رئيس ائتلاف الإعمار والتنمية، في ظل الأوضاع المعقدة بالمنطقة، كاد العراق أن يُجر إلى هوة الصراع والحرب، لكن الحكومة حافظت على موقف العراق، مُعرباً عن أسفه لغياب رؤية واضحة في الماضي تفتح الطريق أمام العراق والعراقيين.
سلاح الفصائل.. بين مطالب الصدر وتعقيدات الدولة
تعد مسألة "السلاح خارج سلطة الدولة" وحل الفصائل المسلحة، إحدى أبرز نقاط الخلاف بين مقتدى الصدر والكتل السياسية، خاصة الأطراف الشيعية. ولطالما شدد الصدر، على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، مع تعزيز المؤسسات الأمنية كالجيش والشرطة، وطالب باستقلالية القرار العراقي ومواجهة الفساد.
على الرغم من أن هذه المطالب تحظى بدعم واسع، إلا أن تنفيذها يواجه واقعاً معقداً، فالحكومة العراقية ترى أن التعامل مع ملف السلاح خارج إطار الدولة يتطلب توازناً دقيقاً، لكونه قضية أمنية وسياسية حساسة. فالفصائل المسلحة، على اختلاف ولاءاتها، تمتلك نفوذاً عسكرياً وسياسياً ليس من السهل تجاوزه، وحلها دون بديل واضح قد يؤدي إلى فراغ يهدد الاستقرار.
موقف الصدر وتداعياته
لا يقتصر موقف الصدر على الانسحاب من العملية الانتخابية فحسب، بل يكشف أيضاً عن انسداد الأفق السياسي وفقدان الثقة في إمكانية الإصلاح داخل النظام السياسي في العراق، لكن المنافسين الحاليين، وفي مقدمتهم محمد شياع السوداني، يقولون إن “المشاركة الفعالة” لن تبقي الوضع على ما هو عليه، والذي أصاب الصدر باليأس.
يعكس موقف مقتدى الصدر، بمقاطعة الانتخابات، قناعته بصعوبة تنفيذ مشروعه الإصلاحي في ظل النظام السياسي الحالي. ويرى الصدر أن بقاء "الفاسدين" المدعومين من قبل القادة والكتل السياسية المهيمنة، يشكل عائقاً رئيسياً أمام أي إصلاح حقيقي.
ولم يتوقف الصدر عند هذا الحد، ففي اليوم الـ 13 من الشهر، وبختمه وتوقيعه وخط يده، أعلن موقفه الصريح بشأن 78 عضواً في تياره رشحوا أنفسهم ضمن قوائم الأطراف السياسية الأخرى، قائلاً: "لقد أعلنوا عصيانهم لنا آل الصدر".
وعرض مقتدى الصدر موقفه في سطور قليلة قائلاً إن "مثل هؤلاء يسعون لإضعاف الوطن بل والمذهب الشريف ويعادون مشروع الإصلاح ويريدون تقوية مشروع الفساد بتحالفهم مع بعض الكتل الفاسدة التي لا هم لها إلا المال والسلطة تاركة الشعب والوطن يعانون ويلات الفقر والمخاطر الأمنية.. فعليكم بمقاطعتهم".
تعتبر مقاطعة التيار الصدري بمثابة ضربة للانتخابات بسبب الثقل الجماهيري الذي يتمتع به التيار. إن غياب هذه الكتلة لن يؤثر على النتائج فحسب، بل سيشجع أيضاً بعض المترددين على عدم التصويت. في (11 تشرين الأول 2025)، صرح رئيس الوزراء العراقي الأسبق ورئيس ائتلاف النصر، حيدر العبادي، في مقابلة مع شبكة رووداو الإعلامية حول الوجوه الجديدة والتغيير: "أتمنى أن تصعد وجوه شبابية جديدة، لكن وجوه شبابية جديدة ليست كافية، ينبغي أن يكون لديها برنامج جديد. لكن لحد الآن أنا لا أرى بأن الأحزاب السابقة ستتراجع. هذا التنبؤ ممكن لضعف المشاركة الانتخابية".
الاغتيال السياسي وتهديد للانتخابات
جاء التحذير من الوضع في العراق بعد أيام من اغتيال صفاء حسين ياسين المشهداني، المعروف باسم (صفاء الحجازي)، عضو مجلس محافظة بغداد والمرشح للانتخابات البرلمانية. لقي المشهداني مصرعه جراء انفجار عبوة لاصقة بسيارته في قضاء الطارمية شمالي بغداد. وكان مرشحاً عن تحالف السيادة الذي يتزعمه خميس الخنجر.
بحسب قيادة عمليات بغداد، أسفر الانفجار عن مقتل المشهداني وإصابة 4 أشخاص آخرين. وأصدر رئيس الوزراء العراقي أمراً بتشكيل لجنة تحقيق عليا للكشف عن ملابسات الحادث.
أثار مقتل صفاء المشهداني، موجة من الإدانات السياسية، حيث وصف رئيس البرلمان العراقي، محمود المشهداني، الحادث بـ "عمل إرهابي جبان"، وطالب بإجراء تحقيق عاجل، محذراً من أن تكرار هذه الحوادث "يدق ناقوس الخطر على أمن بغداد".
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً