قصة الانتخابات من 2005 حتى 2021: اتهامات التزوير وادعاءات النزاهة

20-10-2021
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة الانتخابات العراق
A+ A-

رووداو ديجيتال


الحلقة  (1)

الاحزاب الشيعية كانت الاكثر حماساً.. وأياد علاوي لم يكن مع اجراء اول اقتراع نيابي بعد سقوط نظام صدام حسين.
 
لم تسلم اية دورة لانتخابات مجلس النواب، ومنذ 2005، وحتى 2021 من اتهامات التزوير والخروقات ومطالبة الكتل الخاسرة بالعد اليدوي، ومن ثم ادخال البلد في دوامة الصراعات والازمات لتنتهي هذه العملية بتوافقات وتوزيع المناصب الحكومية حسب المحاصصات الدينية والطائفية.

كنت قد شهدت، بحكم عملي الصحفي، تفاصيل جميع الانتخابات العراقية ميدانيا، مع تفاصيل الصراعات بين الاحزاب والكتل المرشحة للانتخابات خلف الكواليس، وبمناسبة تجدد الخلافات بين الاحزاب والكتل السياسية على نتائج التصويت في انتخابات 10 تشرين الاول 2021، مشاهداتي ومعايشتي كمحايد، وعلى حلقات، سأكشف هنا بعض هذه التفاصيل في قصة الانتخابات العراقية.

الاتصال الغامض 

يرى الكثير من المراقبين المحليين والعرب بان أول انتخابات تشريعية عامة في العراق بعد تغيير النظام وسيطرة قوات الاحتلال الاميركي في نيسان 2003، والتي جرت في 15 كانون الاول عام 2005 هي التي اسست للتزوير والصراعات بين الاحزاب والكتل السياسية، وانه لو تم منح رئيس مجلس الوزراء، وقتذاك، اياد علاوي، الذي كان يتمتع بصلاحيات السلطتين التشريعية والتنفيذية فترة اضافية، لاربع سنوات مثلا، ربما كان سينجح بادامة دولة المؤسسات التي انتهت على يد الحاكم المدني الاميركي بول بريمر بعد احتلال القوات الاميركية للعراق عام 2003، وبدعم من سياسيين عراقيين (معارضة الخارج) الذين أيدوا ودفعوا باتجاه انهاء الدولة وحل الجيش العراقي السابق.

كنت قد وصلت الى بغداد، من لندن، للتغطية الصحفية لانتخابات 2005، قبلها كنت قد التقيت في لندن الدكتور اياد علاوي، كان رئيسا لمجلس الوزراء، لاجراء حوار صحفي، لم يكن علاوي متحمسا لاجراء هذه الانتخابات لانه كان يعرف ماذا سيحل بالبلد بعد اكثر من 35 سنة من الحكم الشمولي وتسلط حزب البعث برئاسة صدام حسين على الشعب الذي لم يخوض التجربة الديمقراطية والعملية الانتخابية منذ العهد الملكي الذي انتهى في 14 تموز عام 1958 على يد العسكر. كان راي علاوي هو ان العراقيين بحاجة الى الاستقرار  الامني والاقتصادي والاجتماعي، اكثر من حاجتهم للتصويت، في ظل التدخلات الاقليمية والعمليات الارهابية التي كان ورائها تنظيم القاعدة الارهابي.

لكن ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش كانت مصرة على اجراء الانتخابات لتؤكد للاميركيين اولا، ومن ثم للعالم وللعراقيين، اخيرا، بانها احتلت العراق لازاحة نظام صدام حسين الدكتاتوري وتأسيس نظام ديمقراطي، ذلك بعد ان فشلت واشنطن باثبات ادعاءاتها بوجود اسلحة دمار شامل وبرنامج لانتاج السلاح النووي في العراق، تلك الادعاءات التي استخدمتها لشن الحرب على العراق. وأذكر هنا حديث تم عبر الهاتف (الموبايل)، والذي اصفه بالاتصال الغامض بين علاوي ومسؤول كبير في الادارة الاميركية، رجحت حينها الرئيس الاميركي وقتذاك جورج بوش، حدث ذلك مساء خلال دعوة عشاء محدودة جمعت علاوي واحد اصدقائه القدماء وأنا، في احد المطاعم اللبنانية في منطقة فيكتوريا بلندن، كان علاوي يتحدث بصوت عال، وبدى غير راضيا عما يسمعه، محاولا اقناع الطرف الاخر، في الاتصال في واشنطن بان الانتخابات في هذه الفترة ستقود البلد الى الهاوية، و"انتم تريدون  اقناع المواطن الاميركي بجدية الحرب تحت مظلة تحقيق الديمقراطية في العراق، مع ان الشعب الاميركي لا يهمه سواء تحققت الديمقراطية في العراق ام لا، بل يهمهم عودة ابنائهم سالمين من الحرب واستقرار الاوضاع الاقتصادية. وبالتأكيد لم تقتنع الادارة الاميركية بكل هذه التبريرات واصرت على الذهاب الى الانتخابات، وقبلها الاستفتاء على الدستور في 15 تشرين الاول عام 2005، والذي واجه مقاطعة قوية من قبل العرب السنة الذين لم يشاركوا بصياغته التي جاءت سريعة وغير مكتملة مما تسبب ذلك في مشاكل ما يزال العراقيون يعانون منها. 

ولي ان اذكر هنا تصريحا كان قد خصني به الدكتور فؤاد معصوم، القيادي في الاتحاد الوطني الكوردستاني والرئيس العراقي السابق، والذي كان قد ساهم بفاعلية في صياغة الدستور العراقي، قال ان "الدستور كتب على عجالة، وفيه الكثير من المطبات، كما ان بعض فقراته مطاطية يمكن ان تحمل اكثر من تفسير".

"الزحف الكبير"

كانت الانتخابات تجربة جديدة، واعني هنا انتخاب اعضاء مجلس النواب من قبل العراقيين مباشرة وباسلوب ديمقراطي حر، حسب ما كانت تؤكد تصريحات مفوضية الانتخابات والحكومة والاعلام العراقي الرسمي والدولي، خاصة الاعلام الاميركي. عندما زرت مفوضية الانتخابات للحصول على بطاقة صحفي تمكنني من دخول مراكز التصويت بصورة رسمية، اتذكر ان المسؤول في مفوضية الانتخابات، الدكتور حسين الهنداوي، وهو باحث واكاديمي رصين سبق وان عمل في الامم المتحدة وتربطني به علاقة صداقة في لندن، مستشار رئيس الوزراء لشؤون الانتخابات حاليا، قد ساعدني كثيرا في الحصول على هذه البطاقة متجاوزا شرط مفاتحتهم برسالة من الجريدة التي كنت اعمل فيها بالعاصمة البريطانية.

لم يخوض العراقيون اية عملية انتخابية سابقا، بل كانت هناك ما يسمى بـ"الاستفتاء" على بقاء الرئيس صدام حسين في منصبه وتأييد سياسته، وكان أول واشهر استفتاء، اطلق عليه يوم "الزحف الكبير" قد جرى على بقاء صدام حسين لمدة 7 سنوات في منصب رئيس الجمهورية في 15 تشرين اول عام 1995، حيث تم تحشيد كل العراقيين للمشاركة فيه وبكل طرق الترهيب والترغيب، وقد حصل (صدام حسين) فى ذلك الاستفتاء على نسبة 99 بالمئة من اصوات الشعب العراقي.

الاحزاب الشيعية والتصويت

 بعد اقل من شهرين من الاستفتاء على الدستور وتمريره، توجه العراقيون الى صناديق الاقتراع في 15 كانون الاول من نفس العام 2005 لأنتخاب 275  مرشحا من بين 6655 متنافسا يتبعون 307 كيان سياسي و 19 ائتلاف انتخابي، لعضوية مجلس النواب العراقي لاربعة سنوات، وليقوموا بدورهم بانتخاب رئيسا للجمهورية ورئيسي مجلس النواب ومجلس الوزراء ليشكل حكومة تتولى السلطة لمدة أربع سنوات. 

كانت ابرز الكتل المرشحة للانتخابات، اضافة للائتلاف العراقي (الشيعي)، الذي حمل التسلسل رقم (555) والقائمة العراقية، تسلسل (731)، التحالف الكوردستاني الذي حمل التسلسل (730)، وضم الحزب الديمقراطي الكوردستاني، والمؤتمر الوطني العراقي، تسلسل (618) وكان عبارة عن تحالف وطني منافس بقيادة أحمد الجلبي، وقائمة (اتحاد الشعب) للحزب الشيوعي العراقي، اضافة الى عدد من التجمعات السنية، تحت مسمى جبهة التوافق العراقية واحد أهم الأحزاب المشاركة فيها هو الحزب العراقي الإسلامي.

كانت اجواء ما قبل اجراء اول انتخابات نيابية غير صحية على الاطلاق، حيث العمليات الارهابية تضرب البلاد، والاقتتال الطائفي على اشده، وعمليات الاختطاف والقتل على الهوية والتدخل الاقليمي، ايران خاصة، في اعلى درجاته وبمساعدة من التيارات والكيانات السياسية الشيعة التي تاسست غالبيتها في ايران وحصلت دعم طهران.

كان الدكتور اياد علاوي يجري في مقر حركته (الوفاق) اجتماعات نهارية، واخرى مسائية وليلية في منزله، وكلا الموقعين في شارع الزيتون بجانب الكرخ من بغداد، مع المكتب السياسي للحركة وبقية المرشحين ضمن ائتلاف العراقية الوطنية، وكانت عبارة عن تحالف وطني علماني، وبعض الشخصيات السياسية لوضع خطط الدعاية الانتخابية.

ماذا اراد المطلك من علاوي؟

ذات مساء، كنت قد التقيت صالح المطلك، الذي كان أمينا عاما لحزب الوسط الديمقراطي، الذي مقره قريبا من منزل علاوي، وطلب مني (المطلك) التحدث مع علاوي لمقابلته بعد ان كان قد اتصل به عدة مرات ولم يحصل على رد، وبالفعل قلت للدكتور علاوي بان المطلك يرغب بمقابلته، فسالني"ماذا يريد"، واجبته بانه يريد التحدث معك حول الانتخابات، وبالفعل قابله علاوي في حديقة منزله في ذات المساء، وتحدث المطلك بامور عامة عن الانتخابات، لكنه كان يضمر في داخله رغبة للائتلاف مع (العراقية)، ولم تسنح الفرصة لهذا التحالف وقتذاك بسبب ان علاوي كان رئيسا للوزراء ويجد حركته وائتلافه اكبر من ان يتحالف مع حزب (الوسط) الجديد الذي يتزعمه المطلك، وعندما خرجت مع المطلك سالني فيما اذا كنت اشجعه على المشاركة في الانتخابات ام لا، فاقترحت عليه المشاركة بقوة.

في الليلة التالية كنا، محمد خورشيد، عضو المكتب السياسي لحركة الوفاق، وأنا نتابع الاخبار على الفضائيات عندما اتصل بي المطلك وطلب حضورنا الى مقر حزبه، فذهبنا انا وخورشيد سوية، وسمعنا قبل دخولنا الى صالة المقر، اصوات عالية ونقاشات رافضة لمشاركة الحزب في الانتخابات، فاخذنا المطلك الى غرفة اخرى وقال "هذولة بطرانين" ويعني اعضاء حزبه، وتابع "لا يريدون المشاركة في الانتخابات، وهدفي المشاركة لاثبات وجود الحزب والحصول على وزارة لتمويل الحزب فانا لا استطيع الانفاق من جيبي الخاص". وبالفعل شارك حزب المطلك في انتخابات 2005 وحصل على 11 مقعد. 

هل دعمت المرجعية القائمة (555)؟

كانت فوضى الدعايات الانتخابية قد غزت كل جوانب الحياة، وكان المواطن العراقي محتاراً في اختيار المرشح الذي سينتخبه وسط التشويش الذي مارسته بعض الكتل الشيعية، خاصة الائتلاف العراقي الموحد، والذي كان يضم كل من: المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق والذي كان فيلق بدر بزعامة هادي العامري يعد جناحه المسلح، وحزب الدعوة الإسلامية وحركة مقتدى الصدر، حيث وضع هذا الائتلاف صور المرجع الشيعي علي السيسستاني في دعاياته الانتخابية للاشارة بان السيد السيسستاني يدعمهم، ولم توضح المرجعية وقتذاك ان كانت بالفعل تدعم القائمة (555) ام لا بالرغم من تصدر صورة السيسستاني الحملة الانتخابية لهم، وصدرت ما يشبه الفتاوى التي اصدرها بعض رجال الدين ، مثل"من لا ينتخب الائتلاف العراقي تحرم عليه زوجته".

لم يكن التصويت في انتخابات 2005 للبرنامج السياسي لهذه الكتلة او تلك بقدر ما كان لدوافع الانتماء الديني أو الطائفي أو القومي بسبب الظرف الخاص الذي مر به العراق، فبعد انهيار النظام السابق جرى فرز واضح للمجتمع على أسس الدين والطائفة والعرق والقبيلة، واختلط النشاط السياسي بهذه التصنيفات إلى درجة أن التمايز بينها أصبح عسيرا. 

كان الائتلاف العراقي الموحد مصرا وبقوة على الفوز باية طريقة من اجل السيطرة على السلطة في العراق وان يؤسسوا حكما شيعيا، بحجة ان السنة حكموا العراق منذ الدولة العثمانية ومن ثم تاسيس الدولة العراقية الحديثة في عام 1921 ، مع ان الشيعة شاركوا في حكم العراق عبر كل الحكومات الملكية والجمهورية وخاصة في عهد حزب البعث.

في صبيحة بدأ الاقتراع، تجولنا، انا ومراسل اذاعة الـ BBC العربية في عدد من المراكز الانتخابية في منطقة شارع السعدون والكرادة، ولاحظنا ان الاجراءات لم تكن مشددة، حتى ان مدير احد المراكز الانتخابية في منطقة الكرادة داخل، عرض علينا استمارات تصويت كي نشارك في الاقتراع، فاخبرته باننا لا نملك وثائق عراقية لنصوت للمرشحين، فاجاب "مو مهم.. صوتوا لفلان من الائتلاف العراقي الموحد"، ابدينا استغرابنا لهذا العرض خاصة واننا نحمل بطاقات صحفية ونعد كمراقبين للانتخابات، لكن الامور كانت منفلتة لهذا الحد واكثر من ذلك. تزامن ذلك مع سريان انباء عن محاولات مبكرة لتزوير النتائج في هذه الانتخابات، وعن وصول صناديق الاقتراع من الجارة الشرقية في شاحنات كبيرة، حسبما اعلنت وسائل اعلامية وقتذاك.

اظهرت النتائج الأولية تفوقا كبيرا للائتلاف العراقي الموحد على حساب القوى الاخرى، العلمانية خاصة مثل ائتلاف العراقية الوطنية والحزب الشيوعي العراقي، وعلى إثر ذلك خرجت الكثير من المظاهرات احتجاجا على نتائج الانتخابات حيث اطلقت القوائم الأخرى المنافسة اتهامات بتزوير النتائج لصالح ائتلاف الأحزاب الشيعية الدينية وقد ادت هذه الأحتجاجات إلى تأخير اعلان نتائج الانتخابات حيث قام فريق من المراقبين الدوليين بزيارة العراق لمراجعة شكاوى تتعلق بالانتخابات والتي طالبت الأحزاب السنية والعلمانية باعادتها بدعوى حصول تزوير فيها واستفزاز الناخبين. إلا أن المراقبين قرروا كمح الشرعية لنتائج الانتخابات كونها الاولى وارادت القوى الدولية، اميركا في مقدمتها، انجاح هذه التجربة باي ثمن، لهذا كان تقرير المراقبين الدوليين ان "الانتخابات اتسمت بالشفافية وأنها يمكن الوثوق بها".

من ابرز الكتل الانتخابية التي كانت مقتنعة بنتائج الانتخابات هو التحالف الكوردستاني الذي حصل على 52 مقعدا وهو عدد كاف لتكوين تحالف رئيسي داخل مجلس النواب العراقي مع القوى الإسلامية السنية والشيعية.. 

تقاسمت الاحزاب الشيعية المؤتلفة ضمن (العراقي الموحد)، مع بقية الكتل الفائزة المراكز الحكومية وفق مبدأ المحاصصة، والاستحقاق الانتخابي، وكان منصب رئاسة الوزراء من نصيب ابراهيم الجعفري، امين عام حزب الدعوة وقت ذاك والذي اطيح بحكومته بعد اقل من عام بسبب عدم رضا بقية الاحزاب على ادارته، كما كان للتحالف الكوردستاني دوره المؤثر في ممارسة ضغوطه  لازاحة الجعفري لتهاونه في تطبيق المادة 140 المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، وفي مقدمتها كركوك.

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب