رووداو ديجيتال
في أول لقاء يجريه منذ نحو عام مع مسؤول رفيع المستوى في الأمم المتحدة، أعرب المرجع الديني الأعلى في العراق، علي السيستاني، أمس الأحد، عن دعمه لإجراء الانتخابات التشريعية المبكرة إضافة إلى توجيهه جملة من المطالب للحكومة الحالية، وهو ما لاقى ترحيباً من قبل الرئاسات الثلاث والكتل السياسية.
ومع وقف التجمعات لأداء صلاة الجمعة في أواخر شباط جرّاء فيروس كورونا، خفّت نشاطات السيستاني (90 عاماً)، عن عادتها هذه السنة قبل أن يظهر بالصور والفيديو يوم أمس خلال استقباله المبعوثة الأممية في العراق، جينين بلاسخارت في النجف بعد عشرة أشهر على آخر لقاء بينهما.
وأعقب الاجتماع صدور بيان من مكتب السيستاني لخص فيه موقفه من الأوضاع السياسية الراهنة، ومنها عدم تأخير الانتخابات وفرض هيبة الدولة ومنع التدخلات الخارجية وفتح ملفات الفساد الكبرى والكشف عن المتورطين في عمليات القتل والاغتيال منذ بدء الاحتجاجات في تشرين الأول الماضي.
ودعا السيستاني بحسب البيان إلى إجراء الانتخابات وفق قانون عادل ومنصف بعيداً عن المصالح الخاصة، محذراً من أن "التأخير في اجراء الانتخابات أو اجرائها من دون توفير الشروط اللازمة لإنجاحها سيؤدي لتعميق مشاكل البلد والوصول إلى وضع يهدد وحدته ومستقبل أبنائه وستندم عليه جميع الأطراف الممسكة بزمام السلطة".
وسبق أن حدد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، السادس من حزيران المقبل موعداً لإجراء الانتخابات المبكرة، سعياً لتنفيذ أحد وعوده الأساسية التي أطلقها عندما وصل إلى السلطة في أيار الماضي.
كما طالب المرجع الديني، الحكومة بـ "الاستمرار والمضي بحزم وقوة في الخطوات التي اتخذتها في سبيل تطبيق العدالة الاجتماعية والسيطرة على المنافذ الحدودية وتحسين أداء القوات الأمنية وفرض هيبة الدولة وسحب السلاح غير المرخص وفتح ملفات الفساد الكبرى".
وفي أكثر من مناسبة، توعد الكاظمي بعمليات أمنية "جادة" لاستهداف الخارجين عن القانون، في إشارة إلى الفصائل المسلحة المقربة من الأحزاب المتنفذة.
السيستاني دعا الحكومة أيضاً إلى "العمل بكل جدية للكشف عن كل من مارس أعمالاً إجرامية منذ بدء الحراك الشعبي ولا سيما الجهات التي قامت بأعمال الخطف أو تقف وراء عمليات الاغتيال الأخيرة".
ويشهد العراق منذ تشرين الأول الماضي، على نحو متقطع احتجاجات شعبية عمت معظم محافظات الوسط والجنوب تخللتها أعمال عنف أسفرت عن مقتل المئات وإصابة الآلاف، كما تصاعدت خلال الآونة الأخيرة عمليات الاغتيال التي استهدفت الناشطين وخاصة في محافظة البصرة.
وشدد السيستاني على أن "الحفاظ على السيادة الوطنية والوقوف بوجه التدخلات الخارجية وإبعاد مخاطر التجزئة والتقسيم مسؤولية الجميع ويتطلب موقفاً وطنياً موحداً تجاه عدة قضايا شائكة تمسّ المصالح العليا".
ونادراً ما يظهر السيستاني في العلن بينما ينقل ممثل عنه خطبه لصلاة الجمعة كل أسبوع، كما يتجنّب لقاء شخصيات سياسية باستثناء ممثلي الأمم المتحدة، التي تعد غير منحازة.
وكان السيستاني بين دعاة إجراء انتخابات مبكرة منذ العام الماضي، عندما هزّت احتجاجات غير مسبوقة ضد الحكومة بغداد ومدن الجنوب، كما دفعت توجهاته إلى استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق، عادل عبدالمهدي مطلع كانون الأول الماضي، إثر اتهامه باستخدام العنف ضد المتظاهرين حيث سقط مئات القتلى وآلاف الجرحى خلال الاحتجاجات.
الكاظمي للمرجعية: نعاهد بأن نكون أوفياء للعهد ولا نخاف في الحق لومة لائم
بعد ساعات من بيان السيستاني، سارع رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي إلى إصدار بيان يؤكد فيه استجابته لتوجيهات المرجعية، مشيراً إلى أنه سيكون "وفياً للعهد" ويمضي في طريق الإصلاح دون خوف.
وقال الكاظمي في بيان تلقت رووداو نسخة منه إن "مسار المرجعية الرشيدة وإرشاداتها التي تمثّل منطلقات وأولويات الشعب العراقي الكريم ، إنما هي دليلنا الدائم نحو تحقيق تطلعات شعبنا في الانتخابات المبكرة الحرة والنزيهة والعادلة، وأن تستمر الحكومة في الخطوات التي بدأت بها على طريق الحفاظ على السيادة وفرض هيبة الدولة ومحاربة الفساد رغم ماواجهت وتواجه من تحديات وعراقيل".
ورغم أن بيان السيستاني لم يتضمن موقفاً واضحاً وصريحاً حيال أداء الحكومة الحالية، لكنه أشار ضمناً إلى أن حكومة الكاظمي بدأت بالفعل في الخطوات الإصلاحية داعياً إلى المضي قدماً في هذا النهج.
وتابع الكاظمي أن حكومته "مصممة على محاسبة المتورطين بدماء العراقيين، وقد انتهت المرحلة الأولى من إجراءات التحقق والتقصي من خلال إحصاء الضحايا من شهداء وجرحى أحداث تشرين 2019 وما تلاها، وستبدأ قريباً المرحلة الثانية المتمثلة بالتحقيق القضائي وتحديد المتورطين بالدم العراقي وتسليمهم الى العدالة"، مشيراً إلى أنه "نعاهد شعبنا، ونعاهد مرجعيتنا الرشيدة ، بأن نكون أوفياء للعهد وثابتين على طريق الإصلاح، نقدّم مصالح الوطن ونرعى حقوق الناس بالعدل، ولا نخاف في الحق لومة لائم".
رئيس الجمهورية: نؤكد على دعم بيان المرجعية
وبعد انتهاء زيارتها إلى النجف، توجهت بلاسخارت مباشرة إلى السليمانية، حيث استقبلها رئيس الجمهورية برهم صالح، بمقر إقامته في مدينة السليمانية.
وأفاد المكتب الإعلامي لرئيس الجمهورية بأنه جرى خلال اللقاء، التأكيد على دعم بيان المرجع الديني الأعلى علي السيستاني "في أن الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها العام القادم مصيرية، ويجب توفير الشروط الضرورية التي تُضفي على نتائجها المصداقية والثقة، وإنجاز البرنامج الحكومي في تطبيق العدالة الاجتماعية، وملاحقة المجرمين ومكافحة الفساد، وتعزيز أداء القوات الأمنية، وفرض هيبة الدولة وحصر السلاح بيدها".
وقال صالح إن "هناك ضرورة اتباع خارطة طريق لإجراء الانتخابات، تبدأ أولا من استكمال تشريع قانون انتخابي عادل، يضمن التمثيل الحقيقي لجميع العراقيين، ويعكس إرادتهم الحرة في اختيار ممثليهم من دون تأثيرات وضغوط".
وأضاف: "المرحلة الأهم، تكمن في توفير أقصى درجات النزاهة والشفافية في عملية الاقتراع، وضرورة اتخاذ إجراءات صارمة لمنع حصول التزوير والتلاعب في العملية الانتخابية"، مؤكداً أن "الانتخابات المقبلة مفصلية ومهمة".
واتفقت الكتل السياسية قبيل تشكيل حكومة الكاظمي، على أن الأخيرة يجب أن تتولى إجراء الانتخابات المبكرة خلال عام من توليها مهامها.
ويأتي إعلان موعد إجراء الانتخابات في ظل تصاعد حدة الاحتجاجات المناهضة للفساد وسوء الإدارة في المؤسسات الحكومية.
ويعد مشروع قانون الانتخابات الجديد المعضلة الأكبر أمام إجراء الانتخابات، حيث لا يزال المشروع يراوح مكانه منذ العام الماضي بسبب خلافات الكتل السياسية على بعض بنوده.
وكان البرلمان العراقي قد بدأ أواخر العام الماضي مناقشة تشريع القانون الجديدة الذي من شأنه فسح المجال أكثر أمام صعود المستقلين والكتل الصغيرة إلى البرلمان، إلا أن الخلافات لا تزال قائمة بشأن بنود رئيسية في القانون بينها البنود المتعلقة باعتماد دائرة انتخابية واحدة على مستوى المحافظة الواحدة أو الدوائر المتعددة، وكذلك اعتماد التصويت المباشر للمرشح أو التصويت لصالح القائمة الانتخابية.
الحلبوسي: ثوابت تعبر عن تطلعات الشعب العراقي
وعلّق رئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، على كلام المرجعية الدينية، واصفها بالثوابت التي تعبر عن تطلعات الشعب العراقي.
وفي تغريدة له على منصة تويتر وصف الحلبوسي كلام المرجعية بـ "خير الكلام"، فهو "ماقلّ ودلّ"، لأنه عرج على مشاكل البلاد بنقاط أحاطت بها التغريدة.
وأكد رئيس مجلس النواب على استمرارية العمل على هذه الثوابت من أجل بناء دولة المواطنة والمؤسسات، مشدداً على ضرورة "الانتخابات المبكرة النزيهة ومواجهة الفساد فعلاً وليس قولاً وفرض القانون وهيبة الدولة وسحب السلاح المنفلت وسيادة الدولة ورفض التدخل الخارجي".
مواقف الكتل السياسية
عبرت العديد من الكتل السياسية عن تأييدها لبيان المرجع الديني علي السيستاني، مشيرةً إلى أنها تمثل خارطة طريق واجبة الاتباع.
وشدد النائب عن تحالف الفتح، محمد صاحب الدراجي، في تغريدة عبر حسابه في تويتر أنه "على جميع القوى السياسية الالتزام بخارطة الطريق التي رسمها بيان مكتب السيستاني"، مؤكداً أن "الشعب هو مصدر السلطة".
بدوره، لفت عضو لجنة الامن والدفاع في مجلس النواب، النائب عن ائتلاف دولة القانون، كاطع الركابي، الأحد 13 أيلول 2020، إلى بيان المرجع الديني وضع النقاط على الحروف في عدة قضايا، مبيناً أن "السلاح المنفلت في الآونة الاخيرة أصبح ظاهرة صعبة، وعلى الحكومة ان تعمل على مواجهته، لان القضاء عليه لا يمكن بين عشية وضحاها، ويحتاج الى وقت وتعاون بين الحكومة والمجتمع في سبيل نشر ثقافة مجتمعية تؤكد على قوة الحكومة وقوة النظام وحفظه".
وفي السياق، أشار ائتلاف النصر، برئاسة حيدر العبادي إلى أن بيان المرجعية الدينية "يعد أساساً لتحقيق الإصلاح السياسي وبناء الدولة وخارطة طريق وأساس متين لتحقيق الإصلاح المنشود وعلى الحكومة أن تلتزم به جملةً وتفصيلاً، كما على الكتل السياسية مهام ومسؤولية كبيرة، وعليها أن تعمل جاهدةً لتطبيقه"، موضحاً أن "خارطة الطريق التي رسمتها المرجعية تتمثل بأربع نقاط مهمة، الأولى هي إجراء إنتخابات نزيهة وعادلة في موعدها المحدد، والثانية حصر السلاح بيد الدولة، والثالثة الحفاظ على سيادة البلد، والرابعة محاسبة من تورط بدماء المتظاهرين والقوات الأمنية وتقديمهم للقضاء".
الحزب الاسلامي العراقي، أكد أيضاً أن توجيهات السيستاني بشأن الانتخابات جاءت في وقتها المناسب، حيث غرد الأمين العام للحزب رشيد العزاوي على تويتر داعياً "الكتل السياسية والجهات المسؤولة الى الاخذ بها من اجل انتخابات مبكرة ونزيهة تنجح في تحقيق التغيير والاصلاح المنشود".
إلى ذلك، قال القيادي في تيار الحكمة محمد اللكاش، إن رسالة السيستاني للرئاسات الثلاث ركزت على سيادة الدولة وقضية الانتخابات المبكرة وعمل الحكومة، مضيفا أن "الكثير من الكتل السياسية والسلطات الثلاث تعرقل اجراء الانتخابات".
"بيان السيستاني محفز لحكومة الكاظمي"
رأى مراقبون سياسيون أن بيان السيستاني يشكل حافزاً للكاظمي في مواجهة التحديات التي تعترض طريق حكومته.
رئيس مركز التفكير السياسي في العراق إحسان الشمري، أشار إلى أن "بيان السيستاني كان محفزاً لحكومة الكاظمي من أجل استكمال دورها في الظروف الراهنة، واستكمال دورها في تهيئة الأجواء المناسبة لإجراء الانتخابات المبكرة وحصر السلاح المنفلت، ومكافحة الفساد".
ودعا إلى "ابتعاد الكاظمي عن إعطاء أي فرصة لأحزاب السلطة أو الخضوع لها، ناهيك عن مطلب كشف قتلة المحتجين، الذي يبدو أنه تصدر المطالب"، مبيناً أن "ملف كشف قتلة المتظاهرين تعرض للتسويف من قبل حكومة عادل عبد المهدي، ويبدو أن السيستاني يرى أن من الضروري عرض عبد المهدي وفريقه الأمني كاملاً للتحقيق".
كما خاطب المحلل والباحث بالشأن العراقي أحمد الزيادي، قادة الأحزاب السياسية بعد صدور بيان عن المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني، بالقول في تغريدة له إن "ساسة الاحزاب الاسلامية الذي يدعون في كل لحظة بأنهم ينفذون وصاية السيد السيستاني، الان هو يوصي بانتخابات نزيهة وقانون عادل ومحاسبة الفاسدين، هل ستنفذون هذه الوصية؟ ام أنها تتعارض مع مصالحكم ولهذا ستلتزمون الصمت اتجاهها؟".
ويحظى السيستاني باحترام كبير في العراق عامة، لا سيما في الوسط والجنوب، وعلى مدى السنوات الماضية، كانت لآرائه تأثيرات على الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد.
تعليقات
علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر
أضف تعليقاً