"دولة الرئيس".. أياد علاوي: حل الجيش واجتثاث البعث وإلغاء مؤسسات الدولة من قبل بريمر تسبب بتدمير العراق

12-02-2022
معد فياض
معد فياض
الكلمات الدالة اياد علاوي دولة الرئيس معد فياض
A+ A-

تحت عنوان "دولة الرئيس"، تنشر رووداو سلسلة من الحلقات عن رؤساء الحكومات العراقية، منذ تغيير نظام صدام حسين في نيسان 2003 وحتى اليوم، وما رافق حقبهم من سجالات وإشكالات سواء في اختيارهم لأهم منصب تنفيذي في العراق، أو ممارساتهم وما رافق ذلك من تداخلات ومفاجآت، ذلك أن تسمية رئيس الحكومة خضعت وما تزال للمحاصصات السياسية والتوافقات بين الأحزاب الشيعية، وغالباً ما أدخلت البلد في دوامة من الصراعات.

دولة الرئيس (1)
في حقل الالغام

كان أياد علاوي أول رئيس وزراء، يتمتع بصلاحيات تشريعية وتنفيذية، بعد تغيير النظام، إذ تسلم رئاسة الحكومة العراقية في نهاية يونيو (حزيران) عام 2004، وهي الحكومة ذاتها التي تسلمت سيادة العراق من سلطات الاحتلال التي كان يترأسها الحاكم المدني السفير الأميركي بول بريمر. وكان كل شيء في العراق منهاراً، فقد حل بريمر الجيش والدولة ومعها كل المؤسسات الأمنية والمدنية. وكان على علاوي أن يبدأ من الصفر ويبني ما يستطيع بناءه من جديد في ظل ظروف صعبة ومعقدة للغاية.

كان عدنان الباجه جي، عضو مجلس الحكم آنذاك، هو أول من رشح علاوي لمبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الأخضر الإبراهيمي، ليكون رئيساً لأول حكومة مؤقتة، يقول الباجه جي: "تم تخويل الإبراهيمي من قبل الدول المتحالفة والتي لها قوات عسكرية في العراق صلاحية ومسؤولية اختيار رئيس الحكومة المؤقتة ورئاسة الجمهورية. فدخل جولة جديدة ومطولة ومتعبة من النقاشات والسجالات واللقاءات والأحاديث مع الكتل السياسية والأطياف العراقية، وكان باستمرار يتحدث إليّ ونتناقش في الأمور، إذ كان يزورني باستمرار في بيتي ببغداد. أنا رشحت للإبراهيمي إياد علاوي كرئيس للحكومة المؤقتة، فرفض وقال: لا.. علاوي غير مقبول من قبل بقية الأطراف".

مستطردا بقوله: "فرشحوا له حسين الشهرستاني الذي التقاه في بيتي حسب طلبه (الإبراهيمي) وقال: اسمح لي باستخدام بيتك لأنه المكان الوحيد الذي أستطيع أن أقابل فيه الناس بحريتي. وأنا لم أحضر هذا اللقاء. لكن بعد ذلك حسم الموضوع بتعيين علاوي لرئاسة الحكومة بعد أن طرح ترشيحه في مجلس الحكم وأيدنا هذا الترشيح باعتباره اختياراً جيداً".

جابه علاوي كرئيس حكومة مؤقتة أبرز العقبات التي واجهته وواجهت القوى السياسية العراقية وتصدى للمشروع الأميركي لتشكيل حكومة عراقية في ظل الاحتلال. وخاض المعارك ضد الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، بعدما وقف علاوي بشدة ضد قرارات حل الجيش العراقي ومؤسسات الدولة.

من جملة المسائل التي كان يصر عليها علاوي هي اعتراضه على قانون اجتثاث البعث، حيث طالب بإحالة البعثيين الذين اقترفوا جرائم ضد الشعب العراقي إلى القضاء لتأكيد سيادة المؤسسات والقانون والقضاء بدلاً من تطبيق قانون اجتثاث البعث والاغتيالات الكيفية الثأرية والذي أثر على كثير من عوائل الموظفين الابرياء.

يتحدث علاوي عن الأسباب التي أدت إلى محاربته سياسة اجتثاث البعث، قائلاً: "فكرة البعث انتهت. أنا كنت عضواً بارزاً في حزب البعث وتركته منذ سنوات طويلة. البعث انتهى كفكر وتنظيم لكن سياسة الاجتثاث بدأت بإعادة البعث". مؤكداً على حيازته معلومات تفيد بأن غالبية البعثيين الذين طردوا من وظائفهم التحقوا بالخلايا الإرهابية للحصول على لقمة العيش".

 والصدام بين علاوي وبريمر أدى إلى ان ترك علاوي بغداد إلى لندن، لينشر من هناك وفي كبريات الصحف الأميركية وجهات نظره المخالفة لطروحات وإجراءات بريمر الذي لم يتردد علاوي في إطلاق صفة الدكتاتورية عليه وقتذاك.

بداية وأزمات
ولكن كيف بدأت العملية السياسية في العراق بعيد تغيير النظام السابق؟ يقول علاوي: "في أواخر شهر ابريل (نيسان) وأوائل مايو (أيار) عام 2003، بدأت اجتماعات ونقاشات مع الحاكم الأميركي العسكري الجنرال جي غارنر الذي كان قد التقى بالأحزاب العراقية الرئيسية السبعة، وهي: الحزب الديمقراطي الكوردستاني (بزعامة مسعود بارزاني)، والاتحاد الوطني الكوردستاني (بزعامة جلال طالباني)، وحركة الوفاق الوطني العراقي (بزعامة اياد علاوي)، والمؤتمر الوطني العراقي (بزعامة أحمد الجلبي)، وحزب الدعوة الإسلامي (بزعامة إبراهيم الجعفري)، والمجلس الاعلى للثورة الإسلامية (تحول فيما بعد إلى المجلس الإسلامي الاعلى في العراق بزعامة عبدالعزيز الحكيم)، والحزب الشيوعي العراقي (بزعامة حميد مجيد موسى)". مستطرداً بقوله: "عندما التقى بنا، كان من جملة الحاضرين زلماي خليلزاد السفير الأميركي السابق لدى العراق، وكان وقتذاك يعمل في الأمن القومي مع مستشارة الأمن القومي الأميركية في حينها كوندوليزا رايس، ومن جانب الوفاق، حضرت أنا وإبراهيم الجنابي وعماد شبيب (أعضاء المكتب السياسي للوفاق الوطني العراقي)".



ويتحدث علاوي عن لقاء غارنر مع أعضاء المكتب السياسي لحركة الوفاق الوطني قائلا: "طلب غارنر الاستماع لرؤيتنا بتشكيل حكومة عراقية، فسألته إن كان جاداً في سؤاله ام لا، فأجاب: انا جاد في هذا الموضوع . فقلت له، عندنا سؤالان حتى نستطيع الاجابة على طلبك: الأول ما هي صلاحيات وقوة هذه الحكومة التي تريدون تشكيلها، وما هي قوتها على أرض الواقع، فهل تستطيع ان تفرض بعض الصلاحيات وتدير شؤون الدولة بعد ان حلت من قبلكم ودمرتم مؤسساتها؟ والسؤال الثاني كان: ما هو ارتباط هذه الحكومة بكم وما هو دوركم فيها؟ وواصلت كلامي قائلا له: إذا كنت تعتقد ان سياسياً عراقيا مثلي سيتلقى أوامره من ضابط أميركي فانسَ الأمر. فسألني قائلاً: كيف ستمشي الأمور إذا لم نشكل حكومة؟ فأجبته: نحن مع تشكيل الحكومة ولسنا ضدها، ولكن من الضروري تحديد ما هي قوة هذه الحكومة على الارض وكيف ستمارس سلطاتها وصلاحياتها".

يستكمل علاوي حديثه قائلا: "بعد نقاشات وسجالات مطولة مع غارنر، وصلنا تقريباً إلى طريق مسدود حيث لم يكن لديه أي جواب أو خطة، وعندها سألني: ما هو الحل برأيك؟ فقلت له هناك حل واحد لا غير، وهو ان تصير سلطة عراقية وان تكون هناك صلاحيات تدريجية لهذه السلطة ثم تنتقل السيادة لها، غير هذا ماكو أي حل (لا يوجد حل).. اما إذا كنتم تعتقدون ان بامكانكم تشكيل حكومة صورية وتأخذ اوامرها منكم، فهذا لن يتحقق".

وصول بريمر
يقول علاوي: "بعد أسبوع، اتصل بي خليلزاد من واشنطن على هاتف الثريا الخاص بي، وقال بالنص ان الحكومة الأميركية ترى ان رأيك هو الصحيح والواقعي، ونحن بعد حل الدولة ليس لنا سوى هذا الخيار. وأضاف ان الحكومة الأميركية عينت شخصاً جديداً اسمه بول بريمر لإدارة شؤون العراق وسيصل بغداد قريباً وسيتصل بك بعد 3 ايام".

قبل وصول بريمر، اتصل السفير الأميركي رايان كروكر، بعلاوي، يقول: "زارني كروكر في مكتبي وصار يبحث عن تصورنا حول السلطة، وأوضح السفير ان بريمر يريد ان يكون هذا التصور واضحاً عندما يأتي، فقلت له بكل وضوح: نحن نريد تشكيل هيئة تنفيذية وسلطة إدارية وسلطة تشريعية وتشكيل دستوري. وأكدت له ان هذه هي الطريقة للتحرك إلى أمام. وكنت ارسم له هنا في هذا المكتب (مكتب علاوي في شارع الزيتون بجانب الكرخ من بغداد)، تصورنا لهذه المؤسسات، ولم يكن هناك مجلس حكم بل كنت اخطط له بقلمي على الورق تشكيلات الإدارة والمجلس التشريعي ومجلس دستوري هو عبارة عن مجلس خبراء، واذكر ان كروكر، (قبل ان يكون سفير الولايات المتحدة في باكستان)، قال: هل استطيع ان آخذ هذه الاوراق، التي خططت وكتبت فيها تصوري عن المؤسسات الثلاث التنفيذية والتشريعية الدستورية، فلم أر مانعاً بذلك وأعطيته إياها".

ويسرد علاوي بداية تجربة اقامة سلطة عراقية جديدة، قائلاً، في اليوم التالي، جاءني جون سوس، ممثل المملكة المتحدة إلى المكتب، وايضاً دار الحديث بذات الاتجاه ولكن بتفاصيل أكثر عمقا. مضيفاً "ناقشنا نقاطاً مثل ما هو عدد أعضاء كل مجلس، وماذا يعني كل مجلس، وكان في رأيي ان يكون عدد أعضاء المجلس التنفيذي 11 وأن لا يتجاوز الـ15 في احسن الاحوال".

يستطرد قائلا: "في ذلك الوقت، كان الاخوة في القوى السياسية العراقية يعملون باتجاه تشكيل حكومة، بينما كنت اقول لهم ان مسألة تشكيل الحكومة مسألة صعبة. فكنت اكرر انه من الواجب التذكر بأن ليس عندنا شيء نبني عليه والحكومة تحتاج إلى مؤسسات حكومية وجيش وقضاء واموال وشرطة واجهزة أمنية وكل هذا غير متوفر لدينا".

وصل بول بريمر إلى العراق يوم 12 مايو (ايار) عام 2003 ليحل محل جي غارنر. وفور وصوله بدأ يتباحث مع القوى السياسية العراقية، الأحزاب السبعة، حول اسلوب إدارة الاحتلال. وكانت الاجتماعات مكثفة تعقد في مكتب حركة الوفاق أو في منزل مسعود بارزاني أو جلال طالباني، وكان يحضرها بالاضافة إلى بارزاني وطالباني وعلاوي، كل من الحكيم  والجلبي والجعفري وموسى.



مجلس الحكم
يقول علاوي: "حقيقة كنا نناقش كقوى سياسية ناضلنا ضد نظام صدام ونتساءل: هل علينا ان نشترك في الحكومة ام لا؟ ثم استقر رأينا على المشاركة وعدم ترك العراق في مهب الريح في ظل الأوضاع التي كانت سائدة وقررنا المساهمة بخبراتنا المشتركة وتاريخنا النضالي ورؤيتنا في بناء الدولة من جديد وتسريع فترة البناء والاسراع باستلام السيادة، وكان هذا خيارنا المعقول والممكن تحقيقه". مضيفا: "ونتيجة الحوارات تكوّن الرأي بالشكل التالي: تشكيل مجلس حكم كسلطة تشريعية، وتشكيل مجلس وطني ما يشبه البرلمان، وان يشكل مجلس الحكم بدوره مجلساً للوزراء كسلطة تنفيذية على ان يكون تابعاً لسلطة التحالف. وهنا برزت نقطتان خلافيتان، الأولى تتعلق بعدد أعضاء مجلس الحكم، حيث كان العدد المطروح من قبل قوات التحالف ما بين 30 إلى 35 عضواً، بينما انا اقترحت ان يكون العدد ما بين 11 إلى 15 عضواً، وشرحت ان العدد إذا صار 35 فسيكون من الصعب الوصول إلى قرارات، فأحياناً من الصعب ان يتفق 5 على قرار واحد. النقطة الخلافية الثانية كانت قضية مشاركة البصرة في المجلس وتمثيلها. وقد تأخر الاعلان عن المجلس لثلاثة ايام بسبب اننا كنا قد رشحنا وائل عبداللطيف، و(المرحوم) عزالدين سليم، كعضوين في المجلس ممثلين عن البصرة، بينما كانت قوات التحالف قد رشحت أسماء غريبة عجيبة ما انزل الله بها من سلطان، متجاوزة مسألة تمثيل البصرة في المجلس".

يوضح علاوي: "كنا في حركة الوفاق لنا رؤيتنا، وكان لنا تنظيم في البصرة وكانت لنا علاقات مع تنظيمات عزالدين سليم وكان وائل عبداللطيف منتخباً كمحافظ للبصرة. وتأخر الاعلان عن تشكيل المجلس حتى ذهب جون سوس بنفسه إلى البصرة والتقى مع سليم. اما المرشحون الاخرون، فلم يكونوا مقبولين على الاطلاق ولا اريد الدخول في أسباب عدم قبولهم. ورأيت ان عدد أعضاء مجلس الحكم إذا صار 35 شخصاً فسوف يتحول إلى "سوق هرج (مكان مليء بالضجيج)".

مع تزايد التعقيد في مسألة تأسيس المجلس، قررت ان اترك كل شيء وابتعد عن العراق ولا اشارك في المجلس، ولذلك، ركبت الطائرة وغادرت إلى عمان مع أحد زملائي، ومن عمان اردت الذهاب إلى لندن ولكنني لم اجد طائرة فسافرت إلى دبي على ان اغادر من هناك إلى لندن مباشرة. وغادرنا دبي إلى لندن بعد منتصف الليل".

يضيف قائلا: "في لندن، مورست علي ضغوط كبيرة للعودة إلى بغداد. وبالفعل لم اكن راغباً بالمشاركة في العمل في مجلس الحكم. وتم تخفيض العدد إلى 25 عضواً ووجدت ان هذا العدد كبير ايضاً، لكن صار إلحاح من قادة القوى السياسية ومن قيادة الحركة للعمل في المجلس فعدت ثانية إلى بغداد.

وطرح موضوع البصرة مرة ثانية واصررنا على عدم قبول مرشحي سلطة التحالف. حتى اهل البصرة كانوا سيرفضون الاسماء المرشحة. والتقى السفير سوس مع عزالدين سليم ووائل عبداللطيف وتمت الموافقة عليهما وتم تشكيل مجلس الحكم وكلف محمد بحر العلوم لإدارة الجلسات كونه اكبر الأعضاء سناً، وهو سيد جليل ومناضل كبير، ولم يتم اختيار رئيس للمجلس وقتذاك".

يشرح علاوي مسألة خلافية أخرى تتعلق برئاسة مجلس الحكم، يقول: "صارت هناك عدة آراء وهي ان ننتخب رئيساً واحداً أو تشكيل هيئة رئاسة من اثنين أو ثلاثة، ثم استقر الرأي على ان يكون رؤساء المجلس 5 اشخاص، وهم قادة الأحزاب الرئيسية المعارضة، وهي حركة الوفاق الوطني والمؤتمر الوطني والحزبان الكورديان الرئيسيان (الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني) والمجلس الاعلى للثورة الإسلامية. ثم توسع الموضوع إلى 7 اشخاص، وصار إلحاح من بعض الاخوة لان يكون لهم تمثيل في رئاسة المجلس، وبعد النقاشات تم الاتفاق على 9 أعضاء لرئاسة مجلس الحكم وتم التصويت من قبل جميع الأعضاء على ذلك. وهكذا تكونت هيئة رئاسة مجلس الحكم. وبسبب مخلفات العمل في المعارضة في الخارج تقرر ان تكون رئاسة المجلس دورية على ان يتولى كل من التسعة اشخاص الذين اختيروا لرئاسة المجلس الرئاسة لمدة شهر وحسب تسلسل الحروف الابجدية وكان اول رئيس للمجلس إبراهيم الجعفري ثم أحمد الجلبي ثم انا".

حل الجيش العراقي
يقول علاوي: "كان علينا مناقشة جملة من المواضيع المهمة والتي اصطدمت بسببها مع  بريمر، ومن أبرزها مسألة حل الجيش واجتثاث البعث، بالاضافة إلى مسائل أخرى تتعلق بصلاحيات المحافظات حيث منح بريمر مجالس المحافظات شبه استقلالية عن القرار المركزي. وكان هذا القرار طبعاً يمثل رأياً موجوداً في وزارة الدفاع الأميركية والولايات المتحدة، لهذا انتهيت شخصياً إلى ان هذه المسألة يجب ان تكتب على صفحات الصحف الأميركية. وكتبت مقالات نشرت كافتتاحيات لأهم الصحف الأميركية، مقال في "نيويورك تايمز" وآخر في "واشنطن بوست"، وكلا المقالين ينددان بالسياسة الأميركية المتبعة في العراق ومنها حل الجيش ومؤسسات الدولة ومسألة اجتثاث البعث. وطالبت من خلال المقالات ان تكون مسألة اجتثاث البعث قضية قانونية وليست سياسية وان لا نسلط السيف على رقاب الناس لانهم كانوا بعثيين، فنعاقب ونفصل معلمة في النجف، أو معلماً في كربلاء، وآخر في البصرة، بل ان نحيل البعثيين الذين اقترفوا جرائم ضد الشعب إلى القضاء".

وينبه هنا إلى ان: "نشر المقالات في الصحف الأميركية ولد ردة فعل لدى بريمر، خاصة اعتراضي على حل الجيش العراقي. ففي مقابلة مع الـ(واشنطن بوست) تحدثت عن تنظيم الجيش مثلاً وقلت إنه لا توجد دولة بلا جيش واذا وجد الجيش يجب ان تكون له قوات مدرعة وقوات ردع (القوات الخاصة) التي يجب ان تتحرك ضد الإرهابيين والقوى المتمردة. هذه المقالات اثارت لدى بريمر استياءً شديداً، واذكر اني كنت عائداً من كوالالمبور وكنت الرئيس الدوري لمجلس الحكم فرأست وفد العراق لمؤتمر الدول الإسلامية في كوالالمبور، وكان سيعقد بعد يومين مؤتمر الدول المانحة في إسبانيا الذي كنا قد رتبنا له. وكنت في طريقي إلى مدريد لإلقاء كلمة العراق لكن مجابهة عاصفة حدثت بيني وبين بريمر".

لقاء عاصف
ويتحدث علاوي عن هذه المقابلة قائلا: "عندما عدت من كوالالمبور عن طريق دولة الامارات، والاخوان هناك اعطونا مشكورين طائرة عسكرية خاصة اقلتنا إلى بغداد. وعند الوصول إلى بغداد، وجدت الدنيا قائمة ولم تقعد، السكرتارية والمستشارون ومعاوني أبلغوني بان لي موعداً طارئاً مع بريمر. وكان هذا احد اللقاءات العاصفة بيني وبينه. قلت له: إذا كانت المواضيع التي نشرت في الصحافة (الأميركية) لم تعجبك فأنا شخصياً سأنشر مقالات اقوى مما نشر بكثير، وقلت له: عليكم ان تفهموا اننا اولاً لا مشكلة لنا مع الولايات المتحدة ولكننا غير راضين عن السياسة التي تؤدي إلى تدمير البلد وتفكيكه، ولا اعتقد ان هذه هي السياسة العامة التي تصب في مصلحة الولايات المتحدة الأميركية. وحتى إذا كانت هذه السياسة تصب في مصلحة الولايات المتحدة، فنحن ضدها جملة وتفصيلاً، وليس من حقك ان تعترض. فرد بريمر قائلاً: لقد أحرجتني كثيراً في مقالاتك وتصريحاتك التي تقول فيها نحن لا نريد هذا ونحن نريد ان نعمل كذا. وانا بالمناسبة لم اكن اتحدث عن هذه المواضيع مع الإدارة الأميركية والإدارة البريطانية فقط، بل مع قادة دول عربية وإسلامية وأحثهم على تبني وضع العراق والمشروع الوطني العراقي الذي يقضي إلى تشكيل قوات مسلحة ووزارة دفاع وأجهزة أمنية. وكنت اتحدث مع القادة العرب بشكل مستمر للضغط على الولايات المتحدة للتراجع عن مسألة اجتثاث البعث التي تحولت لسيف سياسي مسلط على رقاب البعثيين وغير البعثيين وضرورة التعامل معها قضائياً".

لكن الامر لم يتوقف عند بريمر ببغداد، يستكمل علاوي حديثه قائلا: "بعد هذا اللقاء مع بريمر دعيت لزيارة الولايات المتحدة، وكنت ما ازال في رئاسة مجلس الحكم وقتذاك. صارت عندي اجتماعات هناك وكنت قد جهزت نفسي بأنه سيحدث صدام آخر، وتوقعت ان بريمر نقل كلاماً سلبياً عني وان هناك حالة استياء من المقالات التي نشرتها. وكنت مستعداً لمواجهة هذا الموضوع لانني كنت مؤمناً به تماماً كشخص وكحركة وفاق". مضيفا: "صار حديث مع الإدارة الأميركية حول الحملة التي قدناها ضد حل الجيش ومؤسسات الدولة، ولنا الفخر في حركة الوفاق الوطني العراقي اننا قدنا هذه الحملة. ونتيجة الاجتماعات والنقاشات مع المسؤولين في الإدارة الأميركية توصلت إلى ضرورة تشكيل وزارة الدفاع، بالرغم من عدم موافقة بريمر، وتشكيل جهاز المخابرات الوطني العراقي. حاول بريمر الاعتراض على هذه التشكيلات لكن قناعة تولدت في واشنطن ولندن وفي الدول العربية الصديقة لدعمنا وصارت الموافقة على تشكيل وزارة الدفاع".

يستطرد علاوي قائلا: "في مجلس الحكم كنت العضو المنتخب المسؤول عن الملف الأمني. لهذا بدأنا نناقش في اللجنة الأمنية مسألة تشكيلات وزارة الدفاع وتشكيل جهاز المخابرات الوطني العراقي وشكلت هذه أجهزة قبل انتقال السيادة إلى العراقيين وتم تعيين وزير للدفاع وكان رئيس الوزراء وقتذاك هو بريمر نفسه".



مشيراً إلى انه "كان هناك استياء من بريمر عندما وجد ان الموقف المعكوس هو الذي انتصر عليه وعلى قراراته، وهي اعادة تشكيل وزارة الدفاع والمخابرات. ومن جملة الامور التي هاجمتُ الحاكم الأميركي فيها هي فكرة تسمية الجيش بـ(الدفاع المدني) التي اقترحها هو. وخلال لقاءاتي في الولايات المتحدة قلت لهم لا يتناسب مع كرامة العراق ان يسمى جيشه بالدفاع المدني، والمعروف ان اختصاصات الدفاع المدني هي إطفاء الحرائق ومساعدة الناس في الكوارث، مع اعتزازنا بالمهمات التي يؤديها الدفاع المدني. عندما انتقلت لنا السيادة اتخذنا قراراً بتسمية الجيش العراقي والحرس الوطني ثم اتخذت قراراً فيما بعد بتحويل الحرس الوطني إلى الجيش العراقي".

 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب
 

آخر الأخبار

صورة لرائد فهمي ودعاية انتخابية

رائد فهمي لرووداو: هناك سقف محدد للإنفاق على الدعاية الانتخابية ويتم التجاوز عليه دون محاسبة

انطلق ماراثون الدعاية الانتخابية لعشرات الأحزاب والتحالفات المتنافسة على مقاعد مجلس النواب العراقي في جميع أنحاء العراق، والتي تستمر حتى اليوم الأخير قبل موعد الاقتراع الرسمي في 11 تشرين الثاني 2025.