الباجه جي: مجلس الحكم تشكل على اساس طائفي وكان بين اعضائه "الزين والشين".. وبعض من يحكمون البلد ولاؤهم لايران

12-01-2022
معد فياض
الكلمات الدالة عدنان الباجه جي بول بريمر مجلس الحكم
A+ A-
 
رووداو ديجيتال

تنشر رووداو على حلقات كتاب "عدنان الباجه جي.. رجل بين قرنين"، فهذا الدبلوماسي الذي مثّل العراق في الأمم المتحدة لأكثر من 50 عاماً، وتبوأ منصب وزير الخارجية في الستينيات، ولد في بدايات القرن الماضي، ورحل في الربع الأول من القرن الحالي، وبهذا يكون بالفعل قد عاش بين قرنين مزدحمين بالأحداث العراقية والعربية والدولية. كما التقى الملك فيصل الأول، مؤسس العراق الحديث، وعاصر كل رؤساء حكومات العهد الملكي ورؤساء الجمهوريات العراقية وصولاً إلى صدام حسين وما بعده. هذا الكتاب ليس مذكرات بالمعنى التقليدي، لم يكتبها الباجه جي بنفسه، بل هو صفحات بارزة من حياته، وتطلّب إنجازه المرور بمراحل عدة وعلى مدى أكثر من سبع سنوات، وعبر محطات بدأت في لندن عام 2010 وانتهت في أبو ظبي عام 2017. أنا أسأل وهو يسرد بدقة.
 
كنا نتناقش، ونحلل، ونبحث، ونمضي خلال أزمنة ودروب وأزقة تنطلق من حي السنك في شارع الرشيد، حيث ترعرع الباجه جي، ونذهب إلى مدن بعيدة، نجتاز بحاراً وقارات لنتتبع قصصاً وأحداثاً وشخوصاً وتواريخ. تحدثنا عن السياسة والمدن والأزياء وأسلوب حياة المجتمع العراقي خلال مائة عام تقريباً.
 
الحلقة  (29)
 
مجموعة السبعة
 
حتى ذلك الوقت، لم يكن الباجه جي قد التقى بول بريمر، الحاكم الأميركي المدني للعراق، الذي كان منشغلا وقتذاك لاقناع القادة العراقيين بالمشاركة في مجلس الحكم. وحسب ما كتبه بول بريمر في مذكراته"عام قضيته في العراق" حيث يقول: "في مساء الجمعة 26 مايو 2003 كان من المتوقع لقاء سبعة ممثلين في قاعة الاجتماعات في القصر حيث نعقد اجتماعات الموظفينِ والمجموعة التي اصبحت اطلق عليها صفة مجموعة السبعة الكبار تضم: احمد الجلبي من المؤتمر الوطني العراقي واياد علاوي زعيم حزب الوفاق الوطني العراقيِ والزعيمين الكورديين مسعود بارزاني قائد الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وجلال طالباني زعيم الاتحاد الوطني الكوردستاني، ونصير الجادرجي من مجلس القيادة العراقي، وابراهيم الجعفري من حزب الدعوة وعادل عبدالمهدي وحامد البياتي مثلا المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، وذلك لان زعيم الحزب عبد العزيز الحكيم كان مريضاً وشككت في ان يكون مرض الحكيم مرضا 'دبلوماسيا' لانه لا يثق في نوايا التحالفِ".
 
يضيف بريمر: "ركزت في الاجتماع على انه لن يكون هناك نقل فوري للسلطة كما كان يرغب البعض، ولكننا على استعداد لنقل مسؤوليات متزايدة للقادة العراقيين".
 
اللقاء الاول مع بريمر ودي ميلو
 
يوضح الباجه جي قائلا: "دعاني بريمر إلى اجتماع موسع، عقد في قصر المؤتمرات، وحضره الأعضاء السبعة، وأنا، والشريف علي، وكانت هذه المرة الأولى التي ألتقيه فيها (بريمر)، ثم وصل إلى بغداد دي ميلو، الممثل الخاص الجديد للامم المتحدة الى العراق في 3 يونيو (حزيران) 2003، وهو برازيلي قتل في تفجير مقر الأمم المتحدة في بغداد، وكنت أول شخص يزوره، وأظهر تعاطفه، وقال: نحن على استعداد لمساعدة العراقيين. فأجبته: نحن غير راضين عن هذه الأوضاع كلها، فالعراق من أوائل الدول المؤسسة للأمم المتحدة وتضعونه تحت الوصاية، ثم إني شخصيا، ومنذ الخمسينات، كنت أقود الحملات في المنظمة الدولية لمنح الدول الاستقلال وضد الوصايات، وبعد هذا كله يكون العراق تحت الوصاية! وأضفت قائلا: العراق كان في لجنة الوصاية لتسع سنوات، وقبلها في لجنة تصفية الاستعمار، وفي لجنة الدول غير المتمتعة بالحكم الذاتي. وبينت له موقفي، وقلت: هذا غير مقبول، وخطأ كبير أن نكون تحت الاحتلال بقرار من الأمم المتحدة. لهذا، جهودي كلها سأجندها لتخليص العراق من هذه الوصاية، وسوف أعمل وفي أول فرصة لإنهاء هذا الوضع الشاذ، حتى يحصل العراق على سيادته، وتسلم الأمور إلى هيئة قيادية مؤقتة، ريثما تجري انتخابات ويقرر الشعب العراقي من يحكمه".
 
بريمر والتفرد بالسلطة
 
كل ما ذكر الباجه جي الحاكم المدني الاميركي، بول بريمر، وصفه بانه يتفرد بقرراته، يقول: "لكن بريمر الذي عرف بتفرده، وتسلطه في اتخاذ القرارات"، حسب وصف الباجه جي، اقترح "تشكيل لجنة استشارية تساعده على إدارة البلد، وتكون أموال العراق تحت تصرفه، وهو من يتخذ القرارات كلها، فهو الحاكم العام، وكان متسلطا على الرغم من أنه يحاول أحيانا أن يكون لطيفا، لكنه في الوقت ذاته يذكرنا بأنه الحاكم العام، وأنه مسؤول مسؤولية دولية، وأن مجلس الأمن هو من أعطاه هذه المسؤولية، وأنهم قوة احتلال، وعندهم قوات على أرض العراق".

 

 
يستطرد الباجه جي في حديثه قائلا: "رفضنا مقترح بريمر، وشددنا على أن تكون هناك هيئة عراقية مسؤولة عن الجانب التنفيذي، وقلت له: في الأقل في موضوع العلاقات الخارجية، فإذا صار اجتماع للجامعة العربية، فهل ستبعث بضابط أميركي يمثل العراق؟ أو أنت تمثله، هذا أمر غير معقول.. رفض بريمر إعطاء العراقيين أي صفة تنفيذية، وأصر على الصفة الاستشارية، فصارت سجالات مطولة، رفض الجانب الأميركي خلالها تسمية المجلس حكومة عراقية، وتم إيجاد تسمية أقرب إلى الحكومة، فصار اتفاق على تشكيل هيئة تحمل اسم مجلس الحكم، باعتبار أن هذه التسمية هي الأقرب إلى الحكم بدلاً من حكومة، على أن يتقيد هذا المجلس بقرارات مجلس الأمن، وأن يكون موضوع العلاقات الخارجية من حقنا، يعني نحن نمثل العراق في اجتماعات الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو أي اجتماع أو مؤتمر خارجي، وأيضا من حقنا تعيين الوزراء، وعلى أن لا يُتخذ أي قرار يمس بسيادة العراق أو يؤثر عليها إلا بموافقتنا".
 
انقاذ ما يمكن انقاذه
 
يبرر الباجه جي موافقته في الدخول إلى مجلس الحكم، قائلا: "أنا وافقت على أن أكون عضوا في مجلس الحكم، لأنني أردت العمل من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه ضمن قرار مجلس الأمن، وتقليل الضرر الناجم عن الاحتلال، والاستفادة من الظروف الجديدة لصالح العراق والعراقيين، والبديل كان المقاطعة، وهذا يعني أن الأميركيين سوف يحكمون العراق بشكل مطلق ومباشر، وهذا لم يكن في مصلحة البلد والناس، والموضوع بالتالي مسألة اجتهاد، هناك من قال: لو قاطعتم هذا المجلس لأحرجتم الأميركيين. لكننا عملنا على انسحاب الإدارة الأميركية من حكم العراق بوقت مبكر، وهذا نتيجة جهود مستمرة".
 
بعد سنوات طويلة يعود الباجه جي إلى الأمم المتحدة ممثلا العراق، "إذ تشكل مجلس الحكم، وتلقينا دعوة من الأمين العام للأمم المتحدة بحضور اجتماع لمجلس الأمن في نيويورك، فرشُحت لرئاسة الوفد وبعضوية عقيلة الهاشمي، عضوة مجلس حكم التي اغتيلت بعملية تفجير سيارتها وتوفيت في 25 سبتمبر (أيلول) 2003، وأحمد الجلبي. وذهبنا إلى الأمم المتحدة، حيث التقيت هناك وزراء الخارجية العرب، وبقية وزراء الخارجية الذين حضروا الاجتماع، وممثلي الدول الدائمة العضوية في المجلس، وممثل سوريا، التي كانت وقتذاك عضوة في مجلس الأمن، وقد كان ممثلها متحفظا على طروحاتنا".
 
يستذكر قائلا: "كنت كلما ذهبت إلى نيويورك أزور الأمم المتحدة، والتقي الأمين العام، ووزراء الخارجية العرب وغير العرب وكبار المسؤولين، وألقي خطابات في بعض الأحيان.. وفي هذه الزيارة ألقيت كلمة العراق، وكانت هذه هي المرة الأولى التي يُسمع فيها صوت العراق في مجلس الأمن منذ الاحتلال، حيث قلت: إن حضور العراق إلى هذا الاجتماع يعني أن سيادة العراق قد أعيدت إلى العراقيين، لهذا يجب أن نتخذ الخطوات العملية لتفعيل هذا الموضوع".

 

 
الحفاظ على السيادة
 
ومن وجهة نظر الباجه جي فإن "العراق كان محتفظا بسيادته، وكل ما في الأمر أن الحكم كان في يد الإدارة الأميركية، وأعني هنا أن تمثيل العراق في المحافل العربية والدولية بقي مثلما هو ولم يتأثر، وكان اقتراحي الذي قدمته إلى مجلس الأمن والدول الكبرى هو أن يكون الحكم في يد العراقيين وبشكل كامل لممارسة هذه السيادة. وقد اتصلت بهذا الشأن بالأمين العام للأمم المتحدة، آنذاك، كوفي أنان".
 
يكمل الباجه جي حديثه عن لقاءه مع كوفي أنان، قائلا: "على أثر ذلك، دعا أنان وزراء خارجية الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن للقاء في جنيف، وطلبت مقابلة الأمين العام ووزراء الدول الخمس الكبرى في جنيف، إذ كانوا يبحثون مشروع قرار جديد يصدر عن مجلس الأمن، وكان رأيي أن يكون مشروع القرار عبارة عن إعادة السلطة إلى العراقيين عن طريق مجلس حكم موسع، يتكون من 120 بدلا من 25 عضوا، ينتخبون من بينهم هيئة قيادية أو تنفيذية تتولى حكم العراق، وتهيئ لانتخابات لمجلس تأسيسي يضع الدستور، ووفق هذا الدستور تجري انتخابات للبرلمان وحكومة دستورية".
 
العراق بأسوأ اوضاعه
 
ويرى أن "بريمر ارتكب أخطاء، وأسلوبه كان يخلو من الرقة أو الدبلوماسية، لكن الكثيرين من السياسيين العراقيين يلومونه ولا يلومون أنفسهم، وهو أيضا كتب عن أعضاء مجلس الحكم واستثنى البعض، ووصفهم بأنهم غير لائقين لإدارة الدولة، وذلك في معرض تبريره اتخاذه قرارات فردية. فأعضاء مجلس الحكم فيهم (الزين وبينهم الشين)، الجيد وغير الجيد، والشخصيات السياسية الجيدة معروفة، لكن المشكلة هو أن الاختيار تم على أساس طائفي، هذا شيعي وذاك سني".
 
ويؤكد الباجه جي أنه: "لم يكن للبريطانيين أي دور مؤثر في الوضع العراقي، ذلك لأن بريطانيا وبعد الحرب العالمية الثانية فشلت، ولم تعد مؤثرة، وأرادت أن تتخذ موقفا ضد الولايات المتحدة في قضية السويس، وفشلوا فشلا ذريعا في هذا الجانب، لهذا انتهى دورها وبقي ثانويا، يضاف الى ذلك سمعتها كدولة استعمارية".
 
ويعبر الباجه جي عن اعتقاده بأن "الأوضاع اليوم في العراق هي الأسوأ، فالتقسيم الطائفي لا يزال مستفحلا، والوضع الأمني سيئ للغاية، والسلاح سائب في أيدي الناس، والدولة لا تدار بشكل صحيح، بل إنه من أسوأ العناصر اليوم هي التي تديرها، ودبلوماسيا العراق اليوم يعد من أضعف دول العالم، ولا يأبه به أحد، والجهد الدبلوماسي كله هو أن ينال العراق رضا بعض الدول".
 
ويحذر الباجه جي من "مخاطر فكرة إقليم الجنوب، التي تريد تحويل جنوب العراق إلى إمارة أو دولة، تكون بخيراتها وناسها تحت الحماية الإيرانية، ومن يدعو إلى هذا الإقليم يؤمن بولاية الفقيه، بل إن أحمدي نجاد، الرئيس الايراني الاسبق، أعلن في مناسبة سابقة لدى استقباله عمار الحكيم، بأن الحكيم يؤمن بولاية الفقيه، وهذا يعني أنه يؤمن بالانضمام إلى إيران، التي تتدخل بشكل مباشر في الشأن العراقي، مقابل هذا هناك تجاهل من دول الجوار العربي للقضية العراقية، وعدم اهتمام بالانتخابات، وهذا خطأ، فهذه الانتخابات ستقرر مصير العراق، وهو دولة مهمة، واستقراره مهم لكثير من الدول العربية المجاورة التي تربطنا بهم علاقات العروبة القومية".

 

 
السيطرة الايرانية
 
وبخبرته الدبلوماسية والسياسية العميقة، يوضح أن "إيران تريد السيطرة على منطقة الخليج، بدليل أنهم يثيرون ضجة دولية إذا قال أحد (الخليج العربي)، ويصرون على أنه الخليج الفارسي، وهذا الموضوع لا يتعلق بالتسمية فحسب، بل بالجوهر، لأنهم يعتبرون منطقة الخليج كلها فارسية، وفكرتهم هي أن يعود العرب في منطقة الخليج إلى الصحراء، ويبقى الخليج بضفتيه لهم. والموضوع الأكثر خطورة الذي يجب أن تنتبه له الدول الخليجية هو أن العراق إذا سقط، إو إذا صار هناك إقليم الجنوب كمحمية إيرانية، فهذا يعني أن الخليج العربي سوف يسقط في أيدي الإيرانيين، وهم لن يضموا دول الخليج العربية إلى إيران مثلما فعلوا مع الجزر الإماراتية الثلاث، بل يضعون حكومات ضعيفة خاضعة لهم، ومع مرور الوقت يفتحون أبواب الهجرة واسعة أمام الإيرانيين، ثم بعد وقت قصير تكون الأغلبية الإيرانية أو الفارسية هي المسيطرة، فيدعون لاستفتاء عام بضم هذه الدول إلى إيران، تحت حجة أن هذه الدول عادت إلى أصولها التاريخية، وإذا سيطرت إيران على نفط الخليج فسوف تتحول إلى دولة عظمى. وعلينا أن نعرف أن إيران لا مانع لديها من أن تتفق مع إسرائيل لاقتسام المنطقة، بحيث تأخذ الدولة اليهودية ما تريد، وإيران تسيطر على العراق وسوريا، وتركيا لن تتحرك باعتبارها ذاهبة إلى أوروبا".
 

تعليقات

علق كضيف أو قم بتسجيل الدخول لمداخلات أكثر

أضف تعليقاً

النص المطلوب
النص المطلوب